الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورات وهمية

علي حسن الفواز

2007 / 12 / 22
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


متى يشبع الناس من الثورات، تلك التي تقوم على الحرائق ومحو الاخرين وزرع الروح الانقلابية تحت جلد الارض واللغة والفكر؟ ومتى تتخلص الايديولوجيات من عقد هذه الثورات العجولة والانفعالية والصاخبة والتي لاشأن لها سوى اعادتنا الى منطقة الصفر الوجودي والانساني والمعرفي والسياسي ؟ ومتى يتخلص المثقفون اليساريون واليمينيون والوسطيون من اوهام هذه (الثورات) الماحقة الساحقة التي تصنع اعداء لاوجود لهم وتصنع مريدين من السهل التجاوز على حقوقهم واحلامهم ؟
لماذا تحدث عندنا فقط هذه الثورات العجيبة والضرورية والبيضاء احيانا كما يصفها مفجروها ومسوقوها؟ ولماذا تفرض هذه الثورات الدعوة الى كتابة التاريخ دائما ومراقبة سير الاجيال وشؤون الناس وتواريخ ميلادهم ؟
اعتقد ان هذا النمط من الثورات لم يعد مقبولا ومتداولا، فالعالم ترك عصر الثورات الوحشية وانتقل الى نمط آخر من الثورات، تلك التي تقع خارج وزارات الدفاع والمعسكرات ودور الرئاسات ومحطات الاذاعة، اذ بدأت القوى الجديدة(العقلانية والتنويرية)بشرعنة هذه الثورات في المختبرات والجامعات ومراكز البحث العلمي وفي ضمائر الناس ،لان هذه الثورات هي الوحيدة التي تؤنسن ادمية الانسان وتحفظ نوعه ومشروعه وترتقي بثقافته واناقته وجمال حياته بدل الثورات (الجنرالية) التي تقوم على فكرة المحو والاقصاء والشك ....
كلما اسمع خطابا لرئيس دولة من العالم العربي ودول العالم الثالث او محاضرة لرئيس حزب مؤدلج من الرأس الى الرأس اشعر بالحزن والكأبة والاحباط! لان هذه الخطابات والمحاضرات العاتية والاستعراضية توعدنا على عجل بالجنة وصلاح ذات الشأن وانقاذنا من الفقر والعلل وأمراض العولمة والخصصة والتجارة الحرة! وتمنحنا جرعات عالية من الشبع والنوم، او التمتع بحقوقنا الشرعية الجنسية وفق قانون ودستور كتبا بحرفية ومهنية عالية! هي اكثر المثيرات على ارتكاب المعاصي، لان الخطاب مهما كان ناعما هو دعوة سرية للطاعة والسكوت عن شرور السياسة! وربما هي دعوة للدعاء بالخير لهذه السياسة لانها جاءت لنا بالثورة والثوار !!!
يقول ادونيس في احدى مداراته ..
لمونتغمري ورومل في الاسكندرية سرير واحد اسمه الموت
ولهما وطن واحد اسمه التاريخ ..
هذه المدارات تؤشر ان المحاربين الذين ملاوا الارض رعبا والمتخاصمين في ارض العالمين رغم كل الضجيج الذي صنعوه والدماء التي اراقوها والجغرافيا التي خربوها! والاوطان التي غزوها! لم يشتركا الا في سرير واحد هو الموت ووطن واحد هو التاريخ! يطل عليهم العابرون ويقرأهم طلاب المدارس الابتدائية ..
فهل يتعظ الهؤلاء! الذين يكررون الحرب والثورات الفنطازية ويدعون دائما بالويل والثبور لاعدائهم المفترضين! ويدعوننا ليلا ونهارا للنوم صحوا في التاريخ خوفا من ان يعود الينا الفرس او الروم لينهبوا كنوز الارض العربية ويأخذون رجالنا عبيدا ونساءنا جواري !!!
هل يتعظ هؤلاء الذين اكلوا اللغة حتى رأسها (كما يقول اصحاب حتى ) الذين مددوها على بطنها وقفاها وتركوها مباحة للغتصاب الرمزي ولهوس الاشتقاقات والاكاذيب والشتائم دون ان يعمروا شارعا او يبنوا برجا او يؤسسوا دارا للاوبرا او مسرحا للاطفال او مكتبة عامة كتلك التي بناها ميتران في باريس وظل خالدا معها ...
اكتشفنا متأخرين ان هذه الثورات العسكرية، لاتنفع وانها محض مغامرات او العاب ساخنة
الاوطان فيها تسرق والجيوب تسرق والثقافات تؤجر مثل الدكاكنين وكل شيء يتحول فيها الى عرصات حكومية! وللاسف فان بعض المثقفين يصدقون حكايات هذه الثورات فيسمنوا معها ويفكروا على طريقتها، ومع انتهاء هذه الثورات وذهابها الى المتحف يتحول هؤلاء الثوار المتقاعدون الى معارضين والى اصحاب حق الهي مضاع!
اكتشفنا متأخرين حقا ان هذه الثورات المطبخية والمؤدلجة قد تركت فينا جروحا وعاهات وعقائد وغوايات من الصعب محو أثرها، اذ علمتنا عادات في الاجتماع وفي السياسة وفي الكلام، زرعت فينا اوهاما غريبة وعقدا غريبة، علمتنا ان نكون مثل ثيران الساقية ندور في العمي والعالم من حولنا يتحرك، يتحضر، يتطور ،يبني، لايدخل في حروب مجانية! يطبع ملايين الكتب، يؤسس مراكز هائلة للبحث العلمي والثقافي، يمنح جوازات سفر دون اسئلة عن تاريخك العائلي، يمنحك احساسا يوميا بالاطئنان، والاكتفاء بجرعات النوم والحب، لاتفكر بتهريب ابنائك الى المنافي، لايطردك احدا، ولايشك بك أحد دون وجه حق ..
نعم اكشفنا متأخرين ان ثقافتنا الثورية واحلامنا الثورية كانت قصصا وهمية كتلك التي كان ترويها لنا الجدات عند المواقد وربما كانت اقل صدقا ونبلا منها .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار