الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبعون حورية ليعلون

أوري أفنيري

2003 / 11 / 20
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


     ماذا حدث لرئيس الأركان، الجنرال موشيه ("بوغي") يعيلون؟
     فما لبث أن كان الصقر الأكثر تطرفا في الجيش، وربما في الدولة قاطبة. وفجأة تحول إلى ما هو أشبه بالحمامة.
     هل شاهد تجلٍ، كما حدث للحاخام شاؤول، الذي خرج إلى دمشق بهدف التحريض ضد المسيحيين، وفور وصوله تحول إلى بولس، تلميذ يسوع المسيح وحامل بشارته؟

     حتى الآن كانت بشارة يعلون بعيدة كل البعد عن تعاليم المحبة التي دعا إليها المبشر اليهودي من الناصرة. فقد كانت تعاليمه: افتكوا بالعرب، وسوف يستسلموا. إذا لم يكف هذا ألحقوهم بضربة أعنف. حولوا حياة كل فلسطيني إلى حياة لا تطاق، وامنعوا خروجهم من قراهم أو من مدنهم، جففوا مصادر معيشة عائلاتهم، أبعدوهم عن أراضيهم.

     يمكن لهذا أن يكون حسابا من عالم الرياضيات تقريبا: ستصل حياة الفلسطينيين إلى نقطة الانكسار. لن يكون بإمكانهم الاستمرار في العيش. سوف يستسلموا، سوف يطأطئوا رؤوسهم ويقبلوا بكل ما تتفضل حكومة إسرائيل باقتراحه عليهم. سوف يسلموا مقاتليهم ("المخربون" بلغة الاحتلال، "الأبطال الوطنيون" بلغة من احتلت أرضهم). سوف يعيشون في قطاعات تخصصها إسرائيل لهم، أو أنهم سيبحثون عن حياة إنسانية لهم في دولة أخرى.

     أما الآن، فجأة، يتراجع رئيس الأركان عن هذا الموقف. إنه يقول للجمهور بأن سياسة الحكومة – التي كان هو ذاته الوصي الأول عليها – هي سياسة "هدامة". فبدل أن تقضي على الإرهاب، هي تنتجه. يجب تحسين حياة الفلسطينيين ويجب إعطاؤهم الأمل.

    ماذا حدث؟

    لقد نجح الجزء الأول من الخطة بأكثر مما هو متوقع. فحياة الفلسطينيين قد تحولت إلى جحيم فعلا. اغلبيتهم يعيشون على حافة الجوع، وبعضهم يعاني من الجوع فعلا. مئات الآلاف من الأطفال يعانون من سوء التغذية. كل قرية تحولت إلى معسكر احتجاز، محاطة من كل جهاتها. التنقل غير ممكن تقريبا. لا يمكن الوصول إلى أماكن العمل، المستشفيات، الجامعات والمدارس، ولا يمكن نقل المنتوجات إلى الأسواق. قوات الجيش ترابط وتتجول في المدن والقرى. تفجر البيوت وتعتقل النشطاء وتقتلهم. وفي هذه الأثناء يقتل النساء والأطفال بشكل اعتيادي. يكفي صوت محرك طائرة واحدة لتتوقف أنفاس مجتمع كامل.

     من هذه الناحية، قد تحققت كل أهداف يعلون. من الصعب وصف حالة أكثر تفاقما من هذه الحالة،  فيما عدا تنفيذ مجزرة جماعية. ووفق الخطة، كان من شأن الفلسطينيين أن ينكسروا منذ وقت طويل.

     ويا للعجب – لم يحدث ذلك. الجمهور الفلسطيني لم ينكسر، فقد رتب الناس أمورهم في هذه الأوضاع المتفاقمة أيضا. فقد استمر التعاون المتبادل بين كل العائلات. ما زالت أغلبية الفلسطينيين الساحقة تؤيد العمليات الانتحارية ("الإرهاب" بلغة الاحتلال، "النضال المسلح" بلغة الذين احتلت أراضيهم). المنتحرون يتمتعون بتأييد عام ويملئون قلوب أبناء شعبهم بالفخر. مقابل كل شهيد يقوم بتفجير نفسه، هناك مئة ممن ينتظرون دورهم للحاق به.

     الجدال الوحيد الذي يدور في الأوساط الفلسطينية هو: هل من المجدي الاستمرار في العمليات الانتحارية في المدن الإسرائيلية، أو أنه من المفضل التركيز على مهاجمة الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في المناطق المحتلة.

     يبدو أن يعلون وضباته قد توصلوا إلى استنتاج بأن القضية قد فشلت. فأي ضغط آخر على الفلسطينيين سوف يؤدي إلى نتائج معكوسة: المزيد من الكراهية والمزيد من العداوة. ونتيجة لذلك ستزيد العمليات الانتحارية التي ستجبر الجيش تجميد المزيد من الجنود ورصد المزيد من الموارد، من دون التوصل إلى شيء يذكر.

     الصقر يعلون تحول إلى يعلون يشبه الحمامة. إلا أن بلسمه الجديد يرتكز على افتراضات كاذبة: فبدل "الفتك بهم" يجب الآن "منحهم التسهيلات". أي تسهيلات هذه؟ هل هي السماح لبعض الآلاف الحصول على قوتهم في إسرائيل، أو السماح لبضع المئات من التجار باجتياز الخط الأخضر وشراء البضائع الإسرائيلية. (الاقتصاد الإسرائيلي بحاجة ماسة إلى ذلك). إزالة حاجز من هذا المكان أو ذاك. التقليل من استخدام القوة وزيادة وتحسين التعامل.

     هذه الوصفة أيضا مصيرها الفشل. فهي كالوصفة الأولى ومثل كل التوقعات الفاشلة التي اعترضت طريق الجيش الإسرائيلي (أنظروا حرب أكتوبر!)، ترتكز على كراهية عميقة للعرب عامة وللفلسطينيين خاصة. ولكن، وكما أدرك جبوطينسكي قبل 80 سنة: ليس من الممكن شراء العرب.  إن تبديل الجحيم التام بجحيم أقل وطأة لن يحثهم على تغيير أهدافهم الوطنية.

     حتى وإن تحولت الأراضي المحتلة إلى فردوس على الأرض وأحضر الحكم العسكري 70 حورية لكل مواطن ذكر، فإن الفلسطينيين سيستمرون في التطلع إلى التحرر من الاحتلال، ويريدون دولة خاصة بهم في كل الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية.

     إلا أن "التسهيلات" التي يعد بها يعلون لن تأتي بالفردوس. فهي سوف تكون كقطرة ماء على جمرة ملتهبة. زد على ذلك الوحش الكاسر المدعو "الجدار الأمني"الذي يزيد من بؤس آلاف الأشخاص الآخرين فهو يستلب أراضيهم ويمنع عنهم الوصول إلى إخوتهم إلى الأبد.

     لم تنتب يعلون فجأة نوبة من الإنسانية، فهوقد بدأ يحس بأن الجمهور قد بدأ يتراجع عن تأييد استراتيجيته. حتى الأغبياء بدءوا يفهموا أن هذه الاستراتيجية قد منيت بفشل ذريع. يعلون يبدل وجهته لأن الجمهور بدأ يبدل وجهته هو أيضا.

     لو كان هذا الشخص صاحب مبادىء لكان سيمثل أمام رئيس الحكومة وينزع شارات رتبه عن كتفه ويضعها على الطاولة ويقول: "سيدي، لقد فشلت. أنا مستقيل". على فكرة، أنصحه بفعل ذلك.              








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية #سوشال_سكاي


.. بايدن: إسرائيل قدمت مقترحا من 3 مراحل للتوصل لوقف إطلاق النا




.. سعيد زياد: لولا صمود المقاومة لما خرج بايدن ليعلن المقترح ال


.. آثار دمار وحرق الجيش الإسرائيلي مسجد الصحابة في رفح




.. استطلاع داخلي في الجيش الإسرائيلي يظهر رفض نصف ضباطه العودة