الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجندة غزة وشطب الذاكرة -2 -

غريب عسقلاني

2007 / 12 / 23
القضية الفلسطينية


حكايات عن براعم الأيام في الانتفاضة الأولى -2 -

*الغفوة
سقط الشهيد..
ومضى به الشباب قبل أن يصادر الجيش الجثة, رشت الصبايا عطرا غزيرا, وتحلق الأطفال يمتشقون الحجارة, وسارت الجنازة في أزقة المخيم المحاصر.
لا إله إلا الله.. والشهيد حبيب الله,.
منافذ المخيم المؤدية إلى المقبرة محاصرة, قرر الشباب الوصول إلى المقبرة, فكرامة الميت دفنه.. تميز الضابط حقداً, وانصرع الجنود وكان الالتحام وتشبث خالد بنعش رفيقه.. ترنح ووقع على الأرض كتلة هامدة بجوار جثة الشهيد التي اندلقت من النعش على الأرض..
قالت صبية شرقت بدموعها:
- تناوبوا عليه بالهراوات على مؤخرة رأسه.
تمدد سبعين يوما, يحدق في الناس, يعرفهم أو لا يعرفهم, لا أحد يجزم, حتى الطبيب وقف حائراً, وأصبح خالد حكاية في المخيم وحكاية في المستشفى, حتى أفاق.
قالت أمه التي لم تفارقه منذ وقع:
- صرخ فجأة, لا إلة إلا الله والشهيد حبيب الله.. وبكى طويلاً لأنه لم يودع رفيقه وحبيبه.
وعندما استوعب المكان حدق في المرضى من حوله, وعاتب أمه:
- لماذا تركتموني في الغفوة, زارتني في الغفوة كوابيس شريرة.
حدثت أمه النساء في المخيم قالت:
- تركته وانطلقتُ إلى الطبيب أزغرد
تمتمت عجوز تبحث عن ولد مفقود " سبحان الله "
***
*البكر
سقطت قنبلة الغاز في حوش الدار, وحوش الدار بمساحة حصيرة لا يزيد, انضغط الهواء, تلوى غابة ثعابين, زحفت إلى حجرة حسنيه وتسرب خلال مساحات جسدها الطري, ترنحت العروس, قذفت ما في جوفها, دارت وانخبطت بالأرض, وسال من بين فخذيها سائل أصفر, ورفرفت مثل عصفور ذيح, شهقت حماتها, ضربت على صدرها, ولولت:
- أنه الإجهاض.
رجعوا بحسنية من المستشفى, ورجع عادل من العمل, تمددا يحدقان في فضاء الحجرة, مر براحته على جلد بطنها, هبط تكوّر عزيز عليه,’ ابتسم في العتمة, ومسح دمعة برقت على خدها, هدهدها مثل طفل, وراحت أصابعه تتفقد تضاريسها, كانت ترتجف, همس:
- نحن في البداية والبطن بستان.
- قطفوا زهرتنا البكر يا عادل.
- يرحمه الله.
أجهشت ودفنت رأسها في الوسادة, فيما حدق هو في وجه العتمة يطارد قمراً نوارى خلف النجوم..
***
*العين

سرحت شعره الذهبي, غارت عليه من خيوط الشمس, غسلت يديه وقدميه بماء الورد, توردت وجنتاه, قبلته فغرغر ضاحكاً, قضمت أصابعه بوله, وعرفت فيه العشق وخافت من الحسد وتذكرت قول أمها " لا يحسد الصبي إلا أهله " بصقت تطرد الشيطان, ولهجت بسورة الفلق وخشعت لله, ومضت إلى العيادة تطعمه ضد شلل الأطفال.
وفي الطريق مرت سيارة الجنود, فانطلقت الحجارة, وانطلق الرصاص, وانتقلت هي تعدو..
حومت رصاصة في الهواء, دارت دورتها, وضاعت عين الصغير, انخلع قلب الأم وبكت الشمس وتلونت ضفائرها بلون الدم, وتبخرت رائحة ماء الورد, ورقص الشيطان مزهواً في حافلة الجنود.. وفي مستشفى هداسا, سأل الطبيب اليهودي غاضباً.
- كيف..
- الجنود.
قذف معذباً:
- اللعنة.
في غرفة العمليات انتهى الطبيب من حشو كهف العين بالقطن, وهمس لمساعده:
- السياسة تنظر للأشياء بعيون زجاجية..
***
*استقالة
نجح في الثانوية العامة فزغردت أمه, ووزعت باكو سلفانا "شوكلاتة" على الحبايب والجيران.. وعندما دخل مدرسة الشرطة, احتارت أمه, تفرح أو تحزن, فهي لا تحب الحكومة "طريق الحكومة شوك"
أصبح الولد شرطي مرور, واحتارت في أمر الدفتر السميك الذي يخرج به كل يوم, ورجع به وقد ضمرت أوراقه.. سألته:
- هل عدت للقراءة من جديد يا ولد؟
- هذا دفتر مخالفات يا عجوز, ابنكِ يوقف أكبر شنب في البلد عند حده, ويلطعه مخالفة على كيفك.
والكيف, أن تخاف عليه, فالولد نمرود ونظره أطول من قامته والحكومة غدارة.. سكنتها النخوة وكانت واثقة " ما يلم اللحم إلا أصحابه والبنت أستوت" وعجلت في زواجه من ابنة عمه, وقالت تقنع نفسها "يخلف ولد, ويعرف معنى الرحمة فيرحم أولاد العباد"
وعندما تبدلت الأحوال, وسرحت في الشوارع أقدام لم تنبت شواربها بعد, ظهرت حواجز ومتاريس فرضت على الشارع حالات جديدة أصبح معها دفتر المخالفات عبئاً ثقيلاً, وبات ظهور الدفتر مخالفة, وسرايا الأطفال في كل مكان..
وضع الحذاء والدفتر والبدلة أمام الضابط ولم يؤد التحية, وخرج يملأ صدره هواء جديد, ودار في الأزقة يكتشف الأطفال..
وعندما رجع إلى البيت سألته:
- وبعد؟
احتضن طفله وقال:
- أبحث عن عمل يا حاجة.
شلحت زوجته الحلق, وملصت معصمها من زوج الأساور, فتقمصته جهامة الشرطي وكان عاشقاً.. قال:
- لم يصل الأمر لهذا الحد.
أطلقت أمه زغرودة طويلة, ولم توزع السلفانا هذه المرة, فالصغير يحتاج وجبة حليب.
***
* ليلى وخالد
خالد وليلى توأمان
خالد أسمر نحيف, يتوسط وجهه عينان سوداوان لامعتان تكسبانه جهامة طيبة, وليلى بيضاء رهيفة, شعرها الذهبي يلمع كلما حطت الصبح عليه تنعكس على رفة عينين تناجيان بحار برئ.
في عيد ميلادهما الرابع, أهداه أبوه حصانا جميلاً, له قوائم عالية وصدر ضامر نحيل, يزوم ويصهل كلما جذبه خالد, واهدتها أمها عروساً تفتح عينيها وتغمضهما, تضحك وتناغي كلما وسدتها ليلى على صدرها..
وفي يوم, كان الصبح ندياً وكانا يلعبان, خالد يقود حصانه, فيما ليلى تزف عروستها على ظهر الحصان, تمضي الزفة حتى تصل الأرجوحة في حديقة الدار, يربط خالد حصانه في جذع شجرة اللوز, ويجمع له الأعشاب عليقاً, وتساعد ليلى عروستها بالهبوط عن ظهر الحصان..تناغيها, تغرغر وتضحك حتى تنام على صدرها.. تفتعل ليلى أمومة مبكرة, تهدهد العروسة تقرصها, تبعدها عن صدرها وتنهي رضاعة مزعومة, أما خالد فمشغول بحصانه, يسرجه بقطعة قماش, ويلجمه بقصبة عشب جافة, وينهر ليلى أن تُسكت الصغيرة الرعناء.
الأم والأب في عرس متجدد, يراقبان الأمر بوله وانبهار, يتبادلان نظرات أبلغ من الكلام..
فجأة, يُسمع صوت ارتطام حجر وزجاج يتهشم.. تشحط الإطارات على الإسفلت, وينط في الدار صبي شاب يقفز عن سور الحديقة إلى الجيران, يفرقع الرصاص, ينخلع الباب تحت وطأة الأحذية الثقيلة.. ينتشرون في المكان, يدفعون الأب في صدره, يقع أرضاً:
- أين هو؟
- من هو!
- الصبي.
- لا يوجد غير الطفلين.
- كذاب..
حوطت المرآة طفليها, صرخوا بخالد:
- أين الصبي؟
- ركب حصانا ومضى.
دفعه أحدهم, تدحرج بين أرجلهم, تكوم عند حصانه, صرخوا بليلى:
- أين الصبي؟
سكنت الشمس على ضفيرتها, وهاج البحر في عينيها, وارتمت على خالد تحبس دمعة خوف:
- أين الصبي؟
- عند العروسة التي ترضع الأطفال.
داس الجندي على ظهر الحصان, فانغرست قوائمه في أرض الحديقة, داس الجندي أكثر, فغطس الحصان في الطين.. لم ينكسر ظهره, وظلت قصبة اللجام في فمه..
نكس الجندي رأسه وشاط الأرجوحة بقدمه الثقيلة.. وعندما غادروا الدار, كانت الأرجوحة تعلو وتهبط, والعروسة تناغي وتضحك, تفتح عينيها ولكن لا تغمض..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن