الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة العين الباصرة

علي حسن الفواز

2007 / 12 / 21
الطب , والعلوم


قد يبدو السؤال عن جاذبية العين الباصرة للمرئيات مثيرا للالتباس، وقد يبدو اكثر اغواء، اذ العين تخرج عن نظامها البصري الفيزيقي الى نظام تبصيري يجعل من العين صانعة وظائف خارج الرؤية،وصانعة تجريدات تفسر بصعوبة ما هو مجسّد،حيث يكون التجريد وعيا باطنا وتأويلا للصورة او الخطاب..
ان ثقافتنا العراقية (العربية والاسلامية) لاتملك موروثا واضحا وقارّا في الصناعة البصرية (وظيفة العين خارج البصر)،ولاتملك وعيا بصريا يجعلها بمستوى فاعلية انتاج تجسيدات ظاهرة لهذا الوعي ، بدءا من اعادة انتاج علاقة الانسان بالمكان وانتهاء بانتاج عمران بصري يعبّر عن حيوية الوعي وصناعته..
ولعل اخطر التحولات التي حدثت في المعرفة البشرية انطلقت في جوهرها من ثقافة الصورة ،ثقافة العين المكتشفة والمدربة ،تلك الثقافة التي عكست تحول الوجود الانساني من العمومي الى المتخصص ،ومن الشفاهية الى المدونة، من المتخيل الى المرئي ..
ولاشك ان مرجعيات الثقافة العراقية في المكان والمقدس والوظيفة،اسهمت الى حدّ ما في تحديد حيوية البصري ودور العين الثقافية من ان تمارس دورا خارج ماهو(محلل ومباح وشرعي) والذي قد يجعلها اكثر توغلا وتساؤلا وتلمسا في الفضاء المعرفي ونقله من الايهامي الى الجسداني،ومن الثبات الى الوظيفة ..
ازاء هذا نجد ان وعي المكان العراقي محدود بوعي نظام البيت والمدينة والجامع والشارع ذات التراتبية الافقية ،وطبعا محددات هذا المكان لاتؤمن بصناعة ما يتقاطع مع الافق ، اذ تبدو هذه الصناعة تخريبا لنمط الذائقة الشعبية والطقوسية التي تقترن بطبيعة الوعي الديني ذات التفسيرات المحدودة ،وكذلك طبيعة المعيش المقترن بنظام وعي معين للمكان المراقب والخاضع ومحدودية وظيفته وسوء استخدامه ،وهذا ما اسهم في تخليق وتكريس منظور افقي لفعل الابصار مصاب بفوبيا مثيولوجية من المنظورات العمودية ،فضلا عن ان هيمنة الاشكال الراسخة لثقافة الصحراء وثقافة الريف ومحدودية الوعي العمراني ادت الى سيادة مفاهيم مضللة وخادعة عن الطبيعة والخلوة وكأنها صناعة مضادة لصورة المدينة/المكان ذي البنية العمرانية الشاقولية التي تقاطع منتجات المخيال المقدس، وهذا ما أسهم وبشكل خطير في عطالة دور ثقافة العمران البصري،بدءا من اعادة تأهيل العين الثقافية والهندسية/العمرانية وتوفير مستلزمات دربتها وتنمية خبراتها ، وانتهاء باعادة انتاج المدينة/المكان/الوجود باعتباره الفضاء الحاضن للوحدات الفاعلة والمتحولة في المكان ذاته ..
ان غياب أي تاريخ للعين الباصرة مقابل وجود خطير لوهم الرؤيا المتبصرة،وكذلك غياب ثقافة المرئي مقابل هيمنات معقدة من نصوص وشفاهيات اللامرئي الايهامي والشبحي ،اوجد نمطا من التقاطعات التي حددت لنا طبيعة الاشكال التي يمكن شرعنة وجودها بعيدا عن الايهامات بتجسيدها للذات الالهية والذوات المقدسة ، اذ ان المقدس وثقافة اللامرئي لايؤمنان باي شكل للتجسيد في نصوص صريحة ،ويضعان الحواس في سياق خدمة هذا اللامرئي ، وفي سياق منطقة استعادية تمارس فيه انتاج التجريدات الخاضعة لمفهوم التأويل ،فضلا عن غياب واضح لما يمكن ان نسميه ب(صدمة المكان) خارج موروث المدينة القلعة والاسوار والمدينة الايوان والجامع .. وطبعا هذا اسهم في ايجاد تراكمات لغياب مفهوم الصورة والشكل والبناء،مقابل تكريس ثقافة الصوت ومنع أي اتجاه يسعى الى الافصاح عن ماهو تصويري تجسيدي ايقوني..
وهذه الغيابات حددت ايضا وظائف الحواس ، خاصة العين عبر تحديد قدرتها في ايجاد ماهو خارج هذه الوظائف،و باتجاه ايجاد معادلات صورية توازي ما هو تأملي،اوتشكيلات بنيات تعزز قيم المعرفة المكتشفة ،خاصة اذا عرفنا ان المعرفة والثقافة والحضارة كلها تقوم على اساس تجسيدات مادية وظواهر علاماتية يحددها الانسان في المكان..
ان ثقافتنا بحاجة الى صدمة بصرية ،صدمة لونية ،صدمة في التعليم البصري، صدمة في السيطرة على الفراغ (اكثر مظاهر ثقافتنا مراضة) صدمة في البيئة البصرية .. واعتقد ان هذه الصدمات تحتاج بالمقابل الى صدمة المدينة،اذ ان المدينة العراقية مازلت خاضعة لنظام المكان العابر ،وليس المكان الاثر،واحسب ان المدينة المعاصرة كفضاء مكاني/عمراني ووظائفي يمنح العين مجالها لتجسيد الثقافة كتحققات مادية وكمظاهر تعيد انتاج الطبيع والفطرة ، ونقلها من المقروء الى التمظهر ،ومن الخفيض الى المجاهرة،واعادة صياغة العلاقات داخل هذه المدينة في ضوء الشروط العمرانية في التصميم الهندسي/الاغتراب البصري وفي الاداء، وفي استيعاب مفهوم التلوّن الديموغرافي وتقبله بطقوسه والوانه ومظاهره المتعددة والمختلفة ،فضلا عن اعادة صياغة مكونات المدينة القديمة بما يمنحها طابعا يتجاوز ما كرسته العين من منظورات متعددة دخلت سياق الالفة وليس المعرفة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في تشيلي.. صحراء أتاكاما مكب نفايات للملابس العالمية!! • فرا


.. عودة خدمات الإنترنت الثابت إلى مناطق وسط وجنوب قطاع غزة




.. مراسل العربية: احتجاجات بمدرسة العلوم السياسية في باريس تندي


.. -ممرّ السرطان-.. ولاية لويزيانا، عاصمة التلوث الصناعي في الو




.. خرائط غوغل… قصّة سويسرية