الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القلاع الأخيرة

مجدي شندي

2007 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


في فترة من الفترات كانت مصر تهدر كأسد رابض ينتظر الفرصة حتى ينطلق من عقاله.. المصريون كانوا كذلك ايضا .. عين على مساحة المليون كيلو متر مربع والعين الأخرى على الوطن الكبير , كنا نرى انفسنا في ثورة الجزائر وتمرد الملك المغربي محمد الخامس على مشيئة المستعمرين والطوفان الجارف في ليبيا الذي يقتلع القواعد الأمريكية وحس العروبة النابض بالحياة في عدن يقذف المستعمرين إلى ما وراء البحار , ومقاومة الخليج الهادئة للاستعمار والاستلاب .. بدورهم كان الأساتذة والأطباء والمهندسون المصريون ينشرون المعرفة ويشيدون المشاريع في كافة أرجاء وطن كان نائما فلما استيقظت مصر دبت الحياة في كل مكان فيه. كنا نحمل مشعل تحضر للجميع .. نتحدث باسمهم ونرسم سياساتهم ونقود خطاهم , وكانوا يتحملون بصدر رحب لأن مصر كانت مصر.
جاءت السبعينات ودخلت مصر بإرادتها إلى قوقعة , تركت كل الصغار يتدبرون أمرهم بأنفسهم قبل الأوان , وكان الراحل جمال حمدان نجم المرحلة , فرد قلاعه حينما فردت مصر شراعها , وأصبح أسير جدران أربعة حين انكفأت إلى ما وراء حدودها.. لكن آمال عامة الناس لم تخفت دفعة واحدة إذ ظل النبض العام مهموما بالعروبة وحالما بالوطن الكبير المتصل لسنوات.. وربما يكون كمال أبو عيطة ممثلا للمصري العادي الذي ظلت طموحاته تتقلص شيئا فشيئا .
كمال مثلي ومثلك كانت أحلامه كبيرة , لكنه مثل الفارس الذي تتساقط حصونه فيتراجع شيئا فشيئا دون أن تلوح نهاية لهزيمته وهزيمتنا .. كان شابا مثلما كانت مصر وكانت حنجرته تهز أفئدة المتظاهرين فتهدر الجموع مطالبة بوطن واحد من المحيط إلى الخليج , ربما لم تكن مثل هذه التظاهرات تعني كثيرا للمحتجين لكنها كانت تزلزل عواصم الاستعمار وتجعلهم يبحثون لتدجين ما تبقي من روح في مصر.. سقط حصن وتراجعنا فصارت التظاهرات تهتف بحياة القدس محررة وتتغنى بدماء الشهداء الذين يسقطون قرب حدودها .. سقط حصن آخر فأصبحنا مهمومين أكثر باستقلال مصر ذاتها وخروجها من دوامة التبعية .. حصن ثالث يسقط فتتحول الهتافات إلى استنكار بيع القطاع العام ... يسقط الحصن الرابع فيهتف المتظاهرون ضد خصخصة كل شيء من مصانع الأسلحة والحديد والصلب إلى خصخصة المياه والكهرباء ... حصن خامس يسقط فنتحول إلى مطالب فئوية ومهنية القضاة يحتجون لأن هناك من يتدخل في صميم عملهم , والمحامون والمهندسون يستهلكهم هم رفع الحراسة , والصحفيون يطالبون بتغيير قانون العقوبات وإلغاء مواد حبس الصحفيين , والعمال يحلمون بمعاش مبكر مناسب لايجعلهم يواجهون المجهول بأيد فارغة.
الآن انتهي زمن المطالب المهنية والفئوية تراجعنا خط دفاع آخر الى مطالب شرائح وليس كتلا كبيرة .
كمال ابو عيطة مأمور الضرائب البسيط تراجع الآن من الهتاف بحياة كريمة لوطن عربي مساحته 14.3 مليون كيلو متر مربع إلى الهتاف بحياة كريمة لشريحة تسكن على بضعة كيلومترات , ومن حق الأمة في ثرواتها التي تبلغ المليارت إلى حق عشرات الآلاف من موظفي الضرائب العقارية الذين يطالبون برواتب تسد رمق أبنائهم .
قلبي معك ياكمال لقد شخت وشخنا وشاخت مطالبنا .. وأخشى ان نعيش أنا وأنت حتى يكتفي كل منا بالدفاع عن جدران بيته.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: فكرة وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة غير مطروحة ق


.. استقبال حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة




.. أسرى غزة يقتلون في سجون الاحتلال وانتهاكات غير مسبوقة بحقهم


.. سرايا القدس تبث مشاهد لإعداد وتجهيز قذائف صاروخية




.. الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يترشح لانتخابات الرئ