الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساركوزي يعبّر عن حقيقة النظرة البرجوازية الغربية إلى الإنسان غير الغربي

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 12 / 16
حقوق الانسان


يعتبر الناس المتطورون و" المتحضرون" فحسب بشرا في نظر البرجوازية الغربية التي ترى وفق معاييرها الحضارية في المواطن الغربي فقط من تنطبق عليه مواصفات الإنسان ومن يرتقي إلى درجة الإنسان و يستحق أن يحظى بكامل حقوق الإنسان. وقد اعتبرت البرجوازية إبان نموها وصعودها، و خلال برامجها التنموية والحضارية والاستعمارية ما يسمى بالعالم الثالث أراضي للاستثمار والاستغلال ومصادر للمواد الخام والمواد الأولية الأخرى للتصنيع، نظرت إلى أبناء شعوبها كأيادي عاملة رخيصة أو مجانية، أو في حالات غير قليلة عبيدا. وإن العالم الحقيقي بنظر البرجوازية الغربية لم ولن يكون سوى العالم الأول، عالمهم المتحضر المدني البرجوازي، وأن الإنسان الحقيقي هو المواطن الغربي ّ المقيم في هذا العالم الأول، والذي سنّت قوانين حقوق الإنسان والمجتمع المدني في سبيل راحته ورفاهيته.

إن منطقة الشرق الأوسط قد استحالت إلى جحيم لا يطاق لسكنتها بسبب السلطات الرجعية و القبائلية المستمرة في التسلط على رقاب الجماهير بفضل دعم الدول الإمبريالية و المؤسسات الرأسمالية. هذه السلطات الوطنية والقومية قتلت كل الأصوات المنادية بإحقاق العدل والمساواة و الحرية.
إن المصالح الاقتصادية للرأسمالية وإستراتيجية الغرب وإيديولوجيتها اللبرالية بقيادة الإمبريالية الأمريكية ، والشركات والعصابات المحلية المتحكمة في الشرق الأوسط و العالم العربي والإسلامي حولت مجتمعاتها البشرية إلى مختبر لتجريب الموديلات الاقتصادية والسياسية. .
إن الأوساط السياسية والثقافية الغربية سواء الحاكمة أو المعارضة ، على علم تام بكل تفاصيل مصائب المجتمعات الشرقية وخاصة في العراق وأفغانستان و فلسطين والصومال ، من مجازر يومية ، وأنهار الدم الجارية ، و انعدام أبسط الخدمات التي تليق بالبشر ، و هي أيضا على علم مسبق بالمستفيدين من هذه الجرائم من رؤساء الأنظمة و العصابات و أمراء الحرب ، والذين أمسوا ضرورة لا يمكن الاستغناء عنهم لتحقيق أهداف الرأسمالية الجشعة.
إنها لظاهرة عالمية في هذا العصر ، عصر العولمة والنظام العالمي الجديد بقيادة الإمبريالية الأمريكية ، أن تستلزم حياة رأسمالية القوى الإمبريالية امتصاص دماء الجماهير الكادحة ، و أن تعمل القوى العميلة كعصابات ذليلة وتابعة في تنفيذ ما يتم تكليفها به من مهام إذلال رعيتها مقابل نيل حصتها الحقيرة من مقدرات و كدح الجماهير المظلومة.

فإن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في وصفه دكتاتور ليبيا معمر القذافي بأنه لا يعتبر دكتاتورا في العالم العربي، تعبير عن العقلية الاستعمارية للغرب الامبريالي ، وتحقير وتأكيد على النظرة الحقيرة للبرجوازية الغربية إلى الإنسان في الشرق .

وحين تتهم جماعات حقوق الإنسان والمعارضة الاشتراكية؟؟؟ ساركوزي بمنح الاتفاقات التجارية لفرنسا البالغة بمليارات اليورو الأولوية على حقوق الإنسان، تدرك إدراكا جيدا من هو الإنسان ليستحق هذه الحقوق ، وتكون لها الأولوية على المصالح التجارية للشركات الرأسمالية.

ودعا ساركوزي القذافي لزيارة فرنسا بعد أن أطلقت ليبيا في يوليو تموز سراح ستة من العاملين الطبيين الأجانب الذين أدينوا بتهمة إصابة أطفال ليبيين بفيروس الايدز. وقد ساعدت فرنسا في التوسط في هذا الاتفاق. وتحسنت علاقات ليبيا مع الدول الغربية منذ ألغت برامجها الخاصة بأسلحة الدمار الشامل في عام 2003 ووافقت على تعويض اسر ضحايا تفجير طائرتين إحداهما أمريكية والأخرى فرنسية.
كل ذاك تأكيد على أن
أولئك العاملين المطلق سراحهم وأسر الضحايا الأوروبيين هم البشر دون الشرقيين، و أن القذافي يستحق الشكر والتثمين من الحكومات الغربية لإطلاقه سراحهم، و تعويضهم.

” وواضحكوزي لمجلة لو نوفيل أوبزرفاتير "لا ينظر إلى القذافي على أنه دكتاتور في العالم العربي." وواضح من قوله إذ يخاطب الغربيين بأن هذه النماذج من الحكام ليسوا مسلطين على الغربيين ليوصفوا بالدكتاتوريين ، بل مسلطون على رعايا لا تنطبق عليهم مواصفات الإنسان الغربي ذي الحقوق الإنسانية الحديثة.
وأضاف "انه أقدم زعيم دولة في المنطقة.. وفي العالم العربي هذا له اعتباره. أتفق مع الرأي القائل إن فرنسا يجب أن تتحدث مع الجميع بينما تدافع بحزم عن القيم التي تؤمن بها."
وحقا إن الرأسمالية الفرنسية و الغربية عموما تؤمن بقيمها وفي مقدمتها تحقير أبناء الشعوب المضطهَدة، والنظر إليهم نظرة دونية.

وقد أكد ساركوزي عن تلك القيم العنصرية بقوله : "إنني هنا أيضا لأكافح من أجل الشركات والمصانع الفرنسية حتى ننال العقود وطلبيات الشراء، التي سعد الآخرون كثيرا بالحصول عليها بدلا منا، دون التخلي بأي شكل عن اقتناعاتنا الخاصة بحقوق الإنسان."

هذه النظرة التحقيرية لبرجوازية ما بعد الحداثة إلى الإنسان الشرقي باتت تترسخ أكثر فأكثر في فترة تفسخ البرجوازية وانحطاطها، إذ تأخذ تبرر القمع و الدكتاتورية والمجازر التي ترتكبها المافيات المتسلطة على رقاب الجماهير المحرومة ، بذرائع سخيفة للغاية ، منها احترام الثقافات المحلية وتراث و عقائد الشعوب و الجماعات المختلفة.
ألم يتساءل هؤلاء المتحضرون، إن لم ينظر الرعية إلى القذافي وأمثاله كجبابرة و دكتاتوريين فلماذا كل هذا السجون و الزنازين؟
من كان القتلى ومن سيكونون في المقابر الجماعية و حملات الإبادة الجماعية في العراق وسوريا و الجزيرة العربية ؟
لماذا كل هذه السجون و الزنازين و المقابر الجماعية إن كان الناس في الشرق الأوسط غير محكومين بالقتلة والدكتاتوريين؟
لا تكتفي البرجوازية الغربية بتبرير مآسي جماهير الشرق و مصائبها، بل أخذت تنظر لها و تتفنن في اكتشاف نظريات لها تزين لهم التخلف و الفقر و الموت و التفرقة القومية والطائفية والمذهبية.
‏15‏/12‏/2007









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين


.. مبادرة شبابية لتخفيف الحر على النازحين في الشمال السوري




.. رغم النزوح والا?عاقة.. فلسطيني في غزة يعلم الأطفال النازحين


.. ألمانيا.. تشديد في سياسة الهجرة وإجراءات لتنفير المهاجرين!




.. ”قرار تاريخي“.. القضاء الفرنسي يصادق على مذكرة اعتقال بشار ا