الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جائزة مراقبة حقوق الإنسان لعام 2003م د. عايده سيف الدولة امرأة غير مُدينة للحظ بشيء

عفيف إسماعيل

2003 / 11 / 22
حقوق الانسان


   اختيرت د. عايده سيف الدولة أستاذة الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس بالقاهرة ، ورئيسة الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب ضمن ثلاث مناضلين للحقوق الإنسان علي مستوي العالم للحصول علي جائزة مراقبة حقوق الإنسان لعام 2003م لدورها الفاعل في كسر حاجز الصمت حيال انتهاك حقوق الإنسان في وطنها.
    المناضلة د. عايده سيف الدولة امرأة غير مُدينة للحظ بشيء ، فهي تعمل في مجال حقوق الإنسان بقناعة مناضلة اختارت حقلها الذي تناضل فيه بوعي ثاقب يعي الدور العملي والعلمي لتقسيم الدوار في النضال في دول العالم العربي المؤبوة بآفات الهدر العام  لحقوق الإنسان ، لقد اختارت وفق قدرتها للعطاء اللامحدود في العمل في منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان. فهي مؤسسة للعديد من المنظمات الحقوقية والتي تهتم بقضايا المرأة عموماًُ.
    نجوت وأسرتي من أهوال دكتاتورية  الجبهة القومية الإسلاموية التي جاءت بانقلابها العسكري علي النظام الديمقراطي في 30 يونيو 1989م المشؤوم بالخروج إلي شمال الوادي  في فبرائر 2001م ، وفور وصولنا إلي القاهرة ذهبنا إلي المجموعة السودانية لضحايا التعذيب، بعد اكتمال إجراءات  إثبات الحالة تم تحويلنا إلي مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي بواسطة الطبيبة السودانية النبيلة د. إيمان أحمد إسماعيل وقد ذيلت ظرف الخطاب المرفق بجملة (عاجل جداً).
     عندما ذهبت وأسرتي المكونة من( نازك وصغارنا  رفيف، ووريف، وشادي) أعطيت موظفة السكرتارية الخطاب، غابت قليلاً ثم جاءت وقالت بحياد:
- لقد حجزت لك موعداً بعد شهر من الآن
- شهر!!
- أيوه
- هل أحتاج لكي أقابل طبيباً كل هذه المدة؟
بصبر نافد قالت:
- نعم
- هل قرأتي  جملة عاجل جداً المكتوب علي طرف الظرف
- أعتقد إنني أعرف اللغة الإنجليزية
- هل تتعاملون مع الحالات العاجلة بمثل هذا  التأخير؟
- أنت ليس وحدك ،هناك صف طويل ينتظر
-  عفواً.. أنا لا أريد أن أسطو علي فرصة آخر، لكن إذا وجدت في مكان طبيب يكتب لزميله عاجل جداً ، يعني هناك ضرورة .
-  صدقني الحالات التي نستقبلها كثيرة وليس هناك تاريخ أقرب من هذا الميعاد
- هل يمكن أن أقابل المسئول المباشر عن المركز
- هذا رأيه أيضاً
قلت لها بحماقة سودانية أصيلة :
- هل تعلمين إنني لو خرجت من هذا الباب(وأنا أُشير نحو باب الخروج) لن أعود مرة أخرى، وسوف أرجع هذا الخطاب إلي المجموعة السودانية لضحايا التعذيب .
      في تلك اللحظات كانت د. عايدة سيف الدولة تمر بالصالة غلي غرفة أخري والتقطت الجزء الخير من الحوار مع السكرتيرة فقالت لها:
- هاتي الجواب دا
قرأت محتوياته ، ولدهشتي قالت تفضلوا ، وهي تشير لنا بالجلوس، بعد قليل جاءت السكرتيرة وهي تشير إلي نازك بالدخول إلي غرفة الدكتورة. بعد أكثر من ساعة خرجت نازك، ودعتني إلي الدخول ، وجدتها أشبه بنخلة من شمال السودان تشمخ بكبرياء غير متعالٍ ، وببساطة آسرة ، وترنو بحنو يذكرك بدفء الشقيقة الكبرى،علي خلفية ما تحاورت مع  نازك كانت تسألني برفق وهي وتلعن نظام الجبهة القومية الإسلاموية، وتتنوع أسئلتها إن أحست إن هذا السؤال أو ذاك يحرجني أو يجرحني،أو يفتح قمم ذكريات مؤلمة ، وعندما أحست مرة أنفاس تتلاحق وأنا أروي أحد البشاعات التي يمارسها زبانية الأمن علي المعتقلين، ركضت مسرعة إلي الغرفة المجاورة وأحضرت زجاجة مياه باردة، وطلبت مني أن أتوقف عن الحديث وان أدخن إن كنت أريد أو أشرب شاياً أو قهوة عندما شكرتها علي ذلك، استأذنتني أن تدخن هي، وأكملت تداعيات عسف سلطتنا علينا، كان وجهها يشع حنقاً ويفيض ألماً،وتكاد أن تصرخ ، أشفقت عليها من هول ما احكي وتوقفت، أدركت بفطنتها الطبية  إنني لن أواصل الحديث، فسألتني عن ساعات نومي، وعندما علمت إنني أنام أربعة ساعات في اليوم حاولت أن تحسني علي تناول جرعة صغيرة تساعد علي النوم بشكل افضل، لم تصر أمام عناد رفضي غير المبرر، علي ورقة صغيرة كتبت رقم هاتفها المحمول وأرقام تلفونات المركز ورقم منزلها أخذت رقم تلفوني، مع التنبيه كي نتصل به في أي وقت، وكتبت روشتة بفايتميات عديدة لحالة الأنيميا الجماعية التي كانت تبدو علين ولا تحتاج إلي فطنة مختبريه.
  واصلت معنا رحلة العلاج والتعافي من الآثار النفسية من جراء الإعتقالات المتكررة والعضوية التي كانت تظهر علي شكل وزعر من  طرقات الباب للصغار جميعاً وأعراض الاكتئاب التي تبدو واضحة عليّ، تضخم في اللوزتين لطفلتي رفيف، وتهتك في أحد فقرات الظهر للنازك . ظلت برفق تقدم لنا مساندتها النفسية، وتوقظ من إنطفأ من شموعنا، وتعيدنا شيئاً فشيئاً للتوازن، وتبادر بالاتصال بنا للتعرف أحوالنا برغم قصر المدة بين كل مقابلة وأخري،ونحن من جانبنا كنا نتشبث بها تشبث الغريق بطوق النجاة ونقلقها بتلفوناتنا في أوقات مختلفة، كانت تستقبل مكالماتنا المهجسة بصبر ودود،لم نحس داخلها ضجراً ، بل دائما يأتي صوتها الباسم يكسر حاجز التردد إلي تدفق الحديث الذي يريح نفوسنا المنكوبة من عبء الماضي والراهن المجهول،وتحول محمولها إلي خطاً ساخناً لنا ، وعلمت بعد ذلك مد مشغوليتها وازدحام زمنها الموزع بين أكثر من جهد يحتاج إلي خمس نسخ أصلية منها،من جهد تأسيسي لمنظمات تهتم بقضايا النساء المعنفات ،و العمل التضامني بين الشعوب العربية ، وعملها ليومين في أسبوع في مركز النديم ومؤتمرات خارج مصر، بجانب تدريسها في الجامعة. يبدو أن إنسانيتها المتدفقة أنستها الحاجز الحيادي للطبيب النفسي وتجاوز الخط الأخضر ثم الأحمر فصارت علاقتنا بها صداقة تقوم علي الاحترام وتبادل مشتركات أخري كثيرة، وبوضوحها الثاقب أدركت إنها لن تواصل معنا فحولتنا إلي زميلتها التي هي أيضاَ في روعتها د. سوزان فياض، التي عبرت بنا بصبرها المعجز ما تبقي من مشوار التعافي.
   صارت القارئة الثانية بعد نازك لنصوصي الشعرية، عندما أصدرت مجموعة " رهان الصلصال" تحمست له وصارت توزعه بين صديقاتها وأصدقاءها وحققت بذلك قرضين انتشار المجموعة الشعرية ودعمنا مادية، مرة أبلغتها بأنني في نهاية هذا العام سوف أكون في أحد الدول الناطقة بالإنجليزية  وخططي لمجابهة الآتي ليس به الاعتماد علي دعم الضمان اجتماعي طويلاً ، أخبرتها باني احتاج مساعدتها في ترجمة شعري إلي اللغة الإنجليزية، هناك أصدقاء لي قد قاموا بمحاولات في بدايات التسعينيات للترجمة، سألتها إن كان لها صداقة مع إحداهن أو أحدهم له خبرات في المجال ؟
سألتني :
- ماذا تريد أن تترجم؟
- رهان الصلصال
فاجأتني قائلة:
أنا أترجمه، فقط حدد نصوص معينة لكي أبدا بها

         هكذا بكل بساطة تستطيع د. عايدة سيف الدولة تحويل أحلام الآخرين إلي واقع ممكن كأحلامها للبشرية جمعاء، يا لها من امرأة فعالة لما تريد!! وتنتمي للآتي بقوة.
  اخترت بعض النصوص لها، ففاجأتني مرة أخري بعد أسبوعين بترجمة ثلثي (رهان الصلصال) بالترتيب من بدايته، برغم أنها في تلك الأيام كانت في أوج نشاطها لتنظم المسيرات لتداعيات احتلال العراق ومتابعة  تأسيس الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب  وحملات التضامن الكثيرة  التي تقودها ، وكنت كثيراً ما أقرأ بيانات من جهات مختلفة أحس بها تقبع بين السطور مقاتلة شرسة من اجل حقوق الإنسان.

      إنها تفعل ما يتسق مع وعيها بادق خصائص واقعها المصري الحاذق والمعقد،عندما أعلنت تبرعها بقيمة جائزة مراقبة حقوق الإنسان لعام 2003م وقدرها (10000) عشرة ألف دولار لحظة تسلمها الجائزة بنيويورك في يوم 12/11/2003م لمركز النديم والتأهيل للعلاج ، أدركت إنها حقاً امرأة غير مدينة للحظ بشيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر