الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداعي الذاكرة في ( أجراس الفقدان )

عبدالقادر حميدة

2007 / 12 / 31
الادب والفن



طه عدنان .. شاعر وقاص مغربي يرتدي صقيع البعد و الابتعاد و النأي منذ سنين عدة .. و يشهر في وجه هذه البرودة اللغة الدافئة التي تملأه لتحول برده أمنا وسلاما عليه .. إنه سحر الكلمات التي تأتيه دائما حينما يحتاجها .. أو يدعوها إليه .. ربما عرف طه عدنان أكثر بقصائده و خاصة قصيدة ( الشاشة عليكم ) .. لكنه يخبئ في جوانحه قاصا متمرسا تنساب له المعاني و الكلمات و الصيغ .. و لعل ما شدنا في هذا المقام ما اجترحه من حكي في ( أجراس الفقدان ) .. حكاية موت الجدة و ما يمكن أن ترمز إليه .. و ما يمكن أيضا أن يخلفه هذا الفقد من فراغات لا تملأها عند الكاتب إلا الجدة ..
و قد يقودنا هذا إلى تذكر ما للجدة من أهمية و حضور في حياة و أدب الكثير من الروائيين و الشعراء .. و لعل أبرزهم غابرييل غارسيا ماركيز رائد الواقعية و السحرية و التي يعترف في حوار أجراه معه ميندوثا بأنه حينما قرأ الروايات الكبرى و تذكر ما كانت تحكيه جدته .. قال أن هذه الكتابة ممكنة جدا .. فالجدة هي ذاكرة الحكي عند كبار الكتاب منذ الجدة الكبرى شهرزاد ..
و هكذا نجد الأمر ذاته اليوم عند طه عدنان .. فكلمت الفقد الأربع و التي رنت أجراسها منذ تلقاها صباحا على هاتفه المحمول .. جعلته يتوهج ذكريات و ألما .. و ينحدر في بئر الطفولة مغترفا ما عن له من ذكريات وسط تزاحم الأفكار و التأنيب و الدموع المنهمرة على غير موعد .. هكذا رسم طه لوحته بكل تلقائية .. وبانسيابية تجعل فعل الحكي عنده آسرا .. يبعث فينا إحساسا غريبا بأن طه كبح جماح هذه التداعيات .. فربما كانت ستكون رواية كبيرة بالعنوان ذاته .. أو ربما تغلبت عنده روح الشاعر الراغبة في مقامتنا هذا الإحساس بالبرودة و الصقيع و البياض المسيج لكل المعاني .. أو ربما أربكته الكلمات الأربع فأرادت الشخصية المحورية في هذه القصة الانفضاض بسرعة من رد الفعل السريع .. لتتفرغ بعد ذلك لذكرياتها و مشاهدها .. معاودة إحياءها لتعيش فيها من جديد مدة أطول ..
لكن نقائض الحكاية تنجلي داخل الحكاية ذاتها لتشبه نقائض الحياة عامة .. فالبرد الذي نحسه حين يحكي عن مدينته .. سرعان ما يقابله دفء مدينة مراكش و طريق العودة و صور الجنوب المغرية .. و الحياة المملوءة صخبا تخبئ وراءها موتا قادما من جهة ما .. موت ساكن .. " العالم منشغل بمفقودي تسونامي وبأشياء أخري أقل جدية يملأون بها فراغ أعمارهم القصيرة في انتظار الموت .. " و الصباحات الهادئة الحزينة تقابلها صباحات الصبا و الشغب التي كانت الجدة تطبخ فيها الحليب بالزعتر لأولئك الأطفال العابثين بنور الشمس .. وهي تلف لهم الخبز و السمن و البيض في منديل قبل توجههم إلى البحر .. حيث جزر اللعب و المرح ..
عن أجراس الفقدان على قصرها مقطوعة دافئة عزفها بوجد و بكلمات نابضة الكاتب الغربي طه عدنان .. و تلقيناها في صباحنا الموافق للثاني عشر فبراير 2005 بيومين قبل عيد الحب .. تلقيناها عبر ( القدس العربي ) .. و ظللنا نتذكرها إلى اليوم لأنها بقدر ما حملت لنا من وجوه الحياة .. علمتنا أن " الفقد أقسى من الموت .. إنه جوهره الأكثر مرارة .. "
عبدالقادر حميدة
الجلفة / الجزائر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي