الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باسم الهيجاوي حين تبكي فاطمة .. من كان يبكي

سعاد جباره

2007 / 12 / 27
الادب والفن


تحملك لغة الشعر عادة إلى فضاءات تراودك في كل لحظات عمرك دون أن تكترث لها ، تتجاوزها كمن يتجاوز إشارة مرورية غير مبال للنداءات حولك ، تسلبك موسيقى الشعر شيئاً من ذاتك ، فكأنك تراقب صورتك في المرآة ، في وطن البعد وفي زمن أكثر ما نكون فيه بعيدين غرباء عن ذواتنا ، تلقي بعض الكلمات فيك روحاً جديدة ، فكأنك تتقمص دور البطولة ، وكأن الشعر يرد صدى صوتك ، فتراك تلبس الألم وجهاً لا قناعاً ، أما هو ـ في صومعته الشعرية ـ فلن يكون غريباً بعد اللحظة في سجن الكلمات التي كبَّلَت روحك ، لن تكون غريباً منعزلاً في ثنايا تجربة ، فلك اليوم أن تطلق عنان روحك ، وأن تخفيها خلف بريق العناوين المموهة .
حين تبكي الروح ، يبكي العمر ، تبكي تفاصيلنا الصغيرة ، طقوسنا التي اعتادتنا أكثر مما اعتدناها " حين تبكي فاطمة " :

" ـ أعددتَ شاياً للصباح ؟
ـ أعددتني .
ـ كوبين ؟
ـ لا ، كوباً ،
وينكسر النظرْ "

وحين تبكي صورته ، الرجل الذي اقتلع زهرة فاطمة ، هدم جدار روحها ، باع أفراحها بلا ثمن ، وعاد يبكي عليها بصورتها :

" إني كسرتُ زجاج روحك بالصدف "

يتكئ على جفنيها الدامعين ، ربما ، لكنه يدمع قبلها ، تراه رآها مكبلة بالدموع ؟ أما هو فقد بكى شعراً ، ذكريات ، وطناً صار عنه غريباً ، ولا عزاء له في ذلك ، فهو الطفل متنكراً بزي الطفولة ، وأي رجل هذا الذي لا يكون طفلاً في حرم امرأة ؟ طفلاً يدمر قلعته بذاتها ، هي أجمل من أحب ، وأجمل من عشق ، ومن عرف ، وأول من يضعه بين يديه معيده طفلاً ، وكم يغدو صعباً كسر الروح بعد أن تصل تلك اللحمة وذلك الانصهار :

" عبثاً أفتّشُ عن بلادٍ لستِ فيها ،
عن فضاءٍ لستِ فيهْ
عبثاً أفتشُ عن شبيهْ "

لستُ أدري إن كان يبحثُ عن روحه ، عن نفسه في ثنايا روحها ، في ملح دموعها ، لستُ أدري إن كان يفتش لنفسه عن ميناء يرسو فيه وقد هجره المرفأ مبتعداً ، وهجر المرفأ مبتعداً ، ابتعد راضياً ببعده ، لكني أكاد أجزم أن تلك التي جعلت رجلاً مثله يتدثر بخصلات شعرها ، يرسم شعراً يحرك سكون الصخر ، يستتر متفجعاً لعبراتها المتناثرة أرضاً ، تلك التي لها أن تفاخر نساء الكون ، فهي وهي وحدها من حركت قلمه بهذه الحميمية ، وذلك الحنين المتأرجح ، وهي من لا ترضى ولا أرضى أن تكون خيالاً ، وأراها أكبر من الحقائق .

كنتُ أتكهن مأخوذة بذلك الجو الشعري الذي تثيره كلماته ، لكني وجدته يلقي لي طوق نجاة يلغي حيرتي ، فهي لن تكون حروفاً ، ولن تكون امرأة نسجها خيال شاعر ، لن تكون إلا حقيقة ، وهذا ما أسرّت لي به صفحاته ، قلبه الصغير في قريته النائمة بين الجبال ، هي إذن من تلغي أي قادم سواها ، وهي من تحفر اسمها في ذاته ، في أمسه وغده ، في تفاصيل حياته المنسية ، وهي من توجِد أبجدية شعرية خاصة بها في دواوينه ، هي بذكراها من تحيله صامتاً أمام صورتها ، هي من تكبله ، وهو من يشد وثاقها فلا انفكاك للروح عن الروح ، ولا أراه يخلدها شعراً طارقاً باباً للنسيان .

الغريب في الأمر أنني لا أستطيع نسيان وجهي ، صورتي ، صوت حنجرتي ، وأنا أنظر إلى صفحات القصيدة ، هي إذن بهذا الطول ، قلت : طويلة ! واستحضرت كل ذلك الموروث الأدبي والشعري أيام المعلقات والأسواق الشعرية ، وتساءلت بصوتٍ مذبوح : أيعقل أن تستقيم الحالة الشعرية والأدبية لشاعر فتعطيه هذا النفس الشعري والذخيرة الحية ، فيسترسل في تياره الشعري ؟ أيمكن له أن يحافظ على سطوة العاطفة وعذوبة الكلمات وسلاسة الأسلوب حتى الرمق الأخير ؟ وتساءلتُ ، فوجدتُ كل هذه التساؤلات تتكسر أمام الدفق الشعري ، لم أعد أكترث إذا ما كان قد كتبها في جلسة واحدة أم في عدة جلسات ، في لحظة واحدة أم في عدة لحظات ، لكنه جو شعري فرض نفسه بقوة ، وانتزع مكانته انتزاعاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا


.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف




.. فرحة الفنانة أمل رزق بخطوبة ابنتها هايا كتكت وأدم العربي داخ


.. أون سيت - الأسطى حسن .. نقطة التحول في حياة الفنان فريد شوقي




.. أون سيت - أولاد رزق 3 .. أعلى نسبة إيرادات .. لقاء حصري مع أ