الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذه الأوقات التي تمتحن قلوب الرجال

بشار السبيعي

2007 / 12 / 16
حقوق الانسان


لن ينتهي مسلسل الإعتقالات السياسية في الجمهورية العربية السورية لناشطين سياسيين معارضين للحكومة الحالية من جراء نفسه. ومن يعتقد أن حكومة بشار الأسد تعمل لصالح سوريا أو أبناء سوريا فماعليه إلا أن يقف عند أخبار الأسبوع الماضي لحملة الإعتقلات الواسعة من قبل أجهزة الأمن السورية لأعضاء إعلان دمشق بعد إجتماعهم بأيام في العاصمة السورية وإنتخابهم الدكتورة فداء الحوراني رئيسة للتنظيم.

هنا لابد لنا من التوقف و لو للحظات عند هذا الحدث الذي أصبح وكأنه من الأعمال الروتينية التي تقوم بها الحكومة السورية و يبقى الشعب السوري صامتاً لانسمع منه صرخة ألم ولا إحتجاج أو حتى أه على إخوانه و أخواته المعتقلون!!

أسمع كثيراً من أبناء وطني الحبيب أن حبهم لسوريا لايقاس وأن إنتمائهم وجذورهم للوطن شديدة العمق وصلبة البناء. ولكن عندما أسأل أحدهم كيف يمكن أن نشارك في عملية لتغيير الأوضاع العامة في الوطن أسمع العجز الفكري والعملي بكل طاقاته و إيمانه وتأتي العبارة المشهورة "الله يخلصنا منهن " !!! وكأن الجميع منتظراً المهدي المنتظر ليخلصهم من الإستبداد و الفقر والقمع و الإهانة ولكن هم أنفسهم لايؤمنون بقدراتهم على التغيير أو حتى الإحتجاج ضد نظام فقد شرعيته منذ سنيين ومازال يفتك بأبناء الوطن بشتى أشكال القمع و الإستبداد. ياللعجب!!

هل من المعقول أننا فقدنا إحساسنا بالظلم؟ هل من المعقول أننا أصبحنا في عداد المقهوريين فكرياً وعقلياً و جسدياً حتى أننا لم نعد نفرق بين الخطاْ أوالصواب؟ هل من المعقول أننا أصبحنا في حالة إنحطاط وإحباط معنوي لدرجة نالت من قدراتنا الفطرية على دفع أي خطر يقرب منا؟

أسئلة كثيرة ترد على أفكاري لتصبح هاجس يملأ قلبي بالحزن والشفقة على أبناء وطني. ولكن الأجوبة لابد لها أن تكون في طبيعة المواطن السوري الذي أصبح القهر و الذل اليومي له من قبل حكومة ظالمة ومستبدة من الأشياء الطبيعية التي لم يعتد على غيابها أوعدم وجودها وكأنه يلتهم المزيد من الإستبداد و الظلم لإثبات وجوده كمواطن على الأرض التي عرفها منذ ولادته.

في علم النفس هناك حالة مرضية تدعى (battered wife syndrome)، مايعني مرض الزوجة المضروبة، من أعراض هذا المرض أن الزوجة نفسها بعد سنيين من الضرب المستمر لها تشكل في عقلها حالة نفسية لتبررأسباب إنتهاك جسدها عنفاً من قبل الزوج وتؤمن إيماناً كاملاً أن ماتلقاه على يد زوجها من العنف و الضرب هو ماتستحقه و تعيش في هذه الحالة من يوم إلى أخر تنتظر العقاب المنتظر من زوجها على ماتفعله من صغيرة و كبيرة.
هذه الحالة تذكرني بالشعوب العربية عامة و الشعب السوري بشكل خاص. فقد أصبحت حالتنا المرضية متفاقمة لدرجة أننا أصبحنا نظن أننا نستحق إنتهاك حرياتنا الفكرية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية من قبل حكام طغاة يفتكون بعقولنا وأوطاننا من دون رادع أو خوف.
القهر والفقر والعذاب أصبحوا من الملزمات اليومية لمعيشتنا والإضطهاد و الجوع والظلم أصبحوا غذائنا.

هذا لايعني أنه لم يعد هناك من المناضليين الشرفاء في جميع البلدان العربية. ولكن للأسف أن معظم هؤلاء هم سكان السجون المظلمة والأقبية الباردة المتناثرة و المتكاثرة من المحيط إلى الخليج. هؤلاء من يشعلوا أجسادهم لإنارة الطريق لما تبقى من أصحاب الضمير و الفكر الحر.

البعض يبررعجز الشعب السوري المقهور للخوف المزمن والمستأصل في قلوب المواطنيين من بطش تعسفي للحكومة السورية بأبناء الوطن. حقيقة لاتخفى، فمن تابع مسلسل حكم الطوارئ الذي ينكح في صلب الوطن منذ أكثر من 44 سنة، يعرف أن مايتوفر لهذه الحكومة من أدوات الظلم والإستبداد والقهر التي تستعمل يومياً ضد أبناء الشعب السوري متجسدة في أحكام عرفية تودي بأصحابها في سجون باردة ليتلقوا أنواع العذاب على أيدي جلادهم الأمني، وتجعل الإنسان الطبيعي يتقمص حالة النكران و يتجنب العمل الوطني بكل أشكاله. لاعتب على من يقطن ربوع الوطن تحت هذه الظروف الصعبة، ولكن كيف نفسر إشمئزاز السوري المغترب من المشاركة في هذا الواجب الوطني النبيل؟ ليس هناك من جلاد بالمرصاد أو حاكم مستبد يقف في طريقنا أو يهدد أمننا وسلامة أنفسنا. نعيش في ربوع الحرية والسلام في أوطان مختلفة تمتد عبر قارات العالم وتؤمن لنا معيشتنا في غربة قاسية تنهك قلوبنا، ومع كل ذلك نرفض أن نعبر عن أرائنا و أمنياتنا في بناء وطن حر مزدهر أو نرفع أصواتنا لندد في حاكم ينتهك حرياتنا و يرهب إخواننا و أخواتنا و أبناء وطننا في حملة إعتقالات جائرة ليرسل رسالة الإرهاب و الخوف في قلوبنا و قلوب كل الأحرار و المناضليين.

في إفتتاحية كتابه المشهور (Crisis) "أزمة" يقول الكاتب الشهير والأب الروحي للثورة الأمريكية ثوماس باين "هذه الأوقات التي تمتحن أرواح الرجال"
( These are the times that try men s souls)، هذه الكلمات أشعلت روح الحرية و الكرامة في قلوب المستطونيين الجدد وخلقت مانعرفه اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية، فهل يصل صداها إلى قلوب كل أحرار سوريا المغتربين ليقفوا صفاً واحداً وصوتاً واحداً في وجه الظلم و الإستبداد؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيليون يتظاهرون أمام منزل بيني غانتس لإتمام صفقة تبادل ا


.. معاناة النازحين في رفح تستمر وسط استمرار القصف على المنطقة




.. الصحفيون الفلسطينيون في غزة يحصلون على جائزة اليونسكو العالم


.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا




.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا