الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شروط الانتقال من الزوبعة في الفنجان إلى التغيير

أحمد الخمسي

2007 / 12 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


جدلية التغيير في الطبقة السياسية مطوقة ببنيات الاستمرارية في الكيان السياسي ككل. واليسار في المغرب معني بهذه المواجهة والاحتكاك والتضاد بين التغيير والاستمرارية قبل غيره من المكونات الأساسية للطبقة السياسية.

وعندما نردد الطبقة السياسية مفهوم من طرف الجميع، بغض النظر عن التفاصيل الأكاديمية، جميع القراء، ذلك الجزء من المجتمع المعني بشؤون الدولة. فالدولة هي الرأس السياسي، الذي يتخذ مهنة السهر على باقي مكونات المجتمع، باقي أطراف الجسد.

وبنفسية اعتزاز الرأس بنفسه، كونه يحتوي على الدماغ، الجهاز المتحكم في كل العمليات التي بدونها، لا يمكن للأجزاء الأخرى، أن تستمر في الحياة، يعيش القيمون على الدولة بنفسية الوصاية على المجتمع، سواء من باب الاضطرار أو من باب الاختيار. هذه النفسية المنتقلة بين الجزء (الدولة) والكل (المجتمع)، أدت إلى انفصال الجزء (الدولة) عن الكل (المجتمع). بل إلى تحكم الجزء في الكل. بل إلى طغيان الجزء على الكل. مما انعكس على كل العمليات المستعملة لإنتاج وإعادة إنتاج المكونات المادية للحياة وللقوة وللتحكم. من إنتاج المواد الغذائية إلى تنظيم الدفاع ووسائله العسكرية إلى تعميم أفكار السلطة ومبررات احتكارها من طرف البعض دون الكل.

والآن إذا كان الرجوع إلى الأصل فضيلة، ستجد لكل طرف أساسي من الطبقة السياسية يعتبر نفسه أحق بالوصاية على تركة الكل والاجدر انتماء للأصل الذي ننبع منه جميعا.

وهنا نعود إلى بداية الكلام عن جدلية التغيير والاستمرارية. فالملكية واليسار والأصولية المسيسة للدين، ثلاث عناصر قائمة الذات، تصوغ وتسوغ معا، منطق الأهلية السياسية والاجتماعية والتاريخية للانتماء للدولة ولاحتماء الدولة بقيم كل عنصر من العناصر الثلاث.

فالملكية لها العنصر البشري الذي يعتبر نفسه هو الدولة وفيه تتجسد ماديتها البشرية إلى جانب الذات الإلهية والتراب الوطني، ما دام شعار الدولة مكونا من ثلاث زوايا (الله والوطن والملك). والأصولية المسيسة للدين تعتبرنا جزءا لا عبرة بوجوده دون الخالق نفسه، وبالتالي تعتبر نفسها صاحبة الفضل في الجهر بالرجوع إلى أصل الأصول، خالق المخلوقات جميعا. واليسار يعتبر نفسه وصيا على العقل، الذي لولاه ما اهتدى الوثنيون للتوحيد الديني ولولاه لما استطاعت القبائل المتحكمة في بلورة الإيديولوجيا الملكية والتي ليست سوى صيغة للابقاء على احتكار السلطة.

هذه العودة إلى الذات تصبح آلية للمحافظة والاستمرار. وتكرس منطق الانغلاق والصراع. ولأن الدولة المغربية نفسها موضوع ترتيب ومقارنة مع دول أخرى، من زاوية محاربة الفقر والمردودية الاقتصادية والتوازن الاجتماعي، وتجسيد التكافؤ والعدل؛ أصبح التنافس الخارجي له وزنه في ميزان المنافسة الداخلية بين الملكيين والأصوليين واليساريين. غير أن موقع كل من اليسار والأصولية والملكية من العولمة مقارنة بالصراعات المنسية منذ انتهاء الحرب الباردة، يترك كلا منها في مرحلة انتقال، حيث المتغيرات صاعقة تشوش على الثوابت. إلى درجة يصبح الواحد من الأطراف الثلاثة مسؤولا بنفسه عما يشتكي منه، بصيغة القائل "يثير الغبار ويشتكي من عدم الرؤية"

ولأن اليسار تحت سقف الملكية منذ انهزام الاختيار الثوري أمام الملكية، تحت ستار النضال الديمقراطي، هو الأضعف منذ انتهاء الحرب الباردة، ولأن الأصولية المسيسة للدين كانت عاملا مساعدا في إسقاط الاتحاد السوفييتي (النموذج الدولي لليسار) بعد الحرب في أفغانستان (1979-1989)؛ ولأن الملكية كانت حليفا للطرف المنتصر في الحرب الباردة (الغرب الرأسمالي) ومازالت علامة على تقوية نفوذه في المنطقة (المغرب+السعودية+ الاردن) إلى درجة التأثير في ضعاف النفوس بين الجمهوريين وخلق ظاهرة التوريث (سوريا ومصر وليبيا)، فقد أظهرت أن مقولة الشعب "سليطن فقويطن" واقعا ملموسا بين قادة الأحزاب أيضا.
نحن في الواقع أمام انتصار موازي حاليا لكل من الملكية والأصولية. وإذا كان على اليسار أن يتكيف مع المرحلة حيث انقلب ميزان القوى ضده؛ فقد وجد الملكية التي مدت يدها نحوه لمساعدتها في انتقال العرش. وكان من حقه أن يطرح معادلة التوازن بين الحق التاريخي (الملكية أقدم مكون من مكونات الطبقة السياسية في المغرب) وبين الشرعية السياسية بالمعنى الحداثي الديمقراطي (سيادة الشعب أبلغ تعبير عن المطابقة بين الحداثة والديمقراطية). لكن الخطأ الذي ارتكبه جزء من اليسار، كان لحظة العمى الذي أصاب هذا الجزء والذي الحركة الأصولية جميعا، عندما ذهب إلى تحميل أكثر المعتدلين بين الأصوليين مسؤولية أحداث 16 ماي 2003.

إذ كشف هذا الجزء أنه الغالب بين قوى اليسار. بدليل أنه لم تظهر بين قيادات الأحزاب مواقف حازمة ضد حملة الاعتقالات الواسعة في صفوف الأبرياء بين أبناء الشعب بين أسر المتهمين وأصدقائهم. مما أدى إلى السكوت عن تكرار انتهاكات جسيمة.

وبالتالي كرس هذا الموقف حالة التوتر الذي بتها رد الهاجس الأمني لدى السلطة. وكرس نفسية بل إيديولوجية الاستئصال المتبادل بين اليسار والأصولية. وهنا تساوى اليسار في قيمه العميقة مع أنصار الملكية في السلطة وبين العنصر المحافظ في السلطة. ما دام كرس الوجه المشارك في الحكومة، وغيب الجوهر الديمقراطي لليسار. فما الذي يبقى لليسار إن لم تكن الديمقراطية، غير السقوط؟

هذا السقوط في امتحان الموقف تجاه جوهر الديمقراطية، أدخل اليسار ضمن بنية الممارسة السياسية التي تسعى لاستمرارية السياسية "باللي اعطى الله".

إن الانتفاضة المكرسة داخل الاتحاد الاشتراكي مفيدة للجميع. شرط ألا يفهم منها مسح التهمة في شخص بعينه. بل المعني بالانتفاضة لحظة عينية من تراكم طال كل مفاعيل العمل السياسي. بل انتقل إلى العلاقة بين السياسة والاقتصاد. فكرس العلاقات السائدة في المناطق والتي تتقوى بشبكات التبييض المالي عبر العقار، تعتمد الارتباط بالبنيات الادارية الفاسدة.

وبالتالي، ما زالت عملية الحلحلة التنظيمية في بنية الاتحاد الاشتراكي داخل فنجان الاستمرارية، ما دامت لم تشكل محطة تقييم مرحلة بكاملها تطال مرحلة الانتقال من الحرب الباردة إلى التكيف مع العولمة. لأن الأمر هنا يهم الأداء الجيد الذي بصم حزب الاستقلال في فترة امحمد بوستة. عندما ارتبط الحزم بمعادلة الكراسي. فالقيمة السياسية الرمزية التي حظي بها بوستة، هو أنه تمكن من التفوق على قيمة "مقعد الوزير الأول" وأظهر أنه أكثر ذكاء على الصعيد المرحلة ككل.

أما والأمر يرتبط بتقييم ما يجري في الاتحاد الاشتراكي من داخل اليسار فيمكن فرز عناصر القيم المضافة للاتحاد ولليسار من نفس الفترة. وهو الارتباط المتين الذي حصل بين الملكية واليسار عبر الاتحاد الاشتراكي. لكن الأخطاء تجاه المجتمع، بما فيه الجزء الأصولي الممثل للحركية المجتمعية، تعني التعمق في ما هي خسارات اليسار من حيث القيم الأصلية التي يقف عليها وبها الوجود الأصلي لليسار.

فالديمقراطية والحداثة ربح لليسار من حيث تبنيهما من طرف الدولة. لكن الجهاد الأكبر هو مدى حفاظ اليسار على المحتوى الديمقراطي عندما يفرز المجتمع قوى غير يسارية لتمثيل الأغلبية السياسية.

إذا كان اليسار ديمقراطيا من حيث الوجود و"الحتمية التاريخية" للمصير السياسي للمغرب في محيطه المغاربي والعربي، فيقتضي المنطق أن يتسلح اليسار بالهدوء والرزانة بما معناه التخلص من عقدة الخوف من الخصم السياسي. أي الاحتكام إلى العنصر الديمقراطي في فرز إرادة الشعب، ثم مراجعة أدوات العمل قصد العثور من جديد على نقطة الانطلاق مما هو موجود نحو المأمول الحداثي الديمقراطي.

أما إذا استمر اليسار في معالجة الأزمات من داخل بنية التفكير السياسي القائم، فمعنى أن الاستمرارية في نفس المنهجية والأهداف والارتباطات والمصالح تجعل الصراع من أجل التغيير صراعا بين أشخاص. وإلى حدود المنظور لم يظهر أحد أرقى قيما وأوضح منهجية وأقوى بصيرة من محمد اليازغي، داخل نفس السياق. والمقياس سؤال بسيط: هل توجد في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي أغلبية مخالفة لليازغي جوهريا؟

هذا لا يعني أن بقاء اليازغي أفضل من ذهابه. غير أن الصورة لا توضح بروز مستقبل أفضل للاتحاد بمجرد ذهاب اليازغي. إن الفضيلة الوحيدة لذهاب اليازغي هي تعرية أكبر للأزمة وبالتالي تأهيل الاتحاد الاشتراكي لدخول مرحلة موالية ضرورية بدل المراوحة. فالمطلوب ليس ذهاب اليازغي في حد ذاته. بل المطلوب بناء أسس المرحلة المولية. لأن الأحزاب السياسية المغربية لم تدخل مرحلة ما بعد الحركة الوطنية. فهي لا تعيش لا الحداثة ولا الديمقراطية. تمدد مرحلة الكاريزما في قاعات الإنعاش.

فالمنهجية الديمقراطية اليوم في الامتحان. لا تنهى عن خلق وتاتي مثله، عار عليك، إذا فعلت عظيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية