الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا يكفي أن يكون تشافيز مع الفقراء!

فواز طرابلسي

2007 / 12 / 14
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


حسناً فعل هوغو تشافيز إذ اعترف بهزيمته في الاستفتاء الشعبي يوم الأحد الماضي ودعا الى احترام المؤسسات الديموقراطية. ذلك أن اعتراف زعيم «الثورة البوليفارية» (نسبة الى محرّر أميركا اللاتينية، سيمون بوليفار) بالهزيمة قد جنبّه، مؤقتا على الأقل، إغراء تنصيب نفسه دكتاتورا على بلاده وشعبه.
فموضوع الاستفتاء الذي نالت فيه المعارضة 51 في المئة من الأصوات كان سلّة من التعديلات الدستورية تسمح لتشافيز بالتمديد لنفسه رئيسا للجمهورية مدى الحياة وتمنحه صلاحيات استثنائية، بما فيها حق الرقابة على الإعلام.

حسنا فعل تشافيز لأنه قبل بإخضاع مشروع اقتصادي واجتماعي يريده ذا منحى اشتراكي الى حكم السيادة الشعبية والرأي العام، ولم يكتفِ بالتذرّع بـ«الشرعية الثورية» أو بـ«الطليعية» ليفرض على الناس ما لم يختاروه بملء الإرادة.
لا شك في أن «الثورة البوليفارية» أعادت الأمل للملايين من أبناء شعب من 26 مليون نسمة، يعيش لا أقل من ثلاثة أرباعهم في الفقر، بعد عقود من سيطرة قلّة من الأغنياء على مقدراته واستحواذها على ثروته النفطية يمثلها حزبان يمينيان فاسدان، حزب العمل الديموقراطي والحزب الديموقراطي المسيحي.

ما قدّمه تشافيز لشعبه في المجالات الاجتماعية منذ تسلّمه الحكم عام 1998 يستحق التقدير. نجح في فرض عقود جديدة على كبريات شركات النفط الأميركية، رفع أسعار النفط وزادت العائدات، مستفيدا من ارتفاع أسعار النفط، أنفقت الحكومة الفنزويلية بسخاء على توسيع الخدمات الاجتماعية للفقراء في مجالات السكن والصحة والتعليم وتوفير الكهرباء ومياه الشفة وتوزيع الأراضي. وقد أنجد فيدل كاسترو تلميذه ورفيقه تشافيز، بإرسال الآلاف من الأطباء والمدرسين الكوبيين الى فنزويلا مقابل حصول الجزيرة المحاصرة على احتياجاتها من النفط بعد توقف الإمداد الروسي إثر انهيار الاتحاد السوفياتي. ويذكر ايضا الدور الذي أدته »الثورة البوليفارية« في منح الهنود حقوق المواطنة الكاملة ومساعدتهم على استعادة أراضيهم وغير ذلك من أشكال رفع الحيف والإهمال عن سكان البلد الأصليين.

الى هذا يجب أن تضاف جهود تشافيز لبناء المحور كوبا ـ فينزويلا ـ بوليفيا المناهض للهيمنة الأميركية وفروض المنظمات الدولية في أميركا اللاتينية، وتوسيعه باتجاه البرازيل والبيرو والاكوادور ونيكارغوا، ما حوّل أميركا اللاتينية الى أحد مراكز انطلاق حركات العولمة البديلة.

ولكن منذ انتخابه رئيسا للجمهورية عام 1998 وتشافيز يسعى لبناء «الديموقراطية التشاركية» القائمة على الخلايا «البوليفارية» القاعدية على مستوى المحلّة ومكان العمل. يتبيّن أكثر فأكثر أن هذه «الديموقراطية القاعدية»، مثلها كمثل شبيهاتها في كوبا أو «اللجان الشعبية» في ليبيا، إن هي إلا قواعد يتكئ عليها نظام استبدادي فردي. ويذكر في هذا الصدد أن الرئيس الفنزويلي استلهم البعض من عادات وتشريعات أنظمة الاستبداد في منطقتنا، ومنها مثلا قانون يعاقب بأحكام سجن قاسية من يتعرّض لمقام الرئاسة (كانت العقوبة في عراق صدام حسين تصل الى الإعدام!). بعبارة اخرى ان «قاعدية» الديموقراطية لا تغني ولا تسمن من جوع الناس الى حريات الرأي والتعبير والتنظيم والمبدأ التمثيلي الانتخابي وتداول السلطات وجدل الأكثرية والأقلية. وليس صدفة أن تجد المعارضة الفاسدة ما يسمح لها بأن تجدّد نفسها بواسطة جمهور من الشباب متعطش الى حقوق الإنسان الحريات.

لا يكفي أن يكون تشافيز مع الفقراء.

يجب أن ينقضي زمنٌ يحق فيه لحاكم أو لحزب أو سلطة أن يضع المساواة في وجه الحرية وأن ينصّب الاشتراكية في وجه الديموقراطية القائمة على تداول السلطات. وأثبتت التجارب أن تجاوز الديموقراطية السياسية (ويريدها البعض «برجوازية» مع أنها بالدرجة الأولى صنيعة الجماهير الشعبية) لا يكون بالانتكاس الى أنظمة الاستبداد الشعبوية الطليعية، بل يكون بتطوير الديموقراطية السياسية ذاتها نحو الديموقراطية الاجتماعية الذي هو الاسم الأصلي للاشتراكية، التي كانت وتبقى أرقى شكل من أشكال الديموقراطية لأنها الديموقرطية الشاملة.

على أن كل هذا لا يستنفد إلا نصف الموضوع. لقد ارتضى تشافيز الاحتكام الى الشعب عبر الاستفتاء العام. ارتضى ذلك «مؤقتا»، كما أعلن، على أمل أن يعدّل من الرأي العام، وهذا من حقه طالما انه يتمّ بالوسائل السلمية والديموقراطية ومن خلال المؤسسات التي دعا الى الحفاظ عليها.

ارتضى تشافيز. ولكن هل يرتضي جورج دبليو بوش، أو «المستر خطر»، كما يسميه الرئيس الفنزويلي؟ كثير عليه النعت؟ انه مهندس الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس تشافيز المنتخَب دستوريا، عام .2002 قبل أن يعيده الشعب والقوات المسلحة الى الحكم. ولم يكتف بوش بهندسة الانقلاب، بل أيده علنا. وذلك في عزّ حملة الدجل الأميركية عن تعميم الديموقراطية على العالم. ولا اكتفِى راعي الأصوليين الإنجيليين الأميركيين بات روبرتسون بتأييد الانقلاب بل دعا الإدارة الأميركية الى اغتيال الرئيس الفنزويلي! فهل قليل أن يتوجس ملايين من مواطني فنزويلا من أن الإدارة الأميركية تحضر لغزو بلادهم عسكريا، بعدما شاهدوا غزو أفغانستان والعراق وسمعوا ويسمعون طبول الحرب تدق تحضيرا لضربة عسكرية ما ضد ايران؟ هل غريب أن يعقد تشافيز صفقة سلاح بقيمة ملياري دولار من اسبانيا (قد تطيح بها حادثة الـ«إخرس» الشهيرة خلال الثمة الايبيرو أميركية في تشيلي الشهر الماضي) ويجيّش «لجان دفاع عن الثورة» على الغرار الكوبي من مليوني مواطن درءاً لهذا الخطر الداهم المعلن؟!

ولنفترض أن تشافيز لم يلدغ مرة من جحر الأفعى في محاولة الانقلاب الفاشلة ضده عام .2002 فالسابقة الوحيدة التي يتذكّرها تشافيز وأقرانه من يساريي أميركا اللاتينية عن وصول حزب اشتراكي الى السلطة بالطرق الديموقراطية هي تجربة سالفادور ألليندي في تشيلي، رئيس الجمهورية المنتخَب ديموقراطيا في انتخابات حرّة وتنافسية. وماذا يتذكرون؟ يتذكرون انقلابا دمويا مولّته الشركات الأميركية المتعددة الجنسيات، ونظمته «السي. آي. إي» وباركته الكنيسة الكاثوليكية ونفّذته قطاعات من الجيش بقيادة الجنرال اغوستو بينوشيه قضى على تلك التجربة وأغرق البلاد في الدم والقمع والإرهاب والتعذيب. وكان ذلك يوم 11 ايلول عام .1972 وبعد 35 سنة، لا تزال أشباح ذلك الانقلاب تقض مضاجع أهالي تشيلي.

إزاء هذا العداء الامبراطوري للديموقراطية، عكس الرطانة السائدة، وتلك العولمة المتعسكرة، الاحتلالية والانقلابية، التي تمارسها الإدارة الأميركية، مَن سوف يلوم الفقراء والحريصين على الديموقراطية إن لم يجدوا من عناصر القوة للدفاع عن حكوماتهم الديموقراطية غير اللجوء الى السلاح؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث