الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى تقرع أجراس المحرومين !؟

رضا الظاهر

2007 / 12 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تضاربت التصريحات المتعلقة بمصير البطاقة التموينية بعد إعلان وزارة التجارة عن احتمال إلغائها، أو تخفيض السلع المشمولة في البطاقة من عشر الى خمس سلع (أو ست حسب تصريحات أخرى هي الطحين والرز والسكر والزيوت وحليب الأطفال والشاي)، مع تقليص كمياتها. وأدت هذه التصريحات، التي أشار مسؤول في وزارة التجارة الى أنها صدرت بصلاحية أعلى من صلاحية الوزارة، الى استياء شعبي عارم، وانتقادات من برلمانيين وسياسيين وممثلي أوساط اجتماعية، مثلما أدت الى ارتفاع أسعار أسواق الجملة للمواد الغذائية، بينما اتجهت الاتهامات الى الحكومة، والى وزارة التجارة بالذات، حول تقصيرها وعجزها في عملها جراء الفساد المستشري فيها. وفي غضون ذلك دعا وزير التجارة الى استبدال البطاقة التموينية بنوع آخر من الدعم الحكومي، مشيراً الى حقيقة أن البطاقة تسد حاجة حوالي 60 في المائة من المواطنين، وداعياً الى زيادة مخصصاتها لعام 2008 الى ستة مليارات دولار بدلاً من 3.117 مليارات.

وفيما كان الناس ومازالوا ينتظرون من الحكومة اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية بهدف التخفيف من الأعباء التي تثقل كاهل الكادحين، الذين يواجهون ضغوط صندوق النقد والبنك الدوليين من ناحية، والتباسات السياسة الاقتصادية للحكومة من ناحية ثانية، يأتي قرار رئيس الوزراء بتكليف لجنة خاصة لتعويض المواطنين بمبالغ الحصص التموينية غير المجهزة، على أهميته، ليكشف عن الطبيعة الآنية للحلول. وبينما كان وزير التجارة يؤكد على ضرورة دعم البطاقة التموينية بنوعيات جيدة، راح يناقض تصريحاته، فيشير الى إلغاء مواد منها وتقليص كمياتها، مما يكشف عن انعدام التخطيط، ناهيكم عن الاستهانة بعقل المواطن. وبوسع المرء أن يلاحظ، في سياق ذلك، الدراسة والمصادقة المتعجلة على التشريعات الاقتصادية على نحو يشجع ويفاقم النشاطات الطفيلية على حساب الملايين من المغلوبين على أمرهم، والعاجزين عن التصدي لمزيد من الانحدار في الوضع الاقتصادي، والاستسلام لشروط "المانحين"، وخصوصاً صندوق النقد والبنك الدوليين، والاحتكارات المتمرسة في نهب الثروات.

ويحق للمرء أن يتساءل: لماذا توجد حصص تموينية غير مجهزة أصلاً حتى يضطر رئيس الوزراء الى اتخاذ قرار، الأسبوع الماضي، بتكليف لجنة خاصة لتعويض المواطنين ؟ ومن الذي سيضمن، وسط أجواء فساد قلَّ نظيرها، أن تذهب التعويضات الى المستحقين فعلاً، بحيث لا تُخرِج "اللجان" الموتى من القبور وتسجلهم أحياء في البطاقة التموينية !؟

وعلى أية حال فان وزارة التجارة لم تحصل، حسب مسؤول فيها، على التخصيصات التي أقرتها وزارة المالية في بداية كل عام في ظل مختلف الحكومات. أما التحديات الداخلية للوزارة فتتمثل، حسب المسؤول، في نقل مواد البطاقة الذي تعجز الوزارة عن القيام به، مما يضطرها، على سبيل المثال، الى شراء بعض من وقود شاحناتها، محدودة العدد أصلاً، من السوق السوداء ! وهناك، أيضاً، معضلات الكهرباء ووكلاء المواد الغذائية (55 ألف وكيل لايصال المواد الى ما يزيد على خمسة ملايين ونصف المليون عائلة)، بينما تسجَّل الولادات دون الوفيات، ويتواصل تزوير البطاقات واستبدال المواد الغذائية ذات المواصفات المعتمدة بأخرى رديئة، وتباع البضاعة الأصلية في الأسواق، دون أن تتخذ إجراءات من جانب الوزارة أو المؤسسة العامة للمواد الغذائية أو جهات معنية أخرى.

غير أن البطاقة التموينية، التي نشأت أساساً بسبب العوز الناجم عن سياسات مهندس المقابر الجماعية وآثارها المدمرة التي تفاقمت في عهد "التحرير" والعراق "الجديد"، تتعرض الى ضغوط صندوق النقد والبنك الدوليين الرامية الى تجويع الملايين وتركيعهم، عبر الامتثال لإرادتهما في خفض الدعم الحكومي لحاجات المواطنين الأساسية.

وليس مجانبة للحقيقة القول إن خفض مواد البطاقة التموينية وتقليص كمياتها يشكل إساءة فاضحة للمواطنين، وتجاوزاً على حقوقهم وحاجاتهم الملحة. ويحق للمرء أن يتساءل: أمن المعقول أن ميزانيتنا، التي بلغت 48 مليار دولار، تعجز عن إضافة ثلاثة مليارات دولار لدعم مفردات الحصة التموينية ؟ ولماذا لا يخصص جزء من المليارات المهدورة في الفساد والسرقات لإشباع الجياع والمحتاجين ؟ ألا يعني الإبقاء على مبلغ مخصصات البطاقة، الذي يقترب من ثلاثة مليارات دولار، تجاهل انخفاض قيمة الدولار وارتفاع الأسعار عالمياً واستمرار زيادة التضخم، فضلاً عن زيادة عدد نفوس العراقيين بما يعني تغطية حاجات ما يقرب من ثلاثة أرباع مليون نسمة إضافيين من المبلغ نفسه، الذي لم يكن كافياً حتى في العام الحالي ؟

ومن ناحية أخرى فإنه من الخطأ الفادح التفكير بضرورة التخلص من البطاقة التموينية باعتبارها عبئاً على الميزانية، وإهمال العواقب الاجتماعية الخطيرة التي يمكن أن تنجم عن تخفيض البطاقة التي يعتمد عليها ملايين الكادحين.

* * *

ما الذي يهم "قابضين" وهم في قصور "خضراء"، ولديهم بطاقات "خضراء"، بل ومن كل التلاوين التي تحصنهم من الإحساس بمعاناة الملايين ؟ متى يكف "ستراتيجيو الاقتصاد" عن الاستهانة بجيوش المضطهَدين الذين يجهلون أسباب اضطهادهم ؟ ومتى يكف "سياسيون" عن الإدعاءات والمزايدات ورطانة الخطابات المضلِّلة وطمس الحقائق والضحك على الذقون ؟ متى تقرع أجراس المحرومين ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريق الشعب – ص9
الثلاثاء 18 / 12 / 2007









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| قوات الاحتلال تقصف تجمعا لمواطنين في شارع الجلاء بمدين


.. شاهد| تصاعد أعمدة دخان بعد قصف إسرائيلي على جباليا وسط قطاع




.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يطالبون بوقف الاستثمارات مع


.. الجيش الأميركي يعزز دفاعاته ضد الطائرات المسيرة




.. بايدن و ترمب يتفقان على إجراء مناظرتين رئاسيتين واحدة في 27