الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انابوليس- والانقلاب على المفاهيم!

عصام مخول

2007 / 12 / 16
القضية الفلسطينية


الجديد الذي عملت اسرائيل والولايات المتحدة على انتزاعه في انابوليس، وترسيخه عالميا هو مفهوم بديل للصراع، يتمثل في ان القضية التي يجب حلها، هي "قضية اسرائيلية" وليست القضية الفلسطينية، وان الحقوق التي يجب انقاذها وضمانها دوليا هي "حقوق قومية اسرائيلية وليست الحقوق القومية الفلسطينية، ولا حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وتحاول اسرائيل تدعمها الولايات المتحدة الامريكية، ليس فقط ان تحتل ارض الشعب الفلسطيني، بل ان تنتزع من الشعب الفلسطيني موقع الضحية وان تنافسه عليه.
ان مؤتمر انابوليس بهذا المعنى جاء تتويجا دوليا، لانتصار مدرسة الديمغرافيا في اسرائيل على مدرسة الجغرافيا، بمعنى تغليب "يهودية الدولة" على مشروع "ارض اسرائيل الكبرى" الذي تجاوزه الزمن، وهو ما وضع الاقلية القومية العربية الفلسطينية المواطنة في اسرائيل في قلب العاصفة.
واصبح الهم الشاغل للقيادة الاسرائيلية هو التلهي بانتزاع اعتراف دولي وعربي وفلسطيني بالمشروع الصهيوني لدولة يهودية عرقية، واضفاء شرعية دولية، على "الانقلاب على الشرعية الدولية"- (وهو اشد خطرا من انقلاب حماس)- وتحويل المسألة من مسألة تنفيذ حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وحماية أمنه ووجوده الذي ينتهكه الاحتلال ويهدده في كل لحظة بعد ستين عاما على قرار التقسيم، الى مسألة توسيع حق تقرير المصير الذي تمارسه اسرائيل بحيث يصبح على مقاس المفاهيم الايديولوجية العنصرية للصهيونية. وضمان أمن اسرائيل و"يهوديتها"، ليس مقابل ضمان امن الشعب الفلسطيني وتحرره وسيادته، وانما مقابل "تحسين" ظروف معيشته تحت الحصار وفي ظل تبعية خانقة للاحتلال الاسرائيلي، وعلى حساب حقوقه الوطنية.
ان "انقلاب المفاهيم" وهيمنة الخطاب الديموغرافي في اسرائيل، واشتراط العملية السياسية بابتزاز اعتراف فلسطيني بـ"يهودية الدولة"، يهدف الى اصطياد اكثر من عصفور بحجر. فهو يهدف الى اسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق قررات الشرعية الدولية، والتنكر لمسؤولية اسرائيل عن نكبة الشعب الفلسطيني من جهة بحجة الاخلال بـ"يهودية الدولة" وديمغرافيتها، ويهدف الى اجهاض معركة الاقلية القومية العربية في اسرائيل من اجل البقاء في وطنها الذي لا وطن لها سواه، واجهاض معركتها التي تخوضها بعناد من اجل انتزاع مساواتها في الحقوق المدنية والقومية في داخل اسرائيل، واسقاط شرعية مواطنة المواطنين العرب واخراجها خارج معادلة التأثير على وجهة المجتمع الاسرائيلي ووجهه، الى جانب القوى الدمقراطية والسلامية في اسرائيل، وتعريضها لمخاطر الترانسفير ومشاريع التبادل السكاني.
ان تركيز المؤسسة الاسرائيلية والنخب المهيمنة فيها على مفهوم "يهودية الدولة"، في زمن اندحار المضامين التاريخية لهذا المفهوم، مع اندثار "العمل العبري" و"العمل الطلائعي" في الزراعة، والتضامن الاجتماعي والكيبوتس، تفضح حقيقة المضمون العنصري، الذي تهدف اليه هذه المؤسسة من وراء شعارها، والذي بات يتمثل اساسا، باقصاء المواطنين العرب في اسرائيل عن دائرة الشرعية والتأثير والحقوق، ودفعهم خارج اللعبة السياسية والدمقراطية التي تدعيها اسرائيل.
ان المؤسسة الاسرائيلية تعتمد مغالطات مهلهلة، عندما تحاول اسناد خطابها حول يهودية الدولة الى قرار التقسيم منذ 29 تشرين الثاني 1947.
فقرار التقسيم الذي اقر مبدأ تقرير المصير في دولتين للشعبين، والذي اعتمدناه تاريخيا ولا زلنا نعتمده بمفهومنا نحن، يعني اولا، ان شرعية اسرائيل لا تكتمل الا بتنفيذ شقه الاخر المتعلق بممارسة الشعب العربي الفلسطيني حقه المشروع في تقرير المصير في دولته المستقلة الحرة ذات السيادة. ان قرار التقسيم، ليس فقط انه لم يتحدث عن "دولة يهودية" بمفهومها العرقي، بل انه اقر "دولة يهودية" فيها اكثرية يهودية، واكثر من 40% من سكانها عرب فلسطينيون الى جانب دولة عربية فلسطينية. ان اسرائيل بمفهومنا، لم تكن في يوم من الايام، ولن تكون، دولة يهودية فقط، لا في قرارات الشرعية الدولية، وبضمنها قرار التقسيم، ولا في الواقع الناشئ عبر ستين عاما من محاولاتها القضاء على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. ان اسرائيل التي قامت في اطار قرار الامم المتحدة الذي ينهي الاستعمار البريطاني، ويضع الصيغة لحق تقرير المصير للشعبين في دولتين، عربية ويهودية في فلسطين، هي اليوم ايضا دولة فيها اكثرية يهودية، واقلية قومية عربية كبيرة مصرة على البقاء في وطنها واستعمال وزنها وتأثيرها، ومصرة على تحقيق مساواتها في الحقوق المدنية والقومية داخل اسرائيل، (وليس في الدولة الفلسطينية)، وهي ليست أقلية قومية طارئة على دولة اسرائيل بل انها اقلية قومية في وطنها، طرأت عليها اسرائيل.
ان مواصلة تلهي المؤسسة الاسرائيلية بعقلية "الخطر الدموغرافي" وتحميل الاقلية القومية العربية المواطنة في اسرائيل، ضحية سياسة التمييز العنصري والاضطهاد القومي، المسؤولية عن ضمان "اكثرية يهودية" للمستقبل، وتعريض 20% من مواطني الدولة العرب لمشاريع التبادل السكاني مع المستوطنين المحتلين، والترانسفير والاقصاء ونزع الشرعية، تشكل مؤشرا على عمق انهيار الدمقراطية التي تتغنى بها اسرائيل، وعمق التدهور الفاشي فيها، الذي اصبح خطرا يهدد السلام والمساواة وحقوق الانسان في اسرائيل نفسها، وفي المنطقة. وتؤكد على ان المواجهة مع مفاهيم المؤسسة الاسرائيلية حول "يهودية الدولة" و"الخطر الديمغرافي" ليست مسؤولية الاقلية القومية العربية في اسرائيل وحدها، بل هي مهمة كل الدمقراطيين والمناهضين للتدهور الفاشي، عربا ويهود، وواجب كل دعاة السلام في العالم.
ان قيام المؤسسة الاسرائيلية المدعومة امريكيا باختيار مؤتمر انابوليس للانقلاب على المفاهيم المتعارف عليها للصراع، وانتزاع اعتراف دولي بالمفهوم الديموغرافي للصراع والمفهوم الاثني للحل، ليس اختيارا عفويا، لا في المكان ولا في الزمان. ان اسرائيل الرسمية التي بات يهيمن عليها خطاب الديمغرافيا العنصري، تحاول ان تجد لهذا الخطاب مكانا شرعيا ومعترفا به في نظام عالمي تقوده امريكا، لا ينطلق من حق الشعوب في تقرير مصيرها والتحرر وبناء اوطانها، بل يقوم على مبادئ تفتيت الشعوب وتفكيك الاوطان والتأسيس لكيانات إثنية او دينية او طائفية مشبوهة، من يوغوسلافيا سابقا وحتى العراق ولبنان ومن افغانستان ودول آسيا الوسطى وحتى دارفور ودول شرق افريقيا. ان قيام اسرائيل بزج "اصابع" الحل الديمغرافي، و"يهودية الدولة" في التفاوض مع الفلسطينيين، وفي العملية السياسية، هو اشبه بقيام عمال المقالع بزرع اصابع الديناميت في الصخرة الصماء لتفجيرها.
ان اسرائيل تستعمل مقولة الخطر الديمغرافي، و"يهودية الدولة" فزاعة لسد الطريق امام تحقيق السلام العادل وامام تحقيق حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. ان رفض المؤسسة الاسرائيلية الاعتراف بحقوق ربع مليون لاجئ فلسطيني من مواطني اسرائيل المهجرين في وطنهم، ومنعهم من استعمال اراضيهم وقراهم المهدمة، يفضح ان هاجسها ليس مقتصرًا على "خوفها" من الاخلال بالتركيبة الديمغرافية (المهجرون الفلسطينيون داخل اسرائيل هم مواطنون في اسرائيل واعادة حقوقهم لا تخل باي تركيبة ديمغرافية) ويفضح ان هاجس اسرائيل الحقيقي يتمثل في رفضها الاعتراف بمسؤوليتها عن نكبة الشعب الفلسطيني، وبحقوقه القومية، وانها تستعمل الخطر الديموغرافي لتخويف الجمهور الاسرائيلي من السلام، وتبرير سياستها الرفضية والعدوانية امامه.
ان القيادة الاسرائيلية، وبتواطؤ مع الادارة الامريكية، تحاول ان تبني مفهوما هجينا، جديدا، للصراع الاسرائيلي الفلسطيني، لكي يتسنى لها طرح حل هجين جديد للصراع ، خارج الشرعية الدولية وبعيدا عن مفاهيم التحرر القومي والاستقلال وحقوق الشعوب، تتنكر في اطاره الى ان حدود الرابع من حزيران 1967 ليست هي لب الصراع وجوهره، وانما هي فرصة الحل.. لا تعكس تعقيدات الصراع المركب، وانما تمثل المخرج الفعلي منه.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟