الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسكو وطهران... ديناميات الجيوبولتيك والمصالح المشتركة

رشيد قويدر

2007 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


شهدت العلاقات الروسية ـ الإيرانية تطوراً هاماً بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيران، استبقها بتقديم تصور مناقض للتصور الأميركي، حول الموضوع النووي الإيراني السلمي. وبما تمثل إيران من محطة هامة في النقلات الروسية الدؤوبة، من تقارب جغرافي مع روسيا، وموقعها في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، تفتح على مستجدات نوعية في السياسة والنقلات، آخذة بالتشكل في ميزان القوى الدولي في هذه الرقعة من العالم، في مواجهة الأحلام الإمبراطورية الأميركية. مكان الضغط على العصب الأميركي وشرايين الطاقة في المكان والزمان المناسبين، بعد أفول الحلم الأميركي بالهيمنة على الطاقة في البحر المغلق قزوين، وقد توج في مؤتمر الدول المتشاطئة الاتفاق على الكثير من النقاط؛ أبرزها عدم استخدام أراضي دول قمة قزوين في العدوان على أحدها، وتأتي هذه الخطوة الناجحة بعد محاولتين، عاميّ 2000 و2002 دون الخروج بنتائج.
لا يتوقف الأمر عند هذه الحدود، فكلاً من موسكو وطهران ورائهما القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، ما يسمى بـ«قوس الأزمات»؛ والأدق فوضى مخاضات الهجمة الأميركية، فيما تصطلح على تسميته بـ«الشرق الأوسط الكبير»، في مسارها التفتيتي الدامي للتحولات، وقد أخذت تطال تركيا ـ المحصنة بعد مئة عام من بناء مؤسسات دولتها ـ الجدار المنيع ضد الاتحاد السوفييتي السابق في الإستراتيجية الأميركية إبان الثنائية القطبية والحرب الباردة. فحلقة التفكيك التي يمكن إيقافها قد بدأت بالعراق، في سياق الإستراتيجية الأميركية وعالم القطب الأحادي، ونظراً للتضارب بين ـ المدعى ـ الغايات النهائية للسياسات والاستراتيجيات، فإن دولة المركز الطرفي للأحادية، هي الدولة الصهيونية، في تناغم احتلال العراق وتدميره، رجح الصدى للمطلب الصهيوني ولمتطرفي اليمين الأميركي.
تقوم الآن حول إيران حلقة هذيان لا عقلاني أميركي، لعل نموذجها «الاستشراقي» الأبرز الأستاذ الجامعي برنارد لويس، هذيان في الاعتقاد والتفكير سنده الكبير كلمة حرب وحروب، كتفوق «أخلاقي» بين الشرق والغرب، ذاته وأمثاله سبق وشكل بتنظيراته ضمانة «استشراقية» لاحتلال العراق، تنظيرات تتغلف بجوهرها في الهوس النفطي والتلاعب بجغرافيا المنطقة، في ظل وجود رئيس أميركي طوباوي يقسم العالم مانوياً. في المهلة المتبقية لولايته؛ هل سينزع نحو الهروب إلى الأمام؟ وهل ستتحمل المنطقة حرباً جديدة!
يدرك الروس حقيقة الورطة الأميركية؛ وهم خير من يدرك مدلول ونتائج الغوص في المستنقع، ومعنى رسالة التاريخ، وواشنطن تغوص اليوم في مستنقعين هما العراقي والأفغاني، مع صعوبة الخروج منهما. فضلاً عن ممانعات واسعة في المنطقة لمشاريعها، وباعتبار موسكو جهة التمويل التكنولوجي للمشروع النووي الإيراني السلمي، وهي إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، تستطيع إعطاء شرعية على سلمية البرنامج. ويمكن تلمس تأكيدات الرئيس الروسي بوتين؛ أثناء الرئيس الفرنسي ساركوزي للكرملين؛ حول خطأ التقييم الأميركي ـ الغربي للبرنامج النووي الإيراني، ورفض روسيا لأي احتمال متوقع بشن حرب أو غارات محدودة، قد تقوم بها واشنطن للتخريب على الطموحات الإيرانية، بامتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، بتحريضٍ مباشر من حليفتها «إسرائيل». لقد شكلت الردود الروسية محطة هامة في السياسة المنتهجة وفي استقراء المستقبل، وبما ينسجم مع بيان مؤتمر الدول المتشاطئة لبحر قزوين، وفي سياق جملة سياسات روسية متسقة، تهدف إلى صد الهجمة الإستراتيجية الأميركية، وتفتح بالنتيجة نحو نظام إقليمي مستقر جديد.
إيران جارة لروسيا على بحر قزوين، المجال الجيوبولتيكي الحيوي والثابت لمصالح البلدين، فضلاً عما يحتله التعاون في حقول الغاز والنفط، من حيز هام في العلاقات الثنائية. ودور شركة «غاز بروم» الروسية في تطوير المرحلة الثانية والثالثة لحقل باريس جنوب إيران. على الصعيد السياسي يعبر الموقف الروسي عن استقلالية قراره أمام المجتمع الدولي، والأهم أن الخطوة تعني مباشرة عودة لدورها التاريخي في الشرق الأوسط، بوصفها دولة عظمى. وثمة تجاذبات كثيرة مشتركة على هذا الصعيد، تحتل مواقع متقدمة في أولويات واهتمامات كلا الجانبين، وإن برز في مقدمة الأجندة الإيرانية طموحاتها النووية السلمية. وتدرك موسكو أهمية دور إيران وأوراقها في آسيا الوسطى وجنوبي القفقاس، باعتبارها حزام أمني هام في آسيا الوسطى وجغرافيا منطقة قزوين، وعلى النحو المغاير الذي يفهم به الموقف الأميركي من تجذر الصراع مع إيران، فالملف النووي ليس أكثر من توظيف لخدمة قضايا أخرى، عبرت عنها «إستراتيجية الأمن القومي» الأميركية، والمعلنة في 20 أيلول (سبتمبر) 2002.
في سياق بنود هذه الإستراتيجية الأميركية ومبادئها في التطبيق، يقع الأول؛ بأن واشنطن لن تسمح بقيام قوة دولية أو إقليمية منافسة. وفي منحى تطبيق المبادئ إلى قرارات وتوجهات سياسية، يمكن متابعة الموقف الأميركي من إيران، عبر مصطلحات ونظريات الفكر السياسي لمراكز الدراسات الأميركية، وبالذات تلك الخاضعة للمحافظين الجدد واليمين المتطرف. يبرز هنا «معهد أميركان انتربرايز»، الذي سبق وأعلن الرئيس بوش من على منبره؛ الخطوط الأولى لما سمي بـ«مشروع الشرق الأوسط الكبير» عام 2004، كما سبق له أن أطلق العديد من قراراته السياسية حول الشرق الأوسط من على ذات المنبر، بما فيه إعلانه العزم على غزو العراق واحتلاله عام 2003.
أول ما يعني «الشرق الأوسط الكبير» هو إحلاله مكان عبارة «الوطن العربي» ومنعه من تشكيل كيانه ومؤسساته التنسيقية الجادة والموحدة، ويعني ثانياً إعادة تشكيل خرائط الشرق الأوسط الكبير في إطاره الإقليمي المحدد جغرافياً، وعليه تتالت مشاريع مراكز البحث، الموصوفة كقلاع للمحافظين الجدد، بتقديم دراساتها ونظرياتها عن «العدو المحتمل، والعدو المستقبلي الكامن، والفوضى الخلافة..»التي أخذت تترجم في السياسة الخارجية الأميركية، تهدف إلى إضعاف الدول المركزية في الإقليم ذات الثقل التاريخي في التوجهات. ويمكن تلمس تأثيراته على الوضع العربي الرسمي الموحد؛ في اضمحلال الفعالية الجماعية التي تعكس قوة معتبرة، تعبيراً عن إرادة الشعوب العربية في مواجهة التحديات المصيرية.
وبعيداً عن حدة الهجمة الراهنة غير المسبوقة، وبالعودة إلى التاريخ، إذا ما صرفت المصطلحات المستخدمة الآن، فالمشروع الأميركي قديم منذ ما قبل ستة عقود، أي منذ الرئيسين أيزنهاور وترومان؛ الثابت به هو توكيل النظام الصهيوني في المنطقة بالمصالح الامبريالية الأميركية. مر القديم في سياق وضع ذاتي عربي ـ دولي مختلف، في توجهه نحو تحويل العداء العربي لمواجهة «الخطر الشيوعي»، في مسعى يستهدف ثرواتهم المكتشفة حديثاً، ووجد نفسه في مشروع «حلف بغداد» الذي سقط أمام المفهوم القومي العربي في ذلك الزمن. في إنتاج الجديد يعاد استبدال «الخطر الشيوعي» وانتزاع الخطر الصهيوني واستبداله بـ«الخطر الإيراني» وإسقاط فكرة الوطن العربي، فالهدف في الإقليم هو محاصرة الممانعة والقرارات المستقلة، المنتجة لإرادة جماعية نابعة من إرادة المنطقة وشعوبها.
إن أهمية إعادة ترتيب العلاقات الروسية الإيرانية، تعني الانتقال مجدداً إلى نقلة نوعية هامة، في دائرة السياسة الروسية الجديد المنتهجة، على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة في العالم. وهي خطوة عملية في استشراف المستقبل الدولي، نحو التعدد القطبي الذي أخذ يبرز. فهي تاريخية حقاً كما وصفها الرئيس بوتين، بما تعنيه من رؤية روسية للمسألة النووية السلمية الإيرانية، والإصرار على رفض أي احتمال متوقع لشن غارات وضربات محدودة، أو حرب قد تقوم بها واشنطن ضد إيران. من موقع موسكو في الشرعية الدولية، ومن موقعها التكنولوجي أيضاً في المشروع النووي الإيراني السلمي، وهي المشرف الفعلي على التقنيات اللازمة لإنجاحه، الأمر الذي دفع بالرئيس بوتين إلى الإعلان عن مواصلة واستكمال مفاعل بوشهر الإيراني.
على ذات السياق يبرز الموقف الروسي من قضية الصراع العربي والفلسطيني ـ الصهيوني، لقد سبق وأن دعا الرئيس بوتين لدى زيارته رام الله، في نيسان (أبريل) 2005، إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط في موسكو، واصفاً حينها «الديمقراطية الأميركية بأنها ساذجة وعقيمة»، وقد جوبه برفض أميركي ـ «إسرائيلي» مشترك.
ولإدراك مدلول تأثير تطور العلاقات بين موسكو وطهران، يمكن تلمس ذلك في الحملة الصهيونية على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تطالب إقصاء مديرها العام محمد البرادعي من منصبه، طالما أنه يرفض الإقرار بوجود سلاح نووي لدى طهران، وأن يكون شاهداً زور. والمفارقة أن «إسرائيل الغموض النووي» المتخمة نووياً بهذه الترسانة العسكرية، لم توقع على اتفاقية الحد من الأسلحة النووية. لقد سبق للبرادعي أن زار تل أبيب منذ نحو عامين، فرفضت أن تفتح له وللوكالة أبواب مفاعلاتها، فصرح بأن «أمر الملف النووي الإسرائيلي، مرهون بالاستقرار السياسي في المنطقة». وهذا كله يشكل تحدياً للعرب، يتطلب إبقائه تحت بؤرة الضوء الدولي، باعتباره مصدر الخطر والعدوان في المنطقة.
لقد وضعت موسكو ومعها بكين؛ سقفاً لخيار الضغوط السياسية والاقتصادية على طهران، وحسمت مستقبل ثروات الطاقة في بحر قزوين، وبدأ حزام أمني جديد في آسيا الوسطى، وصولاً إلى الخليج، الجزء الهام والاستراتيجي في الطاقة العالمية، وفي قلب الإستراتيجية الأميركية ومفاصل الشرق الأوسط نحو بحر العرب، وبعدما أمعنت العنجهية والعربدة الأميركية واحتلال العراق في الإعلان عن نواياها، فضلاً عن سياستها العدوانية في العراق وفلسطين ولبنان.#
*كاتب فلسطيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بيسان إسماعيل ومحمود ماهر.. تفاصيل وأسرار قصة حبهما وبكاء مف


.. إسرائيل تتوغل في جباليا شمالا.. وتوسع هجماتها في رفح جنوبا |




.. واشنطن: هناك فجوة بين نوايا إسرائيل بشأن رفح والنتيجة | #راد


.. الكويت ومجلس الأمة.. هل أسيء -ممارسة الديمقراطية-؟ | #رادار




.. -تكوين- مؤسسة مصرية متهمة -بهدم ثوابت الإسلام-..ما القصة؟ |