الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الفساد

إبراهيم راشد عبد الحميد

2007 / 12 / 15
الادارة و الاقتصاد


مشاريع الدولة لا يجب أن تكون هدف لتمويل المؤسسات والمكونات السياسية والإستخباريّة.
لقد كثُرَ الحديث عن الفساد في الجهاز الحكومي بل قد تواترت الأنباء عن كون بلدنا أصبح من أوائل بلدان العالم من حيث الفساد
نعم لقد تفاقمت أزمة الفساد المالي والإداري جدا وأصبح استغلال النفوذ والرشوة والمحسوبيّة والمنسوبيّة والغش والتلاعب والإختلاس أمرا معروفا تماما لا حاجة للبرهان عليه ويردد الكثيرون أن الدولة ستصبح دولة فاشلة.
وهذا بمعنى العبارة و بما لا يخفى عن ذهن اللبيب إنما يؤدي إلى وضع الدولة في نهاية المطاف تحت الوصاية الدولية أو تحت وصاية أحدى الدول الكبرى.
ويتكلم عدد من المتخصصين عن معالجات متنوعة للمشكلة منها ما يبدأ بالعقوبات الصارمة ومنها ما يتعلق بالتشريعات النافذة ومنها ما يتعلق بضرورة اختيار المسؤولين النزيهين وأصحاب الأيدي البيضاء ومنها أيضا ما يُشير من طرف أو آخر إلى ضرورة البدء به من أعلى إلى أسفل وسوى ذلك كثير بل كثير جدا.
ويغفل أو يتغافل معظم من يتطرق للموضوع عن أهم المفاصل التي عقّدت المعضلة أشد التعقيد وجعلت منها ماردا يتردد العديد عن مواجهته
ويمكن الإحاطة ببعض جوانب ما نحاول أن نعرضه من خلال توضيح وإظهار ظاهرة اعتبار عدد من المكونات السياسية أو الإستخباريّة والأمنية أن مشاريع الدولة إنما هي وسط يمكن الإستفادة منه في تمويلها ماليا ،فتختار المكونات عددا من أرباب الحرف والمقاولين وتضيف لهم الدعم المالي والمعنوي وتدفع بهم إلى التعاقد مع الدولة لأنجاز مشروع من المشاريع المزمعة وتبدأ الظاهرة بالتفاقم شيئا فشيئا ..حيث ربما تتعرض العملية في مسارها إلى الإبتزاز أحيانا أو العرقلة أو تتقاطع مع احتمالات لم تكن بالحسبان فتضطرّ المكونات الإستخباريّة أو السياسيّة إلى أن تدفع بجهود مضافة لتفادي خسائر متوقعة كبيرة ..ويبدأ فصل آخر من محاولات احتواء الكادر الفني أو الإداري الذي يتولى المشروع لخفض مستوى طلباتهم الفنيّة أو لإجبارهم على قبول أعمال أو شروط لم يكن من المفروض قبولها وعندما يتعذّر ذلك تدخل العمليّة في خانق ضرورة إزاحة بعض العناصر من مسار العملية فإن أفلحت فخيرٌ على خير وإن لم تُفلح فإن بعض الجهات قد تلجأ إلى أنشطة جنائية من خطف أو اغتيال أو ضرب أو تشويه سمعة أو تلفيق تُهمة و ما سوى ذلك مما ندعه للأفلام والقصص المصريّة
لقد اصبح واضحا أن وراء كل مقاول ممن نرى من الصغير والكبير والمتعلم والخريج أو الأمي غير المتخصص يقف وراءه شخص متنفذ أو جهة معيّنة وبدون هذا فإنه لا يجرؤ على التورط في هذا الوسط الموحل
لم تعد العملية كما يقرأ عنها كل متخصص حيث يجب أن تقوم على تقديرات تكاليف المواد الأولية والداخلة في العمل مضافا إليها أجور العاملين وأجور المعدات والمكائن مع التقيد بمستوى إنتاج معقول فقط وكما يفعل كل المهندسين والفنيين في الغالب ،بل تجاوزتها إلى أولوية وجود من يقف وراء المنفذين ومن يدعمهم ويوفر لهم الغطاء اللازم..ومن ناحية أخرى تطور الموضوع باتجاه اعتبار المكونات السياسية والإستخبارية المتنوعة لمشاريع الدولة كبيرها وصغيرها مصدرا وهدفا لتعزيز التمويل المالي له وهي تنافس المقاولين والمتنفذين والمتخصصين الآخرين على التعاقد عليها وبذلك يسهل التنبؤ بما يمكن أن تؤول له مستويات التنفيذ ومدى مصداقية تطبيق المواصفات الفنية والشروط العامة والخاصّة للمقاولات والأعمال المتعلقة بمشاريع الدولة الحيويّة
إن المكونات السياسية أولاً هي أجدر من غيرها على ضرورة أن تعي الوضع المحفوف بالمخاطر والذي يُعرّض مختلف المشاريع إلى الفشل والتلكؤ وهي اجدر أيضا بأن تعمل على البدء بتلافي هذه الظواهر لأنها هي المؤسسات التي تتحمل مسؤولية رعاية المصالح العامة وحماية مصالح المواطنين كما يجب أن تتحلّى الأجهزة الأمنية والإستخبارية بمستوى أرفع من المسؤولية لحماية الأمة ومصالحها مع التعفف عن التدخل في الأمور الفنية والشروط المتفق عليها بين المتعاقدين .نعم يُمكن أن نفهم أن للأجهزة السريّة نشاط مبرر لجعل إنفاقها غير منظور ولكن ليس إلى الحد الذي يحطّم مستوى إنجاز الأعمال الفنيّة ويجعل من آمال الأمة والشعب بكل أطيافهاآمالا لا يُمكن تحقيقها أو أن تؤدي وظائفها بأدنى كفاءة متوقعة
أما بالنسبة للمكونات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني فإن بإمكانها دخول مجال الإستثمار المشروع والذي يجب أن يكون شفافا في سجلاتها وبيانات ميزانياتها وخلافه فإن أي نشاط لها غير منظور يُعتبر مخالفا للقوانين المالية والضريبية ويُمكن أن يُعرّضها إلى طائلة القانون ويهدد مصير استمرارها بالعمل وفق القانون
هذه هي أهم جوانب معالجة أمر الفساد المالي والإداري ويستوجب هذا فعلا أن يكون العمل من أعلى إلى أسفل وأن توكل هذه المهام إلى ذوي الأيادي البيضاء ويجب أن تتوفر لمثل الأجهزة العاملة على هذا، منظومة سريّة متكاملة متفرغة لتزويد أجهزة معالجة الفساد بالمعلومات الدقيقة على أن لا تتدخل تلك المنظومة باتخاذ القرارات مطلقا بل تكون متخصصة بجمع المعلومات فقط
وغني عن القول أن هذا العمل لا يجب أن يتم تسييسه بأي شكل أبدا وأن يرتبط مسؤولوه برئيس الجمهورية ورئيس مجلس القضاء الأعلى حصرا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات | إحباط تهريب أطنان من الذهب خارج ليبيا..


.. فرص كبيرة لتنمية التبادل التجاري العربي




.. محمد علي ياسين: غياب السلام أضاع فرص ثمينة على اقتصادات المن


.. غزة تشهد نقصا حادا في السيولة المالية بسبب تعرض البنوك للتدم




.. عرض الحرير الذهبي وحرفة النسيج القديمة في قطر