الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أجندة غزة وشطب الذاكرة-3 -

غريب عسقلاني

2007 / 12 / 26
القضية الفلسطينية


حكايات عن براعم الأيام في الانتفاضة الأولى - 3 -
1- حمام
أطلق لحيته حدادا على صديقه الذي قضى, فازداد بهاءً ووسامة, قبلته أمه وقلدته سلسلة فضية يتأرجح في ذيلها صليب يتعذب,.. سكنته الطمأنينة لحض العذراء.. ومضى, شعره الذهبي يتلون مع ضياء الصباح, ولم يدع الشمس تسبقه إلى الشوارع.
الرشيق الخطوة, شهدوا له بالخفة, وجمال الكتابة على الجدران في ضوء العتمة, عاشق يطرز الجدران قبل أن يتنفس الفجر..
وعندما فرض منع التجول على الحي فجأة, قيدوه مع شبان أغلبهم ملتح, تساءل.. أهو الاعتقال؟ وقبل أن يقلب السؤال دفعوه.. سأله الضابط:
- اسمك؟
- عيسى أنطون اللداوي.
- ما علاقتك بحماس؟
تأرجح اليسوع المعلق على صدره فاطمأن:
- أنا مسيحي.
لكمه الضابط بغل:
- لكَ أصدقاء منهم اعترف.
- كلنا إخوة
- أنتً كذاب.
اشتاق لحضن العذراء وسأل المسيح الراصد لدقات قلبه" هل تعود يا معلمي أمنا العذراء ترقد على كومة حجارة, وتهش للأطفال"
- لماذا اعتقلت؟
"لو عدت يا معلمي تعي معنى المقاومة, هل هي خطايانا؟ وهل تعود المجلية تجمع الحجارة لتقذفها على أهل الخطايا".. ابتسم الشاب لو يطاوعني اليسوع ونشكل حركة مقاومة مسيحية نسميها اختصاراً حمام, وانتبه إلى برودة الصليب الراقد على قلبه وهمس معذباً:
" أنهم يقتلون الحمائم كل يوم"
صلب عنيد وقف, خالف معلمه هذه المر ة"لم أدر الخد الأيسر" واشتاق لمساحات الأزقة ر والجدران يطرزها على ضوء العتمة, وتذكر صديقه الذي قضى واقنع بأن الساحات الواسعة تستوعب جميع اللاعبين, وتجلت له غزة بشوارعها وأزقتها وحواريها وأطفالها.. وقبل أن تسقط دمعة العذراء ارتجت المرئيات أمامه.. كانوا يتناوبون عليه قتلا.

2- ثلاث دقات
ثلاث دقات على الباب, ميزها رغم جلبة الصغار حول لعبة المصارعة في التلفزيون.. وفي عتمة ساحة الدار, سأل:
- من بالباب؟
صوت واثق رغم حداثة العمر:
- افتح يا عم.
فتح الباب, زوجته وراءه كتلة وجوم, والصغار تركوا المصارعة وتشبثوا برجليه, يحدقون في الملثمين.. قال:
- تفضلوا.
- الوقت لا يسمح..
- الوقوف بالعتبات غير مأمون
- لكل أمر حساب
أخرج أبو نزار البطاقة الممغنطة قدمها لهم:
- هي أمانة حتى تقررون؟
- الأمانة في رقابنا..
وقبل أن ينطلقوا, أوقفهم أبو نزار,ومشى إلى طرف الزقاق, مسح الحارة.. جاس في أركان العتمة, أشار لهم:
- أمان..
مضوا ورجع يتوسط الأولاد حول برنامج المصارعة, ويتحاشى النظر إلى العيون البريئة.. هلل الصغار لهزيمة المصارع الذي خرج عن قوانين اللعبة, وحدث نفسه وبصوت مسموع "هذه نهاية الخروج عن قواعد الجماعة", وفي الفراش غطى رأسه, أعطى ظهره لزوجته, وراح يحاور العتمة في عب البطانية.. همست زوجته:
- أخذوها؟
استلقى على ظهره, أشعل سيجارة ونفخ نفساً كثيفاً في فضاء الحجرة.. قالت مواسية:
- أخذوا الهم.
نهض إلى حجرة الأولاد, كانوا يغطون في نوم عميق ,سوى الأغطية على الأجساد البريئة, ورجع إلى فراشه.. كانت زوجته تحدق في الليل, تمدد بطولها وجها لوحه وابتسم باتساع ملامحه.. تشبثت به.
- والعمل يا أبا نزار؟
- اقتربي.
احتواها , تلوت في حضنه, كان راغباً وواثقاً أنه لن يسرح للعمل مع نجمة الصبح كالعادة.

3- مقارنة
دس الخرقة المبللة بالكيروسين في تجويف الإطار, أشعل عود الكبريت, لكن ريح تشرين قتلت اللهب الضعيف, امتعض.. أشعل عوداً آخر في وجه الريح فانطفأ.. زاد حقده وخاف على ناره الضعيفة, مسح رشيح أنفه بكم قميصه, وتذكر كيف يشعل أبوه سيجارة في وجه الريح.. ظلل العود المشتعل براحة يده الأخرى فأحاط به الجنود.
رفعه الجندي من ياقة قميصه فلعبط في الهواء, وجحظ فزِعاً, تركه الجندي يسقط فارتطم بالإطار, دفعته مرونة الكاوتشوك فالتوت قدمه ونط يعرج على ساق واحدة..
ضربه الضابط بالعصا على عقل أصابعه الطرية, صرخ وتفر الدم من تحت الأظافر, وانهمرت دموع موجعة لم يمسحها بكم قميصه, فاختلطت برذاذ المطر الذي أخذ يسح خفيفاَ يكور حبيبات الرمل كنثار البذار..
- من أعطاكَ الكبريت؟
صمت, وبدا شاباَ في السادسة من العمر, ولعبت العصا على عقل الأصابع من جديد:
- من أعطاك الكبريت؟
تألم حسام, لم يصرخ, كان رجلا يبكي, لحس دموعه, وفكر, قال:
- أخي حازم.
جره الضابط وقدر أنه أمسكَ بطرف الخيط..
***
في حوش الدار, كانت الأم الصبية ترضع صغيراً حديث الولادة, ويدور من حولهما طفل في الرابعة يعالج بندقية خشبية, يصوبها نحو هدف يعرفه.
أُخذت الشابة, سترت صدرها عن الغرباء, لكن بندقية دفعتها,صُوبت إلى رضيعها, فتسمرت على الحائط:
-أين حازم؟
- حازم من؟
- الذي أعطى حسام الكبريت.
تكومت تخبئ الطفل وبندقيته الخشبية, وصرخ الرضيع يبحث عن ثدي أمه, تنمرت في وجه الجنود:
- لا تفزعوا الأطفال.
اختزل حازم جسده في عب أمه, يحتضن بندقيته ويضغط على زنادها, لم تطلق النار كالعادة, فاغتاظ من بنادقهم المغروسة في صدر أمه, وقبض على بندقيته بيد, وامسك باليد الأخرى قدم أخيه الرضيع, وأخذ يختلس النظر من تحت إبط أمه, فرأى حساماً يمسح أنفه بكم قميصه, ولا يبكي
4- حاتم وداني
كلما زار صديقه اليكس في نتانيا يأخذ معه كيس البندورة ذخيرة, وقبل أن يدخل يتعلق الصغير داني برقبته:
- هيا نلعب.
وفي كل مرة يسأله حاتم:
- ماذا نلعب,
- عرب ويهود
ويبادر داني بقذف حاتم بالحصى, يهب ويزقزق في الحديقة, يختفي بين شجيرات الورد, يستنجد حاتم بحبيبات البندورة الطرية, ويطول الكر والفر وتنفذ الذخيرة, فينهي اليكس اللعبة, ويسند حاتم المثخن بالجراح.. يتنصر داني ويمضي إلى أمه يسيل منه عصير البندورة, يغطس في حمام دافئ.. ينتعش ويرقد في حضن خصمه حاتم حتى يغفو..يتمتم اليكس:
- متى ينسى الصغار اللعبة
***
وعندما امتدت اللعبة في مساحات غزة, انتشر الأطفال في الحواري والشوارع يطاردون الجنود, وبكى حاتم من المسيل للدموع, وذهل بين أحمر ثمار البندورة والأحمر الي ينبثق فور إطلاق المطاط, وطلقات البلاستك والرصاص الحي, وفي نتانيا ضرب داني جهاز التلفزيون وصرخ حانقاً:
- لماذا لا يلعب الجنود مع الأطفال هناك مثلي أنا وحاتم؟!
يصحو داني في الليل مذعوراً.. وعندما يهدأ في حضن أبيه يسأل:
- لماذا يدوس الجنود الأطفال يا أبي؟
تجوس أصابع الرجل في شعر ابنه, يسأل داني يتوسل:
- لماذا تأخر حاتم يا أبي؟
يرد اليكس:
- بسبب المشاكل في غزه.
ما بين الإضراب ومنع التجول, افتقد حاتم صديقه, وعند الباب قفز داني إلى صدره, وسكن مثل قط أليف, تحرش به حاتم:
- هيا نلعب يا داني.
تجهم الصغير وأشار قاطعاً:
- لا أريد.
وهجم على حاتم يقبله, يتفحص تضاريس وجهه, ثم توجه لأبيه محتداً:
- عندما أكبر وأصبح شابا هل سيرغمونني على اللعبة؟
حط الوجوم بين الرجلين, تبادلا النظرات واكتسى حاتم بحزن ظاهر.
عاد داني إلى طفولته يداعب صديقه:
- لماذا لم تحضر قذائف البندورة؟
- لأنها لم تدخل المخيم منذ الطوق الأول.
بحلق الصغير مستوضحاً, فـسكت حاتم عن الكلام..

5- الحفيد والجد الأليف
دقة جرس خفيفة, يفتح الباب, يحمل كيس القمامة ويمضي..يوم الخميس من كل أسبوع يأتي بعد الظهر لتنظيف الشقة, ويروي الأزهار في الأصص..ومع الأيام تولدت بينهما الألفة رغم قلة الحديث..
اطمأنت له سارة, تتركه في الشقة وتعود, تجدها نظيفة مرتبة دون زيادة أو نقصان ..ما لفت نظرها وحيرّها, أن الرجل ينظف ويمسح جميع الأصص وبراويز الصور والتحف ما عدا الورود الاصطناعية, وصورة زوجها الضابط والتي تتوسط صدر الصالون..
وعندما يعود زوجها تحدثه عنه.. يمط بوزه فتلقمه شفتيها. يصبر على مضض محذرا:
- هو عربي, وأنتِ وحيدة!
- انه عجوز هادئ.
- ولكنه عربي
- انه لطيف وينتظر حفيداً..
يلح الجنين في بطنها, ترقد في حضنه, تعبث بشعيرات صدره العريض, تناغيه, يتململ الوجد رغبة..تحاوره وترضيه.
***
ارتفع بطنها, وبدا الإعياء على بدنها الشاب, راقبها الرجل وفاض به الحنان وأخذ يمر عليها كل يوم بعد الانتهاء من عمله.. تطورت الألفة, صارت إحساسا بالأبوة افتقدته منذ زمن طويل..
وفي الأشهر الأخيرة صارت عصبية المزاج, تفتقد زوجها الذي انتقل للعمل في المناطق المدارة ويغيب طويلا.. تشكو همومها للعجز, يبتسم لها بود فتشتاق أكثر للأمومة القادمة, ويتورد وجهها, فيناديها العجوز:
- يا أم دوف.
يسالها أن كانت تحتاج لشيء.. تسرح في المدى, تحدث نفسها " متى يأتي دوف.. هيا يا دوف.."
وفي اليوم التالي يحضر الرجل ويُحضر معه من غزة الليمون والخضار والسمك, ولا ينسى البرتقال التي تفضله سارة عصيراً طازجا.. وفي يوم قدم لها طبق كنافة عربية, استحلبته بتلذذ وتطلعت, له بانبهار, قال جذلاً:
- وضعت زوجة أبني ولدها البكر, وأصبحتُ جداً.
قبلته وقدمت هدية من أشياء وليدها المنتظر, فرح بها الرجل وقال بأبوة غامرة:
- متى يا أم دوف
ترقرقت دمعة انفلتت على خدها, تمتمت:
- دوف لا يعرف جدة.
***
توترت الأحوال في غزة, وجاء في نشرة الأخبار " فرض منع التجول على مخيم جباليا حتى إشعار آخر" وبعد الإشعار الآخر لم يعد الرجل, وحل محله شاب يجمع القمامة كل صباح ويمضي.. وفي يوم أفاقت على إحساس باليتم, فسألت الشاب عن الجد الأليف.. اكتست ملامح الشاب بالأسى, ألحت بالسؤال.. حبس الشاب دمعة, وتكلم.. بُهتت ثم تخشبت ثم انتفضت وصرخت واحتضنت وسادتها.. تأوهت.. رفرفت ووقعت مغشياً عليها.. قال الطبيب:
- هستيريا شديدة أدت إلى الإجهاض.
وفي المستشفى حضنها زوجها الضابط, ظلت جامدة.. نثرت دموعها, وضربته في صدره, خربشته, وصرخت ملتاعة:
- أنتً قتلته.
- قتلتُ من؟
- قتلت ابني دوف.. هل تذكره.
- أنتِ أجهضتِ.. لا تجزعي..
- أنتَ قلته على صدر أمه في المخيم.
- من هي أمه!!
- قتلته وهو يرضع..
طوقها بذراعيه, خاف عليها من نوبة هستيريا جديدة, واستنجد بالطبيب:
- إنها تهذي.. تتصورني قاتلاَ.
وفي المخيم, حدث الشاب عن يهودية أصابها الصرع, فضغطت على بطنها حتى سقطت مغشياَ عليها ,بعد أن عرفت أن حفيد الجد الأليف قُتل وهو يرضع على صدر أمه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي