الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت في الظلام

عبد الرضا المادح
قاص وكاتب - ماجستير تكنلوجيا المكائن

2007 / 12 / 16
الادب والفن


في المساء وكعادته التي لاتعرف السكون، دفع عربته والتي تشبه صندوق خشبي بثلاث عجلات، اتقـِنَ صنعُها فجُعل لها باب من الجهة الخلفية، وفتحة في في سطح العربة بحجم قدر كبير. توقفت العربة امام باب الدار بمسافة تسمح لجسده الضخم بالانزلاق الى الداخل. انحنى بقامته الطويلة الى الامام، لتتناسق مع حركة جسد زوجته النحيف. رفعا قدر الكبـّة الثقيل ليتجها بحذر الى خارج الدار ويثبتانه في مكانه على العربة. تأكد من ملء البريمز* بالنفط الابيض ليضعه تحت القدر مباشرة. بناته الاربع لم يـَكُفْنَ عن الحركة، هذه وضعت كيس الصمّون داخل صندوق العربة وتلك احضرت اللوكس * والثالثة تأكدت من ملء المملحة وعلبة مسحوق الفلفل الاسود، اما رابعتهن وهي الكبرى فجاءت بصف ثقيل من الاطباق.
التفت اليهن مستفسرا بصوته الخشن الثقيل:
ـ الم تنسوا شيئاً...؟
ـ توكل على الله. اجابت زوجته.
ـ اودعناكم...
ثم انساب مع عربته في الزقاق الضيق نحو الشارع المعبد متجها الى " العشار " مركز المدينة.
في ساحة " ام البروم " ركن عربته الى جانب الرصيف. كل عربة تعرف مكانها بالضبط . جهّز اللوكس وثبته على عمود في زاوية من العربة لينشر ضياءه على وجوه المارة. هدير البريمز يعلن عن انتشار رائحة الكبة الشهية. اصطفّ ثلاثة رجال حول العربة. الاطباق المتسخة تأخذ طريقها الى باطن العربة. الحركة في الساحة تتواصل من الشروق حتى الشروق، عمال، جنود، مسافرون، سكارى، مصريون يبحثون عن مأوى على بساط الحديقة العشبي .
عند الثالثة فجراً لملم اللوكس ضياءه، وانطفأ البريمز بعد ان خارت قواه. اجتاز جسر شارع السعدي، ليولي ظهره نحو المشرق متحدياً في اتجاهه سير المرور. الى جانب الرصيف المحاذي لنهر العشار، كانت العربة تسير ببطء شديد. دماغه لايقوى على التركيز. مطأطئً رأسه نحو الاسفلت. لا يكاد جسده يظهر من خلف العربة. مرت سيارة مسرعة بجنبه فأثارت غبار حبات الندى على وجهه. واصل سيره تحت ظلام شجرة يوكالبتوس ضخمة. سرت رعدة اصدام افزعت الطيور النائمة بين اوراق الشجرة. تدحرجت عجلة من العربة لتقطع الطريق نحو الرصيف الاخر. تناثرت بقايا الصمون على صفحة ماء النهر الساكنة. اختلط الدم مع سائل الكبة اللزج الدافيء. لم تدرك الروح ماحدث فتسللت ببطء مع عطر اليوكالبتوس لتستقر في الاعلى مذعورة. ابتعدت السيارة لتختفي في اخر الطريق.
......................
09 12 2007

* البريمز : جهاز للتسخين يعمل على ضغط وحرق النفط الابيض.
* اللوكس : جهاز للاضاءه يعمل على ضغط وحرق النفط الابيض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?