الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حــروفُ الشــوْك بين مســرح الشــوْك وحكومــات الشــوْك!

مصباح الغفري

2003 / 11 / 24
الادب والفن


حدثنا أبو يســار الدمشــقي قال :
رأيتُ أبا زيــد الســروجي بعد الفراق ، قلت أين أنت أيها الأفاق ، وكيف حالُ الأهل والرفاق ؟ ألا زلت زبوناً للمحاكم كعهدي ، أم أنكَ تبْتَ بعدي ؟ فنظر أبو زيد نظرة ، وتأوّهَ بحســرة . قال : لا تكثر القيلَ والقال ، واحمــد ربك ذا الجلال . ولا تظنّنّ بي الظنون ، فأنا عاقل لا مجنون . وهلمّ بنا يا أبا يسار ، إلى حانة أو إلى بار ، لأروي لكَ آخر الأخبار .

مَـصّ أبو زيد من كأســه مَصّــة ، وقال بحـرقةٍ وغصّــة ، قصتي أعظمُ قصّــة ! كنت في خَطْــبٍ وبيل ، بسبب سَـــند توكيل . فمنذ تســعة أشهر بالتمام ، أرسَــلَ لي أبو حســـام ، سَــندَ توكيلٍ عام . فهو يملكُ أرضــاً في النبك ، ويريدُ بيعها بسبب الإفلاس والضنك ، وملاحقة الدائنين والبنك . وعندما أبرزت الوكالة ، إكتشفت ما أنا فيه من جهالة . فالوكالة لا تقبلُ في الخصــومة والمنازعات ، أو في بيع العقارات ، إلا بعد تصديقها من المخابرات !

إشــتريت الأكفان والحنوط ، وذهبت إلى الفرع وأنا أشعر بالقنوط . فالداخل إلى أجهزة الأمن مفقود ، والخارج منها مولـــود . ذهبت كالساعي إلى حتفه ، بيده وظلفه . وبعد الإنتظار ، جاءني ماردٌ جبار ، قال أجب بتفصيلٍ واختصار . ما علاقتك بأبي حســام ، وهو عـلاّكٌ ونمّــام ، ومعادٍ للنظام ؟ ولماذا اختارَكَ أنت بالذات ، لبيع العقارات ؟ ثم إنه أعطاني كميّــةً من الورق ، وأنا أتصَبّــبُ من العرق ، وأتلو في سِــري سورة الفلق . قال أكتب لنا ســيرَة حياتك منذ الفطام ، وما تعرفه عن أبي حســام ، هذا المارق ابن الحرام .

لم يكن أمامي من خيار ، فأنا في الحبس والحصار ، فرحت أكثر من الإستغفار . كتبت كل ما تذكرت عن هذا الصديق ، وأنا كالغريق . وبعد أن ملأت عدة صفحات ، تعاورتني الأيدي بالصفعات . وضعوني في الزنزانة ، قالوا أكتب من جديد بصدق وأمانة . ورحــتُ أكتب حتى الصباح ، معللاً النفس بالارتياح . وبقيت عندهم بضعة شــهور ، أحسُـــدُ ســكان القبور . وبعد الوساطات والشَفاعات ، ودفع ما تيَسّــرَ من الليرات . صــادروا الوكالة ، وقالوا لي : إياك والرذالة !

قلت لأبي زيــد ، أيها القريــد ، وقعت والله في الصيد . لكنني لا أرى في الأمر غرابة ، وليس فيه ما يدعو إلى الكآبــة . ألا تعلم أن الوكالة من حروف الشــوك ؟ الشين هي الشراكة ، والواو هي الوكالة ، والكاف هي الكفالة . فلماذا دخلت مســرَحَ الشــوك ، وأنت في بلد الشوك ؟ وما ذنب الحكومة ، إذا أرادت حمايتك من الشوك يا ابن اللئيمة ؟

السلطات الرشيدة في البلاد ، حريصــة على راحــة العباد . وعندما اشترطت موافقة الأمن على هذه الوثائق ، فهذا لمصلحتك أيها الآبق . لكنني أعرف أنك ناكرٌ للجميل ، وتهوى نصبَ الأحابيل . أنت تنتقد من يسهر على راحــة الناس ، لينقذهم من وجع الراس ، ومن المشاكل والإفلاس .

صــاح بي أبو زيد كالملسوع ، وطفرت من مقلتيه الدمــوع . قال : ما هذا الكلام ، ومتى دَجّــنَــكَ الحكام والظــلاّم وأبناء الحــرام ؟ الله أكبر ، هل أنت جادّ أم أنّــكَ تســخر ؟

قلت : ما هذه التهمة والفريّــة ، هل عهدتني أتكلمُ  بغير الســخرية . حَــدَث معي ما حدث معك بالضبط ، فأنا من القهــر أكاد أنُـــطّ . قبل أن أغادرَ وطن المخافر بشــهور ، وكلت زوجتي ببعض الأمور . وعندما حاولت زوجتي إســتعمالَ التوكيل في مســألة ، تعرضَــت لهذه البهــدَلة . صادروا ســـند التوكيل في فرع المخابرات ، وكأنه الحشيش أو المخدرات .

قال والآن ما العمــل ، وما السبيلُ إلى الخلاص من هذا الخطب الجـلل ؟ قلت : خطــوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء ، وكُفَّ عن أكل الهــواء ، وإلا قالوا أننا عمــلاء ، أو اتهمونا بالغبــاء . هل تنتظر من الغراب المشؤوم ، أن يكون مُطرباً كأم كلثوم ؟

ثم إن أبا زيد تنهّـــد ، وما لبث أن أنشــد :

زمـــانٌ تعيـــشُ البــومُ فيـــه رَغيــدةً      ويشــقى هــزارُ الأيك في الكدح والجَــد
فيالـــــك دُنيــا تُنكٍــحُ العـبْـــدَ حُــــرَّةً       وتَتّخــذ الأحـرارَ مِمْـســـحة القــــــــــرد

                                                            








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد عز يقترب من انتهاء تصوير فيلم -فرقة الموت- ويدخل غرف ال


.. كلمة أخيرة - الروايات التاريخية هل لازم تعرض التاريخ بدقة؟..




.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حوار مع الكاتب السعودي أسامة المسلم و


.. تفاعلكم | الناقد طارق الشناوي يرد على القضية المرفوعة ضده من




.. ياسمين سمير: كواليس دواعى السفر كلها لطيفة.. وأمير عيد فنان