الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الجوع و ثقافة الشبع

ثائر دوري

2003 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


هناك مجتمعات جاعت لكنها بقيت محملة بثقافة الشبع , و على العكس هناك مجتمعات شبعت لكنها بقيت معبأة بثقافة الجوع . و من هذه المفارقة الدرامية نستطيع أن نفهم كثيراً من الأمور التي تجري حولنا . و الثقافة التي نعنيها ليست معطى يخص الفرد وحده بل هي نتاج مجتمعي بمعنى أن جائعاً في مجتمع مثقف بثقافة الشبع يكون محملاً بقيم هذه الثقافة و بالعكس .
تقوم ثقافة الشبع على أن الارتواء الجسدي أمر مفروغ منه لذلك فهي لا تفكر به كثيراً , وإذا فكرت به فمن زاوية النهي عن الغرق به مهما كانت الدوافع , مثلاً تقول ثقافة الشبع تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها . وفي ثقافة الشبع لمفاهيم الكرامة والعزة والأنفة والترفع عن الصغائر قيمة عليا , وإذا خير الإنسان المشبع بثقافة الشبع بين أن يبيت على الطوى أو أن تداس كرامته لاختار الحل الأول , ولربما فضل الموت على أن يذل أو يهان (( لنا الصدر دون العالمين أو القبر )) . وهكذا في هذه المجتمعات يصبح السؤال عن مصدر الرغيف أهم من حضور الرغيف مهما كانت الظروف صعبة و الحياة قاسية .
أما في المجتمع المشبع بثقافة الجوع فإن للارتواء الجسدي القيمة العليا . وهكذا فلا أحد يسأل عن مصدر الرغيف إنما يجب أن يحضر الرغيف , و بدل شعار تجوع الحرة و لا تأكل بثدييها كما تقول مجتمعات ثقافة الشبع , تقول مجتمعات ثقافة الجوع (( إذا جاعت الحرة أكلت بكل شيء حتى بثدييها )) , وهكذا يصير من نافل القول أنه لا معنى للعزة أو لمفاهيم الكرامة و الحلال و الحرام في مجتمعات ثقافة الجوع طالما أن الارتواء الجسدي بكل معانيه له القيمة العليا . ويصبح التذلل و الهوان لكل صاحب سلطة مادية أو معنوية من لزوم ثقافة الجوع ,وبما أن الحصول على الرغيف و توابعه هو الهدف الأسمى يصبح أي تساؤل عن كيفية الحصول عليه تساؤلا بلا معنى .
قد يحدث أن يكون في مجتمعات ثقافة الجوع بشر شبعانين , بل يكادون يطقون من الشبع لكنهم مثقفون بثقافة الجوع لذلك لا فرق يذكر بين تصرفات الفقير والغني في مجتمع ثقافة الجوع ونفس الشيء نجده بالنسبة للجائعين في مجتمعات ثقافة الشبع , فهم يتصرفون بشبع و إن جاعوا .
و لأن الثقافة معطى بطيء التحول فقد نجد مفارقة متمثلة أن بشراً صاروا من أصحاب الملايين لكنهم مازالوا محافظين على ثقافة الجوع بداخلهم , لذلك فهم على استعداد لسرقة و نهب أي شيء مهما صغر حجمه أو قل ثمنه قياساً لما يملكون , بشر بات شعارهم تأكل الحرة بثدييها دون أن تكون جائعة , و بالمقابل نرى بشر انحدرت أوضاعهم إلى الحضيض لكنهم مازالت تصرفاتهم محكومة بثقافة الشبع التي تربوا عليها . قال الإمام علي بن أبي طالب :
(( لا تطلبوا الرزق من بطون جاعت ثم شبعت لأن الجوع فيها باق , لكن اطلبوا الرزق من بطون شبعت ثم جاعت لأن الشبع فيها باق )) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مغامرات وأسرار.. بيكي تكشف أبرز التحديات التي تواجه البنات ا


.. استطلاعات: الولايات الأميركية المتأرجحة تبدي تغيرًا لصالح با




.. ناريندرا مودي يتولى رئاسة وزراء الهند للمرة الثالثة


.. لأول مرة.. مقاتلة أوكرانية تقصف العمق الروسي وتدمير مقاتلة ا




.. قتلى وجرحى من جراء استهداف الجيش الإسرائيلي مبنى سكنيًّا وسط