الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في التحالف ضد الاستبداد

بدر الدين شنن

2007 / 12 / 15
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لقد أثبتت تجارب الشعوب كافة ، أن عملية التحرر من الأنظمة الديكتاتورية ، وبناء أنظمة ديمقراطية يختار الشعب د ساترها وحكامها ، لاتدخل ضمن مفاهيم لعبة السياسة ، ويستعصي نجاحها على الحركات النخبوية . إنها قبل كل شيء خيار سياسي ، يتضمن ، أ ساسيات مقومات بناء نظام بديل آخر .. خيار .. يسقط الاستبداد ، ليوقف آليات عبودية القمع ، ولينشر الحرية وسيادة القانون . ويسقط الاستئثار بالسلطة ، ليمارس المواطن كامل حقوقه السياسية والإنسانية . ويسقط الظلم الاجتماعي والتمايزات الطبقية الحادة البشعة ، لتحصل الطبقات الشعبية على لقمة عيشها بما يليق بإنسانيتها وكرامتها ويؤمن كفايتها . ويسقط الفساد بكل مستوياته وأشكاله ، لتعم الشفافية وتتعزز الثقة بين المجتمع ومؤسسات الدولة . وعلى هذا ، هو خيار جماهيري جمعي ، تشترك فيه قوى سياسية وطبقات اجتماعية ونخب ثقافية وهيئات وجمعيات وتنظيمات أهلية ونقابيية

هذا الفعل العملاق الخلاق يرتب مسؤولية كبيرة على القوى والتيارات التي تتصدى لمهمات الحشد والتعبئة والتنظيم والتحريض لإسقاط الديكتاتورية . وأول تبعات هذه المسؤولية ، أن تلك القوى والتيارات ، في بنيتها التنظيمية الذاتية .. والتحالفية ، وفي تحديد سياساتها ومواقفها وشعاراتها ، يتعين عليها أن تكون ، على قدر عال من المطابقة مع ا ستحقاقات الظروف القائمة ، داخلياً وخارجياً ، وطنياً وديمقراطياً واجتماعياً ، وأن تكون ، على النقيض بالمطلق مع بنية وسياسات وممارسات النظام الديكتاتوري المرفوض

ويمكن إيجاز ما تقدم ، بأن الفعل المعارض للإستبداد يبنى على السياسة والتنظيم .. الذاتي والتحالفي . وفي العلاقة بين هذين المكونين الأساسيين للفعل المعارض ، تشكل السياسة قاطرة البنية التنظيمية ، ومحددة ، حسب طبيعة المهام المطروحة ، شكل ونوعية هذه البنية ، ما يعني أن تكون بنية ديمقراطية مطابقة ، تعبر عن مصداقية الإلتزام بالخيار السياسي الديمقراطي . والعلاقة الجدلية بين هذين المكونين تؤكد ، أن اي خلل في الخيار السياسي الديمقراطي ينعكس سلباً على البنية التنظيمية، وبالمقابل ، أن اي خلل ديمقراطي في هذه البنية ينعكس بالسلب أيضاً على العملية السياسية التحررية برمتها

وعندما تتضمن العملية التحررية من الاستبداد أبعاداً متعددة ، وطنية وديمقراطية واجتماعية ، كما هو الحال في سوريا ، فإن هذه العملية تتعقد ، وتفسح في المجال للاختلاف حول أي بعد من هذه الأبعاد له الأولوية في حراك المعارضة . وتتعقد أكثر عنما تكون هناك مساحة تتيح للبعض الانتهاز لنقل الاختلاف إلى خلاف وإلى ما هو أبعد من الخلاف . مع الأخذ بعين الاعتبار أن مستوى الذين يعبرون عن هذه الوجهة نظر أو تلك ، السياسي والثقافي ، يشي أن تحديد الأولويات .. تركيز الفعل المعارض عند البعض على هذا البعد أو ذاك ، لايستند إلى خلفية الاجتهاد الباحث عن الأفضل في الخيارات بقدر ما هو يستند إلى خلفيات وقناعات تتسم بالقصد والتصميم المثير للسؤال . الأمر الذي يضع الأساس المادي للخلاف ما بعد الاختلاف ، ويستدعي الفرز في المستويين السياسي والتنظيمي

ما حدث مؤخراً ، مع الأسف ، في مؤتمر المجلس الوطني لإعلان دمشق ، قد عبر بجلاء عن هذه الحقيقة . فقد جرى انتخاب مكتب المجلس وهيئة الأمانة على أ ساس هذا الفرز ، ما أدى إلى إبعاد قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي " انتخابياً .. !! " وهو الحزب الأكبر والعضو المؤسس لتجمع الإعلان ، عن هيئة الأمانة ، ودفع المكتب السياسي للحزب إلى تجميد علاقاته على كل المستويات مع " إعلان دمشق " كما أدى التراجع عن " التوافقات التي جاءت في البيان التوضيحي " حسب الأستاذ فاتح جاموس إلى ابتعاد حزب العمل الشيوعي ، وهو عضو في الإعلان عن المشاركة في أعمال المؤتمر . هذا إذا اعتبرنا أن غياب 57 عضواً من 220 عن المؤتمر كان خارج مسؤولية المشرفين على المؤتمر

وكيفما قرأ المراقب ما حدث في مؤتمر المجلس الوطني ، فإنه يجد أن حيزاً ليس قليلاً من مصداقية الديمقراطية لدى " الاعلانيين " الذين سمحوا بهذا الفرز أو مارسوه قد سقط . كما يجد أن دفعاً ، غير حميد ، بواقع المعارضة إلى اصطفافات نوعية جديدة قد بدأ . وأن تكريس يسار ويمين في التحالفات ، بدل التقارب والتوافق ووحدة الصف قد أصبح أمراً واقعاً

على أية حال ، إن حركة اللاعبين الأساسيين بوش وأولمرت وبشار على طرفي أسوار سوريا هي أكثر اقناعاً .. وأكثر دلالة على صحة الخيارات
إن السيد بوش بغزوه المدمر للعراق ، وتدخله السافر في مصائر بلدان عدة في الشرق الأوسط ، وا ستهدافه العلني الوقح لسوريا ضمن مشروعه المشترك مع إسرائيل الشرق أوسطي الجديد ، يدخل المسألة الوطنية .. حماية الاستقلال الوطني .. في صميم السياسة السورية ، ويضعها في مركز اهتمام المعارضة ، إن في مرحلة حراكها المعاض أو في مرحلة الانتقال إلى السلطة
وإن السيد بشار بإمعانه في تكريس الاستبداد والاستئثار التمايزي بالسلطة ، وإمعانه في منهجية القمع وإلغاء السياسة يجعل المسألة الديمقراطية مهمة ملحة وأساسية لإنقاذ البلاد من عبوديتها " للحزب القائد " ومن عجزها المزمن المتزامن مع الاستبداد والفساد
والسادة بوش وأولمرت وبشار هم من جعل الوطنية والديمقراطية في حالة جدلية في السياسة السورية عامة . بمعنى ارتباط النضال الوطني ضد الحصار والعقوبات والتهديد بالاحتلال بالنضال الديمقراطي ضد الاستبداد . وفي كل الأحوال يتحمل النظام السوري المسؤولية الكاملة في بناء هذه المعادلة وفي المخاطر التي ستجلبها على المصير الوطني برمته
وإزاء تفاقم الأوضاع المعاشية للطبقات الشعبية وانحدارها تحت أ سوأ معايير خط الفقر ، نتيجة النهج الاقتصادي الرأسمالي السلطوي ، فإن عنوان النضال الوطني الديمقراطي قد اكتسب بعداً اجتماعياً ملزماً ، وبات جزءاً أ ساسياً من مهام التغيير الوطني الديمقراطي ، ما عدل بحق عنوان النضال في المرحلة الراهنة بحيث أصبح " التغيير الوطني الديمقراطي الاجتماعي "

وعلى ذلك ، فإنه عندما تحترم ثوابت قضية النضال الوطني الديمقراطي الاجتماعي ودلالاتها وا ستحقاقاتها ويؤخذ بها ، تسقط عند من يتوخى حقاً انتصار هذه القضية النبيلة المشرفة مسوغات الاختلاف وذرائعه . وسواء كان مسار الخلاص من الاستبداد والتهديد الخارجي قصيراً أو طويلاً ، فإن بناء معارضة تحمل كامل الأبعاد الوطنية والديمقراطية والاجتماعية على اختلاف أطيافها ، وانتشارها ، ومساعيها الصادقة للتحالف فيما بينها ، مسألة مصيرية بامتياز . ذلك أن إنقاذ البلاد من الاستبداد ومن ضعفها أمام التهديد الخارجي " الإسرائيلي - الأميركي " هو شرط وجودي لانتصار الديمقراطية وإ شاعة الحرية وبناء مجتمع يوفر الكرامة والرغيف والمساواة في الحقوق لكل أبناء الشعب

لقد شقت القوى الوطنية الديمقراطية ، التي بادرت بالمعارضة طريقها ، وفرضت بالتضحيات واالإصرار وجودها في الداخل والخارج، لكنها لأسباب ، منها الموضوعي ومنها الذاتي ، لم تستطع أن تنتزع المبادرة .. وأن تكون جماهيرية . والمطلوب منها الآن ، تحت سقف الاضطهاد والقمع ، أن تجد الدروب ، التي تحقق أقوى وأرقى أشكال التحالفات ، التي توصلها إلى أوساط الجماهير الشعبية الغفيرة المتضررة من الاستبداد ويعز عليها أن تمس كرامة الوطن من قبل غاز ومحتل

والبداية كما تدل التجربة ، أن تلتزم المعارضة بالديمقراطية في بنيانها جيداً قبل أن تطالب النظام بالديمقراطية .. وأن تصون وحدتها التعددية قبل أن تطالب بنظام تعددي .. وأن تجعل أطر تحالفاتها مثالاً جاذباً لمزيد من القوى والطاقات إلى العمل السياسي المعارض الآن .. وبعدما تصل إلى السلطة غداً









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يصمد -السّد الجمهوري- الفرنسي في وجه اليمين المتطرف؟


.. ?? ???? ????? ???????? ??????????




.. مسمار جديد في نعش المحافظين.. السلطة الرابعة في بريطانيا تنح


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: -إذا وصل اليمين المتطرف للحك




.. انفجار سيارة يؤدي إلى إصابة عضوين من حزب العمال الكردستاني