الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا يتملك أهالى النوبة منازلهم؟

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2007 / 12 / 28
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


رأى النوبيون أن بناء السد العالى سوف يحدث قفزة كبيرة فى مجال التنمية، لذا رحبوا بمشروع التهجير إلى المنطقة الواقعة بالقرب من كوم امبوا وهو المشروع الذى بدأ فى أكتوبر 1963م واكتمل فى يونيو 1964م. لقد صدق المهجرون وعددهم حوالى 17 ألف أسرة وعود رجال الحكومة لهم بأن الخيرات الوفيرة والمنازل الحديثة والحقول الشاسعة فى انتظارهم، فقفزوا إلى السفن والبواخر التى نقلتهم إلى القرى (وعددها 44 قرية) القابعة فى شمال وشرق كوم أمبوا. ولم تتبق سوى بضع سنوات ليحتفل النوبيون بمرور خمسين عاما على تهجيرهم إلى الموطن الجديد. وفى هذا المقال لن نتعرض لهذه التجربة التى قلما تتعرض لها الشعوب وهى تأثير التهجير على ثقافتهم وأسلوب حياتهم بل سنتعرض لأحد العناصر المهمة فى تجربتهم وهى المنازل التى عاشوا فيها منذ التهجير والمنازل المزمع إنشاؤها للمغتربين فى مواقع من اختيار المسئولين.

لقد تولت الحكومة بما تملكه من إمكانات هائلة مهمة توفير حوالى 17 ألف منزل وتعهدت بإنشاء حوالى 9 الآلاف منزل للمغتربين غير أنها قامت ببناء 5 الآلاف منزل فقط. وتجدر الإشارة أن مرور أكثر من أربعة عقود من الزمان لم يكن كافيا لكى توفى الحكومة بوعدها ببناء مساكن لبقية الأسر المغتربة (وعددها حوالى 4 الآلاف أسرة). وعلى أى حال فإن هذه المنازل الإسمنتية ذات مساحات متنوعة تتراوح بين 50م و200 م وفقا لعدد أفراد الأسرة. وتشير التجربة إلى أن معظم هذه المنازل لم تتحمل عوامل التربة غير المستقرة فى بعض المواقع التى تقع فى مهب السيول (كقرية دهميت وعنيبة) مما عرضها للتصدع والتشقق. وكما جاء فى تقرير اللجنة البرلمانية برئاسة خالد محى الدين فى 23 ديسمبر 1969م فإن هنالك منازل فى بعض القرى مهددة بفعل المياه الجوفية الناجمة عن الترع والمصارف المتاخمة لها كما الحال فى قرية أدندان ودهميت وأمبركاب ودابود، وقد أدى افتقاد هذه القرى للصرف الصحى إلى تفاقم هذه المشكلة حيث اقتربت المياه من اختراق التربة وإغراق أو ابتلاع المنازل تماما مثلما كان يحدث فى الماضى عند تعلية خزان أسوان عام 1912م و1933م. وتبقى أمران لم نشر إليهما أحدهما يثير الدهشة والعجب والآخر يثير الحزن والأسى.

ما يثير الدهشة والعجب هو أن الأهالى لم يجدوا أذانا صاغية لهذه المشاكل والتى يمكن حصرها فى ضيق مساحة المنازل واقتراب معظمها من الانهيار ومنازل المغتربين. ورغم أن الحكومات المتعاقبة لم تتوان عن محاولة توفير الميزانية لترميم أو لإعادة تشييد المنازل المعرضة لخطر الانهيار إلا أن المبالغ المخصصة لم تكن كافية لتغطية نفقات الترميم أو الإحلال سوى لألفى منزل فقط من إجمالى 4600 منزل مما دفع بعض الأهالى إلى الاقتراض من هنا وهناك لإعادة بناء منازلهم بالجهود الذاتية. أما الأسر غير القادرة على فعل ذلك فمازالت تتعرض لكابوس انهيار المنازل فوق رؤوسها ومازال أفرادها يستيقظون كل صباح غير مصدقين أنهم على قيد الحياة ومازال الأمل يحدو الأسر المغتربة بأن الحكومة لن تتخلى عنهم ولن تنسى التضحيات التى قدموها فى سبيل رخاء ورفاهية هذا الشعب.

وأما ما يثير الحزن والأسى فهو أن الشك بدأ يتسرب رويدا رويدا إلى قلوب ونفوس الأهالى باختلاف مشاربهم وتنوع تطلعاتهم وآمالهم. وهذا كله مرده إلى تصريحات بعض المسئولين فى المحافظة، وهى تصريحات تنم عن عدم الاكتراث واللامبالاة وهى فى مجملها مستفزة لا تبقى على الآمال فى أفئدة المواطنين بل تدفع إلى اليأس والكآبة. لقد صرح أحدهم منذ فترة قريبة أن النوبيين فى سبيلهم إلى تملك منازلهم. والغريب أن الأهالى لم يتحمسوا البتة لهذه التصريحات لأنهم يدركون أن هؤلاء المسئولين ربما يعبرون عن لسان حال الحكومة التى أستبد بها الملل من المطالب الملحة للأهالى والأسر المتضررة من المنازل الآيلة للسقوط وباتت تضيق ذرعا بنزيف الأموال التى تنفق فى أعمال الإحلال والترميم وربما تسعى إلى إلقاء مسئولية ذلك على عاتق الأهالى، هذا رغم يقينها أن هؤلاء القوم المغلوب على أمرهم لم يختاروا مواقع القرى التى خضعت لاعتبارات الاقتصاد القومى ولم يكن بوسعهم إجراء اختبارات فنية للوقوف على مدى صلاحية التربة المقامة عليها تلك المنازل التى تعرضت فيما بعد للتصدع. وفى الواقع فإن الأهالى لا يجدون غضاضة فى تملك المنازل الجيدة والمقامة فوق تربة متماسكة والتى لا تهددها المياه الجوفية. ولا يمكن التأكد من ذلك إلا بتشكيل لجنة فنية لتحديد حالة المنازل الصالحة للتملك. ولم تكن تصريحات المسئولين فيما يتعلق بمنازل المغتربين أقل إثارة إذ صرح أحدهم أن هذه المنازل سوف تشيد فى وادى النقرة وليس فى الموقع المتاخم لبحيرة السد العالى حيث تم إنشاء قرى عديدة تقطنها مجموعات غير نوبية. هذا رغم أن تصريحات الرئيس مبارك كانت واضحة فى هذا الشأن حيث أعلن أن أولوية التوطين فى الآراضى الواقعة بجوار البحيرة للنوبيين، وهى تصريحات رحب بها كل أبناء النوبة، ولكن فرحتهم وسعادتهم بتصريحات الرئيس لم تكتمل إذ صرح مسئول كبير بالمحافظة فى صحيفة الوفد الصادرة فى 3 مايو 2006م أن الراغبين فى العودة إلى النوبة القديمة لا حيلة لهم سوى البحث عنها تحت مياه البحيرة على عمق 90 مترا وعلى بعد 16 كيلومترا من خط المياه الحالى. لقد أصابتهم هذه التصريحات—كالعادة— باليأس وخيبة الأمل لأنهم لا يطالبون بحق العودة ولكنهم يطالبون ببناء مساكن المغتربين على ضفاف البحيرة كما ورد فى تقرير لجنة الإسكان بمجلس الشعب فى 12 نوفمبر 1998م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد سنوات من القطيعة.. اجتماع سوري تركي مرتقب في بغداد| #غرف


.. إيران تهدد بتدمير إسرائيل.. وتل أبيب تتوعد طهران بسلاح -يوم




.. وفاة طفل متأثرا بسوء التغذية ووصوله إلى مستشفى شهداء الأقصى


.. مدرسة متنقلة في غزة.. مبادرة لمقاومة الاحتلال عبر التعلم




.. شهداء وجرحى بينهم أطفال في استهداف الاحتلال مجموعة من المواط