الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيار الوطني المطلوب من الرئيس عباس

عماد صلاح الدين

2007 / 12 / 18
القضية الفلسطينية


لا شك أن تجربة فلسطينيين في التفاوض مع إسرائيل،من اجل استعادة بعض من حقوقهم الدنيا على صعيد إقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة على جميع الأراضي المحتلة عام 67 ، وتأمين ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين ، قد باءت بالفشل في نهاية المطاف . وكان العنوان الأبرز لهذا الفشل في كامب ديفيد 2000، حينما رفضت إسرائيل تمكين الفلسطينيين من ذلك الحد الأدنى المقبول إلى حد ما فلسطينيا. وتكرست حالة الفشل هذه وتأكدت ليس فقط باستغلال إسرائيل لعملية سلام بفرض حقائق الأمر الواقع من توسع استيطاني مخيف في الضفة والقدس ، بل توجت بالموقف النظري الإسرائيلي الثابت من القضية برفض حتى الليونة التي بدت من الراحل عرفات حول حدود الدولة واللاجئين في طابا 2001 .

ورغم التحذيرات المسبقة للمفاوض الفلسطيني قبل وبعد التفاوض مع إسرائيل وتوقيع الاتفاقات معها ،من ضرورة أن تكون هناك مرجعية واضحة للتفاوض معها؛ بحيث تكون هذه المرجعية من صلب القانون الدولي والقرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتي تؤدي في نهاية المطاف، من خلال الاستجابة لها وإلزام إسرائيل بتنفيذها عبر آلية وضمانة دولية، إلى تحقيق ذلك الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني ، إلا أن المفاوض الفلسطيني وتحديدا بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات لم يستمر على المنهج القديم في التفاوض ربما من خلال التأكيد المستمر على قرارات دولية من مثل 242 و338 وان كان على ارض الواقع يتفاوض من خلال مرجعية التفاوض الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، بل زاد على ذلك بأن أصبح يردد مرجعيات صممت على المقاس الأمريكي والإسرائيلي من مثل التأكيد على خريطة الطريق كمرجعية للتفاوض أو رؤية بوش المقرونة برسالة الضمانات لشارون حول: لا عودة إلى حدود 67، ولا لقدس مقسمة بين دولتين ،ولا عودة للاجئين الفلسطينيين على وجه التأكيد الإسرائيلي مدعوما بالموقف الأمريكي ، وفي كل الأحوال كان استعداد المفاوض الفلسطيني حاضرا بقبول التفاوض كمرجعية للتفاوض .

هناك فارق خطير جدا بين المفاوض الفلسطيني تحت عباءة الراحل عرفات والمفاوض الفلسطيني تحت عباءة الرئيس محمود عباس ؛ الخط الذي كان ينتهجه الرئيس عرفات كان مربوطا على الأقل بهدف تحقيق ذلك الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين ، وهو"أي ياسر عرفات" كان ينظر إلى تجربة التفاوض كخيار لابد من تجريبه واستنفاده حتى آخر لحظة ، لكن الرئيس عباس وطاقمه المتكامل يرى غير ذلك من خلال اعتباره التفاوض خيارا استراتيجيا نهائيا بل وتاريخيا ، من خلاله فقط وفقط يتم تحصيل بعضا من حقوق الفلسطينيين، وان كانت اقل من الحد الأدنى المتفق عليه . ويدرك الرئيس عباس ومن معه أن التفاوض الذي يقودونه بمعناه السياسي والدبلوماسي المجرد والمسقط من حساباته أي خيار آخر بما فيه المقاومة المسلحة ، لا يؤدي في النهاية إلا ذلك الكم والنوع من الحقوق التي تقبل بهما إسرائيل وأمريكا . وهذا الكم والنوع من الحقوق هو إستراتيجية ثابتة لدى الطرفين الأخيرين في سياق التعاطي مع الموضوع الفلسطيني .

المفاوض الفلسطيني كان ولا يزال ينظر إلى المقاومة المسلحة باعتبار أنها ضرب من العبث والخيار الجنوني الذي لا يؤدي إلى تحقيق أي شيء ايجابي على صعيد القضية الفلسطينية ، برغم أن المقاومة المعابة من قبله أدت إلى نتائج إستراتيجية مذهلة في لبنان أيار2000 ، و تموز2006 ، وفي فلسطين في غزة 2005 ، وهناك في العراق وأفغانستان النتائج الايجابية واضحة للجميع ، ثم إن الوضع الإقليمي والدولي هو غيره في إطار ميزان القوى والعلاقات الدولية عن الوضع الذي كان سائدا قبل عقدين من الزمن الماضي ، فلماذا إذا هذا التمسك الغريب بخيار يقوم على التسليم بالطرح الأمريكي والإسرائيلي ،دون حتى ضمانات ولا آليات أو جداول زمنية بينة ومعروفة لهذا العطاء أو الطرح الذي لن يكون في نهاية المطاف سوى مشروع خنق وتضييق ،بل وتهجير للفلسطينيين من ما تبقى لهم من أراضي ،67 نحو بلدان عربية أخرى ، لعل في مقدمها ما تسميه إسرائيل بالخيار الأردني للفلسطينيين .

الرئيس عباس ومن معه من القيادة السياسية والأمنية لم يكونوا ذوي نية حسنة ، حينما مهدوا لقبول ومن ثم إشراك حماس في العملية الديمقراطية في يناير كانون الثاني من العام الماضي ، لأنه تبين من خلال الرفض لنتائج الانتخابات إلى درجة الوصول إلى استخدام الفوضى الأمنية المنظمة التي دعمتها أمريكا وإسرائيل وأطراف عربية معروفة ، أن قبول إشراك حماس في تلك العملية إنما كان في سياق احتوائها كطرف معارض ابرز على الساحة الفلسطينية ،من اجل تمرير التسوية الناتجة عن خيار التفاوض السياسي والدبلوماسي ، وإلا فما معنى تنصل قيادة التفاوض من اتفاق الوفاق الوطني " وثيقة الأسرى" ومن ثم من اتفاق مكة في فبراير شباط الماضي من هذا العام ؟؟.

لا شك أن مشروع السلطة الفلسطينية المنبثق عن أوسلو منذ البداية حكمه ضابطان أو شرطان بالمفهوم الأمريكي والإسرائيلي ،وذلك حتى لا يحيد أو يخرج مشروع أوسلو عن منطوق النص الذي حدد له .وهذان الشرطان هما الأمن والمال ، أما الأمن أو الأجهزة الأمنية الفلسطينية ،وبالتحديد مسئولو هذه الأجهزة فقد تم رعايتها وتمويلها وتدريبها بما يضمن خدمة الأمن الإسرائيلي ، وهذه الرعاية بما فيها التمويل والتدريب أدت إلى خلق إقطاعيات أمنية تخدم الغرض والهدف الإسرائيلي في المقام الأول ، وأما المال المربوط بالحنفية الأمريكية والأوربية وأيضا الإسرائيلية من خلال الضرائب والجمارك " اتفاقية باريس 1994 " فالغرض منها واضح لابتزاز الفلسطينيين معيشيا واقتصاديا ؛لاستجلاب مزيد من التنازلات مقابل ذلك .

وعلى هذا لم يكن غريبا في ظل هذين الشرطين اللذين قلبا معايير ومقاييس الشعوب المحتلة دوليا وإنسانيا ،وبالتحديد في مجال القانون الإنساني الدولي ، أن تواجه حماس حربا ضروسا وعلى كافة الصعد حينما فازت في انتخابات يناير 2006، ومن ثم تشكيلها الحكومة العاشرة وقيادتها لحكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن اتفاق مكة تاليا، إلى أن اضطرت حماس إلى خيار الحسم العسكري في غزة ، لان الأمر بات في حينها مسألة موت أو حياة بالنسبة للحركة ولمشروع المقاومة بشكل عام .

تتكرر المأساة اليوم من قبل الرئيس عباس وطاقم التفاوض في رام الله،بعد أحداث حزيران الفائت وما تمخض عنه بالعودة مجددا إلى القيام بنفس الدور المناط بمشروع أوسلو لكن هذه المرة بدرجة مخيفة ورهيبة .وهذا الدور المكرر من جديد باد للفلسطينيين وللمراقبين بشكل عام من خلال الحملات المحمومة في ملاحقة عناصر المقاومة في الضفة الغربية بالتنسيق العلني وتقاسم الأدوار مع الاحتلال ، وأيضا من خلال العودة إلى الخيار المالي بتمويل مؤسسات السلطة الفلسطينية وعلى رأسها الأمنية وإقامة مشاريع ومدن جديدة ، بواسطة أمريكا ودول أوروبا ؛ لتصب في محاربة المقاومة ولتوطين اللاجئين الفلسطينيين في هذه المدن والمشاريع الاقتصادية في رام الله وغيرها ، وفي المجمل العودة لابتزاز الفلسطينيين من جديد وابتزاز الرئيس عباس نفسه ، ولعل قبول الرئيس عباس بالكم الهائل من التنازلات المسبقة في لقاء انابوليس ، لدرجة التسليم بانجاز إطلاق المفاوضات مع إسرائيل من خلال البيان المشترك على انه الانجاز الأوحد والاهم .وكل ذلك مقابل الحصول على بضع مليارات من مؤتمر باريس الذي يعقد اليوم 17 – 12 – 2007 للمانحين الأمريكيين والأوروبيين في فرنسا من اجل انجاز الأهداف الإسرائيلية والأمريكية المنوه إليها سابقا .

وعلى هذا ، وبناء على ما تقدم فانه يغدو مطلوبا من الرئيس عباس بصفته رئيسا للشعب الفلسطيني ،أن يتطلع إلى مصالح شعبه التي تتنافى كليا مع ما هو مطروح أمريكيا وإسرائيليا ومن قبل حلفاء هاتين الأخيرتين من أوروبيين وغيرهم ، وهذا المصالح احسب أنها تقتضي ما يلي :
1- لابد أن يعلن الرئيس عباس بشكل واضح وجلي أن الشعب الفلسطيني لازال تحت الاحتلال ، وانه لم يحصل على أي من حقوقه بعد ، واقصد هنا الحد الأدنى من حقوقه المتفق عليها فلسطينيا بإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة على جميع أراضي 67، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين استنادا للشرعية الدولية المتمثلة بالقرار الدولي 194 لسنة 1948 .
2- لا يمكن الخوض أو الحديث مع إسرائيل في تفاوض عبثي مجددا دون اعتراف إسرائيلي مسبق بحقوق الشعب الفلسطيني ، وان يكون التفاوض محددا مسبقا في إطار زمني محدد يتم فيه تناول جميع القضايا الجوهرية ،وبما يؤدي إلى الغرض المنشود وطنيا بتحقيق إقامة الدولة وضمان حق العودة
3- الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 ، بما فيها قطاع غزة ، كلها بلا استثناء تخضع للقانون الإنساني الدولي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة ، وعلى هذا الأساس ليس هناك أية التزامات فلسطينية على مستوى الأمن والمال، وإنما مسؤولية ذلك تقع على الاحتلال والمجتمع الدولي ، فليس معقولا أن يتولى الشعب المحتل مسؤوليات محتله ، بحيث يصبح الأخير احتلال نظيف 100%(ديلوكس) ،وفوق ذلك كله يقوم بمختلف أنواع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني .
4- المطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة ، وعلى حماس أيضا أن تشارك الرئيس عباس موقف اعتبار قطاع غزة بأنه لازال أرضا محتلة وبالتالي يخضع لمقتضيات القانون الإنساني الدولي إلى أن يزول الاحتلال عن جميع الأراضي المحتلة عام 67 ، لان فكرة انجلاء الاحتلال لابد وان تكون متكاملة . وقطاع غزة ليس إلا شريطا ضيقا محاصرا من كل جانب، وبالتالي فالحديث عن عزله وحصاره منافيا لقانون الدولي والشرعية الدولية برمتها.
5- لابد أن يوعز الرئيس عباس إلى كافة أجهزته الأمنية بوقف حملات ملاحقة المقاومة وعناصر حماس في الضفة الغربية ، لان هذا وبغض النظر عن كل خلاف في الساحة الفلسطينية ، يعتبر خدمة أمنية جليلة لإسرائيل وبدون مقابل ، كما أن إسرائيل لم تلتزم بوقف الاستيطان المنصوص عليه في خريطة الطريق، والأخطر من هذا وذاك أن هذه الحملات هي مقدمة لحرب أهلية فلسطينية لا تبقي ولا تذر،
6- لابد من عودة الحوار الفلسطيني الفلسطيني، من خلال قبول الرئيس عباس بدعوة الحوار المتكررة من حماس ، والتي أوضحت منذ البداية أنها ليست بصدد السيطرة على قطاع غزة ، وإنما هي اضطرت إليه اضطرارا ، بسبب العائق الأمني الذي شهد كثيرون بأنه حجر عثرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها.

المال واستجلابه ليس مشكلة الفلسطينيين الأولى، كما تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل تصوير الأمر على هذا النحو ،وحتى استثمار هذا المال في مشاريع اقتصادية تخدم الفلسطينيين ومؤسساتهم كما يروج لها أصحابها سيكون مصيرها الفشل ، بسبب الاحتلال الإسرائيلي. المال الأمريكي والأوروبي افسد رموز وقادة فلسطينيين على مستوى امني وسياسي ، وأصبحوا تجارا تهمهم مصالح إقطاعياتهم التجارية والأمنية ، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى إعاقة كل مقترحات واتفاقات الوحدة الوطنية وبث الاختلاف والاقتتال ومن ثم الافتراق وتكريسه بين ضفة وقطاع . والكل بالمناسبة يعيش تحت الاحتلال ، الم يأن الأوان لترتيب بيت فلسطيني على أسس سليمة لتحقيق أهداف النضال بكافة أشكاله، من اجل انتزاع حقوقنا الوطنية دون تنازل عن حقوق وثوابت أساسية وجوهرية للقضية الفلسطينية .

*باحث في مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن