الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما العولمة؟

فارس خليل ابراهيم

2007 / 12 / 20
العولمة وتطورات العالم المعاصر


يبدو جلياً استمرار حالة التشابك و الغموض بين مفردات العولمة الثلاث : (مفهوم العولمة وظاهرة العولمة ومصطلح العولمة) ، وكذلك الخلط المتعمد بين مفهوم العولمة و العالمية ، ولفض حالة التشابك و الخلط هذه يجب السير جنبا الى جنب مع تلك المفردات منذ الولادة حتى يومنا هذا ، ومن ثم وضع تعريف واضح ومحدد لتلك المفردات ووضع الحد الفاصل بين مفهوم العولمة و العالمية بعد تسليط الضوء على الاسباب التي دفعت البعض الى هذا الخلط المشبوه بين المفهومين .
وفي البداية سعينا الى لملمة اجزاء لوحة العولمة بين زوايا الضواهر و المفاهيم و المصطلحات التي يمكن ان تلمس خطوطا عامة لهذه اللوحة والتي تشير بدورها الى وجوب توافر عدة عناصر تأسيسية لموضوع بحثنا هذا ومن بين هذه العناصر ، هو تفرد امة ما بمقدرات الشعوب او الشعوب المجاورة لها على اقل تقدير وسط حالة من التردي و الانحطاط تحيط هذه الشعوب المغلوبة ووصول هذه الامة المهيمنه الى مرحلة متقدمة من تقسيم العمل وهيمنة تجارتها الخارجية على الاسواق المجاورة وبلوغ المؤسسات و التقنيات العسكرية حدودها القصوى وسيادة الاصوات القائلة ان لخط الحياة المتبعة عند هذه الامة هو سر نجاحها وهيمنتها ووجوب تعميم هذا النمط على بقية الامم و الشعوب و اعتماد الاساليب القصرية في هذا التوجه غير ان مساحة امتداد هذه العولمات كانت تختلف من امة الى امة ومن مرحلة الى مرحلة حسب الامكانات المتوافرة لعملية العولمة ، ففي الالف الثانية قبل الميلاد يضهر جلياً تأثيرات الامبراطورية الاشورية على منطقة الهلال الخصيب و شمال الجزيرة العربية الى المناطق الشرقية و الشمالية الامبراطورية ابتداءا من جنوب غرب ارمينيا مروراً بايران ووصولاً الى ديار بكر عند هضبة الاناضول .
وهيمنة الحرف المسماري وسيادة اللغة الآرامية و المعتقدات و القوانين الرافدية على الشعوب الخاضعة لتلك الامبراطورية ولم تختلف الحقبة البابلية الثانية عن المرحلة الاشورية سوى سيادة التماسك في المنطق الامبراطوري في التعامل مع الاخرين وبعد مراحل عدة لم يتسن لقوة ما التفرد بمقدرات العالم القديم ، تصدت روما الامبراطورية لقيادة العولمة وبطريقتها المدهشة ،فمع وصول ضاهرة تقسيم العمل ووصول العلوم العسكرية على اوجها سادت روما العالم وساد معها نمط حياة الامبراطورية الرومانية على العالم وسارت الدوله البيزنطينيه على خطى روما الامبراطورية رغم التعثر والعلل المزمنة في هذا الجسد الجديد .
و بالأمكان اعتبار التتريك و الفرنسه وربط دول المستعمرات البريطانية برابطة الكومنولث احدى اشكال العولمة لكن بمظاهر تتناسب مع متطلبات تلك المراحل من عمر هذه الظاهرة الانسانية ، غير ان ايا من تلك المراحل لم تحظ بالامكانات و الفرص التي توافرت لهذه المرحلة الراهنة و التي بدأت مع منتصف الثمانينات من القرن الماضي .
وقبل الولوج مرحلة العولمة في الحقبة الامبريالية يجب ان يفهم تماما ان عملية العولمة هي ضرورة تاريخية لسلوك توسعي بلغ اوجه تدفعه قناعات راسخة في ان عملية فرض نمط حياتها على الاخرين هو امر حيوي لاترف حضاري يمكن الاستغناء عنه .
وعند العودة الى العقد الثامن من القرن العشرين ومرور بمكونات تلك المرحلة نلحظ انها شهدت انعطافات مهمة في تاريخ الشرية فقد لاحت في الافق وبوضوح ملامح الانهيار المؤسساتي للمنظومة الاشتراكية وعودة هيمنة الخطاب الليبرالي على الساحة السياسية في العلاقات الدولية واستبدال المفاهيم و المفردات الثورية بمفردات الديمقراطية وحرية التعبير و التداول السلمي للسلطة هذا بالاضافة الى ارتفاع الاصوات الداعية الى الحد من تدخل الدول في الحياة الاقتصادية بعتبارها معوقا كبيراً في التقدم ونمو اقتصاديات الشركات المتعددة الجنسيات والتي كانت في مراحلها الاولى وبعد ان غادرت الاسلوب الكنزي في ادارة الحياة الاقتصادي وبلوغ وسائل الاتصال وتقنيات المعلومات عتبة تجاوزت معها الحدود القومية للبلدان و الدول بالاضافة الى الانهيار المدوي لعدد كبير من المحاولات التصنيعية الهادفة الى الاستقلال الكامل في البلدان النامية او كانت على وشك ذلك .
دون الحاجة الى استعراض التقدم الهائل للالة العسكرية نوعاً وكماً وبروز الحاجة الملحة الى تأمين مصادر الطاقة في منطقة الشرق الاوسط و الحفاظ على الاسواق الرأسمالية التي تمتد طرديا مع تمدد الجسد الصناعي للدول الرأسمالية وبما يفوق الحاجات الحقيقية للأسواق الداخلية و الخارجية ، لذا اصبح من الملح البحث عن مخرج وكان ذلك المخرج هو اعادة تشكير خارطة الاسواق ومصادر الطاقة وربما يتناسب و الحاجات الملحة للشركات المتعددة الجنسيات التي اصبحت في مطلع تسعينات القرن الماضي حقيقة فجة لايمكن الهروب منها ، لا العكس كما في السابق و الذي فرض بدوره ان يكون كل من المنتج و المستهلك شيئا واحدا موحدا رغم المسافة الشاسعة بين دوافع الاول ودوافع الاخير في سعيه الحثيث لاشباع حاجاته التي تكفل له البقاء .
فمع تصدير الصناعات القديمة الى البلدان النامية مروراً بتصدير الصناعات المشرفة على الافلاس الى البلدان النامية لاستثمار فارق الاجور الكبيرة بين الايدي العاملة الغربية المكلفة و الايدي الرخيصة في البلدان الفقيرة وصولا الى توحيد الانماط الاستهلاكية الكاذبة والتي لاترتبط بالحاجات الفعلية للمستهلك بقدر ارتباطها بالحاجات المشبوهه للشركات المنتجة استطاعت العولمة الناشئة خلق واقع اقتصادي يأكل السريع فيه البطيء كما يأكل القوي الضعيف في حلبة الصراع و المنافسة الاقتصادية في فجر البرجوازية الصناعية في القرن الثامن عشر ، ومن نتائج هذا الواقع الاقتصادي الجديد ، تفردت مجموعة من الشركات العابرة للقارات باحتكار اسواق الانتاج ومجالات الاستهلاك ومكامن الطاقة بالاظافة الى احتكار اسواق العمل والاجور وبما يلائم توجهات تلك الشركات و التي تسعى كما ألفناها الى ضغط حجم الاجور من خلال تقليص اعداد القوى العاملة وضغط الاجور و الهروب من ازمتها المزمنة في الفائض المنتج وتقلص الاسواق وارتفاع اسعار الطاقة الأحفورية (النفط والغاز ..... الخ) .
بالهروب الى الامام من خلال خلق دوافع استهلاكية كاذبة اضافية وخلق اسواق جديدة بازاحة الاخر بشتى الطرق الممكنة للاقتصادية و العسكرية اذا دعت الضرورة ، وتحويل كل الامم والشعوب النامية الى مجرد كومة هائلة من الامعاء والاعضاء الهاضمة لاستهلاك ما ينتجه الغرب ، فيصبح ثمن حرية التنافس الحر الذي دافعت عنه الرأسمالية هو القضاء على التنافس و التفرد بالمستهلك افراداً وشعوبا تحت شعار القرية الكونية الحرة و المجتمع الانساني الخالي من الانظمة التعسفية و المجتمع الانساني السعيد ، و الخلط الخبيث بين مفهوم العولمة و العالمية .. فاذا استطعنا ان نستنتج من السطور الماضية ان العولمة هي ظاهرة تاريخية ملازمة للحضارات الانسانية ومحاولة الامم المهيمنه فرض نمط ونموذج حياتي واحد على كافة الامم و الشعوب الخاضعة لها وراء ضرورة اقتصادية و عسكرية ملحة تجعل من الحاجات الانسانية شعاراً لها لاحكام السيطرة على مشروع العولمة وقيادة الشعوب .
نجد ان العالمية هي ذلك اللقاء الحر بين مختلف الشعوب و الاديان و القوميات وسط هذا التفاعل الحضاري الذي يأخذ اشكال عدة منها التفاعل الاقتصادي و الفني و العسكري في احيان عديدة دون ان يفقد اطراف هذا التفاعل هويته الخاصة .
وبأختصار يمكن وصف العالمية هو الاعتراف المتبادل بين (الانا والآخر) وسط هذا الاحتكاك الحضاري الهائل الذي يضفي الى مزيد من الاثراء لكلا الطرفين من دون الحاجة الى البحث عن عدو مفترض لاثبات الذات و البحث عن الانصار في الوقت الذي تبحث فيه العولمة عن عدو ما لتصدير ازماتها المزمنة التي لا يمكن التخلص منها الا برميها في ساحة العدو خلال عملية الصراع غير المتكافئة .
وبناء على ما تقدم يمكن القول ان مفهوم العولمة هو التعبير الايدلوجي لمنظومة البناء الفوقيه للمجتمعات الرأسمالية في مرحلتها الامبريالية التي لم تحدد اصطلاحاً لعدم اكتمال الخطوط العامة لهذه الظاهرة واخذها لملامح المرحلة الراهنة بالاضافة الى محاولة البعض افراداً و مؤسسات التشويش حول كل ما يتعلق بالعولمة و تمزيق العولمة ظاهرة و مفهوما واصطلاحا بين ادوات تشريح العلوم الاجتماعية متناسين ان هذا التمزيق المتعمد لايمكن ان يغير من حقيقة كونها ظاهرة انسانية بغيضة ملازمة للتاريخ تحمل بين طياتها عوامل اضمحلالها وفنائها المؤكد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار