الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرفيـــق المنــاضـــــل كوجـــوك علي أوغــلو وولده - دده بيــــك -

مصباح الغفري

2003 / 11 / 21
الادب والفن


تلك العصـا من هذه العصية  هل تلد الحية إلا الحية ؟
 لو جاءتنا أمم الأرض بطغاتها وجئناهم بواحد من تراثنا لعادوا على أعقابهم مدحورين مذمومين ، فلنحمد الباري عز وجل على تاريخنا الغني وعلى جغرافيتنا الثرية وعلى ما قدمه أجدادنا العظام في جميع الميادين .
    من هذا القبيل ما رواه سفير الإمبراطورية الروسية في سورية وفلسطين أيام الحكـم العثماني عن المآثر " التاريخية " للسيد كوجوك علي أوغلو طيب الله ثراه وجعل الجنة مأواه ، فالجنة ، كما يؤكد الحكام وأجهزة الأمن هي إقطاع خاص للحاكمين وأبنائهم وأصهارهم وأقاربهم حتى الدرجة الثانية عشرة  ، لم تكفهم القصور في الدنيا ، فراحوا يحاولون الاستيلاء عليها في الآخرة أيضا !
     في قراءتنا لكتاب " سورية وفلسطين تحت الحكم العثماني " لسعادة سفير القيصر الروسي السيد قسطنطين بازيلي الذي عاش في المنطقة ثلاثين عاما انتهت سنة 1851 ، ندرك جيدا أن حكامنا أمناء للتراث ، لم يستوردوا من الغرب غير المرسيدس وآلات التجسس الإلكترونية وبعض وسائل التعذيب بالكهرباء ، أما الأخلاق والعادات والتقاليد و " تركيب أذني الجرة حيث يشاؤون " فهي عربية الوجه واليد واللسان ، فالسيد كوجوك علي أوغلو غفر الله له كان من " كبار " قطاع الطرق ، ولما سئم من السعي وراء المسافرين بغية تشليحهم كل ما يحملونه معهم ، إرتأى " حفظه الله " أن يستريح ويؤسس دولة في منطقة استراتيجية بحيث يأتيه الناس لكي " يشلحهم " ! ووقع اختياره بحكمته ونظره الثاقب وقراءته للمستجدات ، على منطقة جبل " بياس " الستراتيجية  في الشمال الغربي من سورية ، كان الاستيلاء على هذه المنطقة والتحكم بها يعني التحكم بطرق القوافل الآتية من عاصمة الخلافة العثمانية إستامبول ، والتحكم أيضا بقوافل الحجاج ، فجميع المسافرين من وإلى العاصمة لابد لهم من المرور على هذا الممر الجبلي ، وإلا اضطروا إلى الإلتفاف حول جبال طوروس مما يعني زيادة الرحلة أكثر من عشرة أيام والتعرض لمخاطر أخرى من قطاع طرق لم يتطوروا إلى حكام دول بعد .
     بعد الإتكال على الله ، قاد كوجوك علي أوغلو جيشه المؤلف من مئتين من كرام اللصوص وقطاع الطرق في حركة تصحيحية  واستولى على منطقة جبل بياس ، أصبحت دولة الرفيق المناضل كوجوك علي أوغلو مطلة على خليج الإسكندرون ، حيث يراقب السفن التي قد تخطىء فترسو على شاطيء يعتبر من التراب الوطني لإمارة جبل بياس ، ومن جهة أخرى فقد كان موقعه الستراتيجي يمكنه من أن  يفرض " خوة " على القوافل التي تمر في أراضيه لقاء حمايتها وعدم نهبها ، وهذا دليل على منتهى الكرم والشهامة اللتين امتاز بهما كوجوك علي أوغلو غفر الله له .
     لكي تدفع القوافل ما يطلب منها من " رسوم مرور " بدون مناقشة ، ابتكر كوجوك علي أوغلو طريقة فذة ، كان لابد من تزيين الطرقات التي تمر فيها القوافل بعدد من المشانق لإقناع المسافرين " بالحسنى " أن المال ليس أعز من الروح ، وكان عادة يستطيع تدبير عدد من المواطنين لتعليقهم على أعواد المشانق في موسم الحج ، ويروي المؤلف أن كوجوك علي أوغلو لم يستطع في إحدى السنين أن يجد العدد اللازم من الناس لشنقهم كديكور لاغنى عنه بمناسبة الحج ، نظر الرجل حوله ، وتسمرت عيناه على كاتب حساباته ، وهو مسيحي اسمه يعقوب ، قال له والدموع تترقرق من عينيه الكريمتين :
- لقد خدمتني بإخلاص أربعين عاما يا يعقوب ، لكنني تغاضيت عن سرقاتك ولم أحاسبك عليها ، وأنت الآن كبرت في السن وتعاني من المرض ، سأشنقك غدا ، وهذه مشيئة الله ، فالأفضل أن تموت في الهواء الطلق بدلا من أن تموت على فراش المرض كما يموت الجبناء !
وتدلى جسد المحاسب يعقوب في اليوم التالي مشنوقا ، جاء الحجيج وشاهدوا في جثة يعقوب " عواقب " الأمور ، وامتلأت خزانة كوجوك علي أوغلو بالليرات .
     من مآثر القائد الرمز كوجوك علي أوغلو أنه لم يكن يسلب الحجاج والمسافرين فقط ، كان رحمه الله " عادلاً " في جميع مظالمه ، أخطأ ربان سفينة قادمة من النمسا فرسى في أرض تابعة لدولة كوجوك علي أوغلو ، كانت السفينة محملة بالبضائع لتجار مدينة حلب ، أرسل كوجوك علي أوغلو رجاله لدعوة القبطان وطاقم السفينة إلى عشاء ذبحت فيه الخراف ، أثناء انشغال الضيوف في العشاء كانت " الوحدات الخاصة " التابعة لدده بيك ابن القائد التاريخي كوجوك علي أوغلو قد أفرغت السفينة من جميع ما فيها من بضائع ، تم إغراق السفينة ، وأرسل القبطان وطاقم السفينة معززين مكرمين إلى حلب !
     حاول قنصل النمسا التدخل لدى كوجوك علي أوغلو للإفراج عن البضاعة ، ذهب إليه لسابق صداقة بينهما ، لم يقابله كوجوك علي أوغلو إطلاقا ، أودع في السجن ، وأرسل إليه من يقول له :
-  تعرف يا سعادة القنصل أن علاقتي بالسلطان في هذه الأيام ، ليست على ما يرام ، وقد أرسل لي الله رزقا ، فكيف تريدني أن أرفض نعمة الله ؟أنت الآن ضيفي ولا يمكن الإفراج عنك إلا بفدية ، وفديتك أيها الصديق ليست فدية عادية ، فكوجوك علي أوغلو يعرف مقامات الرجال ، ولا يرضى أبدا أن تكون فديتك إلا متناسبة مع مركزك ومقامك كقنصل دولة عظمى ، وفدية قنصل لا يجوز أن تقل عن خمسة وعشرين ألف قرش ذهبي !
بقي القنصل في السجن إلى أن تدبر أمر الفدية ، عاد إلى حلب حاملا معه ذكريات حسنة عن ابن كوجوك علي أوغلو وولي عهده السيد " دده بيك " الذي كان خلال فترة احتجازه في السجن يعامله برقة ولطف ، توفي كوجوك علي أوغلو فأعلن الحداد أربعين يوما في جميع أنحاء بياس ، تولى الحكم بعده " دده بيك " أوتوماتيكياً ودون حاجة إلى تعديل الدستور ، وجاء القنصل إلى دده بيك عارضا ظلامته طالباً رد الفدية التي أفقرته ، أجاب دده بيك بعفوية وصدق ورثهما عن أبيه العظيم :
- إسمع يا سعادة القنصل ، نحن مسلمون وديننا يأمرنا ببر الوالدين ، ولا يحق للولد المســلم أن يدين أباه , أذكروا محاسن موتاكم ، مات أبي وحسابه عند ربه !
   و أضاف دده بيك وبراءة الأطفال في عينيه :
- هل ترى يا سعادة القنصل جبل بياس هذا ؟ لو كان كله من الذهب لما كان كافيا لرد الأموال التي أخذها أبي إلى أصحابها !
يقول أبو يسار الدمشقي :
     نحمد الله على أن حكامنا الأشاوس ضد استيراد الفكر ، وأنهم لا يزالون أمناء على تراثنا ، وأنهم يضحــون حتى بفلذات أكبادهم لكي لا يموت أحدنا وليس في عنقه " بيعة " لرئيس أو ملك أو ولي عهد ، فمن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية والعياذ بالله .
  اللهم لا تسلط علينا في ذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا ، إنك سميع مجيب !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد عز يقترب من انتهاء تصوير فيلم -فرقة الموت- ويدخل غرف ال


.. كلمة أخيرة - الروايات التاريخية هل لازم تعرض التاريخ بدقة؟..




.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حوار مع الكاتب السعودي أسامة المسلم و


.. تفاعلكم | الناقد طارق الشناوي يرد على القضية المرفوعة ضده من




.. ياسمين سمير: كواليس دواعى السفر كلها لطيفة.. وأمير عيد فنان