الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل الذي رأى الدب

رحيم العراقي

2007 / 12 / 26
العولمة وتطورات العالم المعاصر


جان رولان، صحافي من مواليد إحدى ضواحي غرب باريس، أصدر العديد من الكتب في الرواية والسيرة والتحقيق الصحافي. نال جائزة «ألبير لوندر» عام 1988 عن كتابه «خط الجبهة»؛ وهذه أهم جائزة صحافية أوروبية. كما نال في عام 1996 جائزة «الميديسيز» عن عمله الذي يحمل عنوان «التنظيم». له العديد من الكتب الأخرى. «الرجل الذي رأى الدب» هو كتاب تحقيقات يؤرخ لربع القرن الأخير ما بين عام 1980 و2005، عبر مجموعة من الكتابات عن مشاهدات صاحبه لظواهر وأحداث أثارت اهتمامه وليرسم بذلك صورة للعالم كما يراه.
إن القارئ يجد على مدى صفحات هذا الكتاب التي يتجاوز عددها الألف صفحة حكايات وروايات عن مواضيع سياسية مثل الحروب والنزاعات الإثنية من إفريقيا إلى الشرق الأوسط، ولكن أيضا عن غرائب وعجائب مثل النمور آكلة البشر في دلتا نهر الغانج وعن أسفار على طريقة ماركو بولو على سفن قديمة ومهددة بالغرق في كل لحظة، هذا فضلا عن مواضيع اجتماعية متنوعة مثل تلك التحقيقات التي كتبها لصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية.
كان مؤلف هذا الكتاب قد تعوّد أن يحمل معه ما هو ضروري فقط من أمتعة السفر ومستلزمات مهنة الصحافي، وينطلق في أية لحظة إلى حيث تدعوه «المغامرة» أولا، مهما كانت درجة الخطر كبيرة. وكانت كل رحلة من رحلاته تطول بمقدار ما يقتضي وقت إنجازها بالأيام أو بالأسابيع أو الشهور.
ويصرح المؤلف منذ البداية أنه قد بدأ تحقيقاته في سنوات السبعينات المنصرمة، ولكنه كان لا يزال تحت تأثير أفكار «ثورة الطلبة» التي شهدتها فرنسا خلال شهر مايو من عام 1968 والتي أحدثت انقلابا حقيقيا في العلاقات والعادات الاجتماعية، ليس في فرنسا وحدها وإنما على صعيد أوروبا كلها بل وكان لها صداها على المستوى العالمي.
إنه يعرف نفسه بأنه كان في بداية كتابته للتحقيقات الصحافية لا يزال «مناضلا». وكانت تلك النظامية قد أثرت كثيرا على اختياره للمواضيع التي اهتم بها، وهكذا يجد القارئ كتابات عن الاضطرابات التي شهدتها إيرلندة الشمالية آنذاك على قاعدة النزاع العقائدي بين البروتستانت «المسيطرين» والكاثوليك «الأقلية» .
وحيث تساند الحكومات البريطانية المتعاقبة البروتستانت بينما تبنّى الكاثوليك، متمثلين بما سمي بـ «الجيش الجمهوري الإيرلندي» العنف المسلّح ولم يلقوا السلاح إلا منذ فترة قليلة من الزمن.
ويتحدّث المؤلف أيضا في أحد تحقيقاته عما عُرف بـ «ثورة القرنفل» في البرتغال، أو «الثورة المخملية» في البرتغال، والتي سميت بذلك الاسم نظرا أنها لم تؤد إلى سفك أي دماء عمليا، ربما سوى قتيل واحد، مع أنها غيّرت مسيرة البلاد كلها حيث أعلنت الحكومة البرتغالية التي أعقبتها.
والتي شارك فيها ممثلون عن معسكر اليسار كله من شيوعيين واشتراكيين وليبراليين، إنها معادية للاستعمار ولذلك اعترفت باستقلال غينيا بيساو، ودخلت في مفاوضات من أجل استقلال كل من أنغولا والموزمبيق. وهكذا أحدثت قطيعة حقيقية مع مسيرة استعمارية طويلة للبرتغال في إفريقيا تعود إلى الفترات الأولى من تجارة العبيد وحيث كانت البرتغال أول قوة أوروبية امتلكت أسطولا بحريا حقيقيا ثم تبعتها بريطانيا واسبانيا وبعد ذلك بفاصل زمني مهم فرنسا.
ولا يتردد مؤلف هذا الكتاب عن الإعلان بأنه كان «متحيزا» لعواطفه اليسارية خلال كتابة تحقيقاته الصحافية الأولى، لكنه بالمقابل «لم يخترع» شيئا وإنه كتب ما كان قد شاهده، ولكن «نظرته» كانت تذهب «أكثر» حيث تذهب «عواطفه». لكن ذلك لم يمنعه من أن يكتب آنذاك سلسلة من المقالات ـ التحقيقات عن جنوب إفريقيا التي كانت تشهد تطورات مهمة .إذ ان نظام «بيير بوتا» ينحو باتجاه «الانفتاح» على حزب المؤتمر الوطني أقوى التنظيمات السياسية التي كانت تمثل السود. وعلى الرغم من أن الصحافة اليسارية الغربية لم تكن ترى، أو ربما لم تكن تريد أن ترى، أن هناك تبدلات حقيقية فإن المؤلف أشار في كتاباته منذ تلك الفترة على أنه كان من السهل مثلا أن يجد المرء على رفوف مكتبات جوهانسبورغ الكبرى. أو بعضها على الأقل، كتبا ومطبوعات دعائية ماركسية ـ لينينية أو عن أرنستو تشي غيفارا، وبعدة لغات، هذا فضلا عن المطبوعات والنشريات التي كان يصدرها حزب المؤتمر الوطني الأسود الذي كان قائده التاريخي نلسون مانديلا في السجن آنذاك.
ومن الهوايات التي سكنت باستمرار مؤلف هذا الكتاب، كما يصرّح هو نفسه، هناك البحر والمراكب والشطآن والقراصنة والمرافئ، أما حبه للقراصنة فإنه يعيده إلى سنوات طفولته، إلى تلك الفترة التي كان يعيش فيها بالقرب من شواطئ البحر. هكذا يتحدث عن تلك «المتعة» التي عاشها وهو يرى عددا من الناس في عرض بحر الصومال يتقدمون نحو سفنهم الصغيرة ذات المحرك كي يستولوا على سفينة شحن كبيرة ويفرغون حمولتها. إنهم «قراصنة» دفعهم الجوع وهمّ إبقاء أهلهم وذويهم على قيد الحياة في بلد يعيش حالة متطرفة من الفقر إلى «القرصنة» التي يكاد المؤلف أن يضيف له صفة «المشروعة».
ومن يحب البحر يحب أيضا المرافئ والتي قد تفصح مرّات كثيرة عن هويات متشابهة. فمثلا يجد مؤلف هذا الكتاب تشابها «مدهشا» بين شنغهاي وروتردام، ثم إن المرافئ تنبئ أكثر من أي شيء غيرها عن نشاط بلدانها. فصادرات بلاد صاعدة مثل الصيف تمر بالضرورة من مرافئها، وفي مقدمتها مرفأ شنغهاي، الذي أصبح الواجهة التي تدل على حداثة الصيف وصعودها. ثم إن سفن الشحن نفسها التي كانت تعود حتى الأمس القريب إلى شركات أو دول أجنبية أصبحت الآن أكثر فأكثر «من صنع الصين»، وليس السفن فقط وإنما الحاويات المعدنية التي توضع البضائع فيها وكذلك الرافعات العملاقة التي تحمل تلك البضائع من الأرصفة إلى السفن غدت أيضا صينية وليس في مرافئ الصين وحدها وإنما في الكثير من مرافئ العالم بما في ذلك في البلدان الصناعية الغربية المتقدمة.
وهذا ما يدلل عليه مؤلف هذا الكتاب بواسطة «التجهيزات الصينية» في مرفأ «الهافر» الفرنسي، الواقع على بحر المانش. هكذا يمكن للمراقب أن يدرك مدى النمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده الصين بمجرد التجول في أحد المرافئ العالمية الكبرى.
ويشير المؤلف إلى أن أكثر ما دفعه إلى البحر والشواطئ إنما كان الأدب والقصص التي قرأها طفل عن الصيد وعالم الصيادين، بل ويرى أن رغبة السفر ورغبة الكتابة متلازمتان إلى حد بعيد، وهذا ما يبدو بوضوح بالنسبة له، في الولايات المتحدة الأميركية حيث ان صيد الأسماك يبدو بمثابة «مدرسة للكتابة».
ثم ان إرنست همنغواي، الكاتب الأميركي الكبير، كان صيادا بحريا مدرّبا، ولكنه لم يخرج من البحار بالأسماك فقط وإنما خرج أيضا بروايته الشهيرة «العجوز والبحر»، والتي يعدّها الكثير من النقاد، أحد أهم الأعمال الروائية في تاريخ الأدب الإنساني كله. ويشير المؤلف في هذا السياق إلى أن احد أعمامه، وكان طبيبا، كان قد قام ذات يوم بمعالجة «همنغواي» عندما كان على ظهر احدى سفن الشركة الأطلسية العامة للنقل البحري.
ويؤكد مؤلف هذا الكتاب أنه كان على وشك أن يصبح «صياد سمك» كحرفة حياة، ثم ان هذا كان هو حلمه الحقيقي عندما كان طفلا، ولم يبارحه ذلك الحلم طيلة سنوات مرافقته، لكن اردعه عن ذلك هو رادع إنساني، إذ واجه رغبته في التوجه نحو البحر للاصطياد تساؤل عميق مفاده: «باسم ماذا يحق لي أن أقتل سمكة مسكينة؟»... صورة تلك «السمكة المسكينة» دفعته عن البحر كـ «صياد» وإنما دفعته لـ «الكتابة عنها»، وعن عالم البحار بشكل عام وأيقظت عنده رغبة السفر، والتي كانت دون شك، كما يقول، السبب الذي دفعه نحو صحافة التحقيقات، وحيث لا يتردد في الاعتراف أنه لا يجد نفسه أكثر سعادة في أي مكان أكثر من وجوده على متن سفينة.
رغبة السفر عند مؤلف هذا الكتاب ترافقت باستمرار عن البحث عن «أمكنة لا تشابه غيرها»، عن أمكنة «سحرية» وهذا ما وجده في مدينة مثل «زامبوانغا»، التي ربما لم يسمع بها الكثيرون، مع أنها «عاصمة» جزيرة «مانداناوا» الواقعة جنوب الفلبين، والتي يصفها المؤلف بأنها كانت منذ عشرين سنة فقط لا تشابه أية منطقة أخرى في العالم. ولا تشابه بقية العالم، إنما التي ربما أصبحت تشابهه أكثر اليوم، فوسائل الاتصال وثورة المعلوماتية «قلّصت» مساحة العالم الذي نعيش فيه. لذلك هناك اليوم توجه نحو «جعل العالم وحيد النمط»، وهذا ما يعادل لدى مؤلف هذا الكتاب «جعل العالم أكثر قبحا وبشاعة». هذه «البشاعة» طغت على «جمال» العالم، كما يشير .
يؤكد أن «التخريب» الذي سببته عملية التصنيع أو عملية الزراعة «التعاونية» في الاتحاد السوفييتي السابق قد زاد من تشويه وجه العالم. ولا يتردد في القول انه عندما قام بأحد التحقيقات في منطقة آسيا الوسطى، وتحديدا حول بحر قزوين، لم يجد سوى البشاعة التي قد تصل أحيانا إلى درجة الرعب مع مشهد «خرائب الصناعة الكيميائية» في منطقة «سومغيت».
ثم إن البشاعة تتقدم بمقدار ما ينحسر جمال العالم، إذ أصبح من المألوف أن نجد في قلب الصحراء مخلفات صناعية أو نفايات منزلية.ويتحدث المؤلف عن الحضور الأميركي في العالم عبر بعض الدلالات الرمزية التي ليس أقلها «دعاية الكوكا كولا» التي رآها في مخيمات اللاجئين.
وفي أكثر قرى القارة الإفريقية بؤسا وأثناء حصار سراييفو حيث وصل موكب لكوكاكولا كامل التجهيزات عندما كانت الحرب لا تزال دائرة، وحيث بدأ جزء من سراييفو يشابه «فجأة» أية بلدة أميركية، ثم إن العولمة لا تمر عبر دعاية «الكوكاكولا» فقط، بل يزاحمها على ذلك ممثلو شركات صناعة أجهزة الهاتف المحمولة وحتى في «الكونغو».











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا