الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب مفتوح من أبي يســــار إلى الطبيب الحكيم بشــار

مصباح الغفري

2003 / 11 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ولي وطَنٌ أكبرْتُه عن مَلامَـــــة          وأكبرتُ أن يُدعى على الذنب مُذنبا
تنكّرَ لي عند المشيب ، ولا قِلىً          فمن بعض نُعماهُ الكهولة والصـــبا
   " بدوي الجبل"
يقول شاعر عربي قديم :

إن ثلثي الناس أعداء لمن تولّى الحُكمَ ، هذا إن عَدَل !

فكيف إذا كان الحاكمُ ديكتاتوراً يسجن الناس بدون محاكمة عشرات السنين ، ويقرّب إليه المُرتشين والفاسدين ، ويطلق لأقاربه أبواب الإثراء بالمليارات والملايين ؟
من باب أولى أن يكون أعداؤه نسبة تعادل تماماً النسبة التي يفوز فيها في الإستفتاء على مبايعته ، وهي النسبة التي كان والدكم الراحل يفوز بها بكل أسف ، لأنها نسبة لا تشرف الفائز بها ، بل تدمغه بالإستبداد والطغيان  .
ما دفعني إلى كتابة هذه الرسالة ، هو إلحاح الكثيرين من الأصدقاء الذين يظنون بك أيها الحكيم خيراً ، كتب لي أحدهم مُذكّراً بهذه الفقرة من خطاب القسم :

".. المجتمع لا يبنى ولا يتطور ولا يزدهر ، بالاعتماد على شريحة أو جهة أو مجموعة، بل يعتمد على تكامل عمل الكل في المجتمع الواحد، ولذلك أجد من الضروري جداً أن أدعو كل مواطن لكي يشارك في مسيرة التطوير والتحديث ، إذا
 كنا فعلا صادقين وجادين في الوصول إلى النتائج المرجوة في أقرب وقت ممكن".

لكن الذين صَدّقوا هذا الكلام الجميل ، وحاولوا أن يُشاركوا في مسيرة التطوير والتحديث ، من أمثال الدكتور عارف دليلة والمحامي حبيب عيسى ورياض سيف ومأمون الحمصي ورفاقهم ، هم نزلاء سجونكم اليوم ، وقد مضى على اعتقالهم زمن يعادل أكثر من نصف المدة التي أصبحتم فيها في سدة الرئاسة !
فما ذا يعني التصدي للفساد إذن، إذا كان من يطالب بالإصلاح ، يُســاق إلى أقرب مفرزة مخابرات؟

وجود الفساد يعني ببساطة ، أن شعار التصحيح الذي رفعه والدكم الراحل ، لا يختلف عن رفع المصاحف على السيوف في صفين :
 كلمة حق يُرادُ بها باطل .
واعتقال من يُبدي رأيه في كيفية الإصلاح في عهدكم ، يعني أنكم تسيرون على الطريق التي سار عليها الراحل ، وهي طريق مسدودة كما تعلمون .
الفساد لم يكن مُستشرياً في تاريخ سورية كما كان في عهد الديكتاتور الراحل ، فلماذا تحاسبون من سرق المئات ، وتتركون من جمع المليارات ؟
هل أدلّكم على الفاسدين ؟
بعد توليكم الحكم ، تناقل الناس في سورية نكتة تقول :
ـ إستشار الرئيس بشار الأسد مفتي الجمهورية ، عن أفضل طريق لمكافحة الرشوة واللصوصية وصرف النفوذ ، فقال له المفتي :
ـ   عليك بتطبيق عقوبة قطع يد السارق !
 فالتفت بشار إلى نائبه عبد الحليم خدام وبقية المسؤولين ، وإلى أقاربه من أبناء الأعمام وأبناء الأخوال وسألهم :
ـ   هل تستطيعون ممارسة مهامكم بيدٍ واحدة !

اليوم أيها الحكيم ، وأنا أدعوك بلقبك العلمي ، وهو خير لك وأبقى من لقب رئاسة جاءتك ضمن ظروف لا تحسد عليها إطلاقاً ، اليوم مضى على ترئيسك للجمهورية السورية نصف المدة التي سيجري بعدها استفتاء جديد ، قد لا تفوز فيه ، ولا تستغربنّ ما أقول ، لأن عهد القائد إلى الأبد قد انتهى مع حافظ الأسد ، ولم يعد مقبولاً لا في الداخل ولا في الخارج ، والزمن الذي كان الرئيس يُرشح فيه من قبل قيادة الحزب الحاكم  كمرشح وحيد، قد ولى إلى غير رجعة ، فماذا قدمت في نصف مدة ولايتك لكي تفاخر به باقي المُرشحين في الجولة القادمة ؟

هل ألغيت الأحكام العرفيّة التي وُلِدْت أنت في ظلها ؟
هل أطلقت حرية القول والرأي والكلام وحرية تأسيس الأحزاب وإصدار الصحف ؟
هل حاسبت أقاربك وأقارب نائبك المُزمن ووزير الأوسمة والمطابخ ، وغيرهم من عرّابي مافيات التهريب والنفايات ، عما جنوه من مال حرام سُرق من لقمة الفقراء ؟
هل وضعت برنامجاً للحرب أو للسلام أو لاستعادة الأرض المحتلة ؟
هل أنصفت الذين ظلمهم والدك الراحل من ضحايا مجزرة تدمر وغيرها من المجازر ، أو هل فتحت تحقيقاً في هذه الجرائم التي قتل فيها الألوف بدم بارد ؟

هل سمحت بإعادة حق المنفيين ، بالحصول على جواز سفر ، هذا الحق الذي سلبته منا أجهزة المخابرات المتسلطة على كل مناحي الحياة ؟

الأسئلة أيها الحكيم كثيرة جداً ، وهي كلها إرث ثقيل من حكم الوالد الراحل ، الذي كان لا يغفرُ أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

مهما كانت نياتكم حسنة أيها الحكيم ، فلن تستطيعوا شيئاً بدون الديموقراطية وحرية الرأي وإنهاء تسلط الحزب والمخابرات ، فالتفاحة الجيدة ستفسد حتماً إذا وضعت في صندوق تفاح فاسد .

في هذه الأيام ، حيث اختلط الحابل بالنابل ، أقول لكم باسمي وباسم الكثيرين من المخلصين الذين يريدون لكم وللوطن الخير :
ـ المصالحة الوطنية مع شعب سورية الغفور ، أجدى من محاولة إرضاء العدو ، أياً كان هذا العدو ، فقد علمنا التاريخ ، أن إغضابَ العدو أسهل بكثير من إرضائه !

نقلت الأنباء في الأيام الأخيرة ، أن ملك المغرب أنشأ لجنة للإنصاف ، إنصاف الذين ظلموا ولوحقوا وسُجنوا وأعدموا وقتلوا تحت التعذيب في عهد والده الملك الحسن الثاني ، وليس في ذلك إساءة لوالده الراحل ، بل فيه نصرة له ، فقد جاء في الحديث الشريف :
ـ أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً
قالوا : ننصره مظلوماً ، فكيف ننصره ظالماً ؟
قال : تنصرونه ظالماً بردّه عن الظلم !

فإذا استطاع ملك أن ينصف المظلومين في عهد والده ، فمن باب أولى أن يقوم بذلك رئيس جمهورية انتخب من قبل الشعب .

أيها الحكيم بشار :

هل تذكر حكاية الفيلسوف اليوناني إكزانتوس مع عبده إلسوب ؟ يوم سئم من نكثه بالوعد وعدم إعطائه الحرية ،  قال له عندما طلب منه حل مشكلة عَلِق بها ، إذ تعهد أن يشرب مياه البحر :

ـ إشرب مياه البحر يا إكزانتوس !

إلسوب ، رفض أن يبقى عبداً ، ولو كان في ذلك بقاؤه على قيد الحياة ، وصَعَدَ إلى قمة جبل آتوس في آثينا ، لينفذ عقوبة السارق الحر ، وصاح صيحته الشهيرة :
ـ أيها الناس كونوا أحراراً !

 في كل مرة يتعرض فيها نظام الحكم المعادي للديموقراطية إلى الخطر الخارجي ، يلجأ إلى ابتزاز الشعب بحجة الدفاع عن الوطن ، وتخويفنا من الحرية ، وأن صناديق الإقتراع ستأتي بالأصوليين والسلفيين ، أليس في هذا الإبتزاز إعتراف صريح على أن هذه الأنظمة لا تفوز بغير التزوير ؟
متى استعبدتم الناسَ وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟
ومن أعطاكم حق الوصاية على شعب سورية ،  الذي عرف الحضارة منذ ألوف السنين ؟
 ليس بخافٍ عليكم أيها الحكيم ، أن أنظمة القمع العربيـــة ، ومنها النظام الذي ورثتموه ، ما كانت لتعيش وتبقى لولا الضوء الأخضر الأميركي .
ومع ذلك ، ورغم أننا ندرك تماماً أن الخلاف بين أنظمة الإستبداد والبيت الأبيض هو خلاف بين صاحب العمل وأحد عماله ، رغم ذلك فنحن  لن  نقول لكم :
ـ إشربوا مياه البحر .

رغم كل الخيبات التي عشناها في هذه السنوات العجاف ، ورغم أننا نعرف أن الإستعمار لم يفعل بالشعب معشار ما فعلته أنظمة الإستبداد  وأجهزة المخابرات العربية ، فإننا ندعوكم إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، ذلك أننا نستطيع التمييز بين العدو والصديق ، بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي ، متمثلين بقول الشاعر العربي القديم :

 وإن الذي بيني وبـــين بني أبي             وبين بني عمــــــي ، لمختلف جداً
 فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم            وإن هدموا مجدي ، بنيت لهم مجداً

يا سيادة الحكيم :

نحن أحفاد عروة بن الورد ، لا نملك شيئاً و لا يملكنا شيء . هانت مطامحنا ، حتى لأدنى طماحٍ غير مضمون !
نحن لا نهدف إلى كسب أو منفعة أو مصلحة شخصية ، لأننا من الذين عناهم الإمام أبو حنيفة بقوله :
ـ  لو عرف الملوك لذة ما نحن فيه ، لقاتلونا عليه !

إننا ، أصدقائي وأنا ،  نقدم لكم تجربتنا المتواضعة ، لأننا نتوسم فيكم خيراً ، ومن ظن بك خيراً ، فعليك أن تحوّلَ ظنه إلى يقين ، فباستطاعتكم ، وقد ورثتم تركة مثقلة بالديون ، أن تدخلوا التاريخ من الباب الذي دخل منه عمر بن عبد العزيز ، لا من الباب الذي دخل منه يزيد . والقضية لا تحتاج إلى بطولة ، إنها بسيطة جداً ، لخصتها العبارة التي قالها غيلان الدمشقي لعمر بن عبد العزيز ، بعد أن كلفه ببيع أموال الأمويين في ساحات دمشق ، فراح ينادي:
 ـ   تعالوا إلى أموال الظلَمَـــة  .
وقال لعمر :

ـ  إرفع علَمَ الحق ، يتبعك أهلُه .
ونحن نقول لكم :
ـ  إرفعوا أعلام الحرية والعدالة والإنصاف والمصالحة الوطنية ، وسترون كيف تجيد جماهير الشعب الصامتة ، صُــنعَ المُعجزات .

وتلك هي القضية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل اقترحت على السلطة الفلسطينية بشكل غير رسمي المشاركة


.. قراءة عسكرية.. القسام تنشر مشاهد لاستهداف جنود وآليات شرق مد




.. احظروهم 2024.. حملة لحظر المشاهير الصامتين عن الحرب الإسرائي


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد شخص وإصابة اثنين في غارة على




.. الجزيرة ترصد تفاقم معاناة ذوي الإعاقة خصوصا الصم والبكم جراء