الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم حزين في اقليم كردستان

ريبين رسول اسماعيل

2007 / 12 / 27
الصحافة والاعلام


يوم الثلاثاء المصادف (11/12/2007) صادق برلمان اقليم كردستان على مسودة قانون تنظيم العمل الصحافي في الاقليم يجيز فيه سجن الصحفيين وتغريمهم بما يصل الى (10) مليون دينار وسجن رؤساء التحرير وتغريم الصحف بما يصل الى (20) مليون دينار وتعويض المشتكي في حالة نشر اي مواد يعتبر اساءة الى شخص او جهة وحزب سياسي، وهكذا قضى القانون الجديد على العمل الصحفي في الاقليم وكبل الصحفيين والصحف ودق المسمار الاخير في نعش الديمقراطية التي طالما قلنا انها زائفة وغير حقيقية وفي يوم كان فيه رئيس اقليم كردستان يلقي خطابا امام مجموعة من الاكاديمين يشير فيه الى تجربة اقليم كردستان من ناحية الحرية والديمقراطية وبناء المجتمع المدني.
اذن انه يوم حزين في اقليم كردستان، كون ان البرلمان الذي طالما اعتبرناها ممثلا لنا ومدافعا عن حقوقنا امام القمع والارهاب والترهيب الذي مارستها الاحزاب السياسية بحق الصحفيين، وخصوصا المستقلين الذين لاينتمون الى جهة سياسية او حزب.
التصديق على قانون متخلف لتنظيم العمل الصحافي لايمكن ان يعتبر مفخرة لبرلمان اقليم كردستان، كونه يمثل تراجعا كبيرا عن اسس اقامة الاقليم المرتكز على التعددية والديمقراطية وحقوق الانسان وحرية التعبير. فأذا فقدنا حرية التعبير، فقدنا جزء اساسي من ديمقراطيتنا وتعدديتنا، فهل ان التصديق على القانون يمثل الخطوة الاولى للتراجع الى الوراء والانقلاب على الحقوق الدستورية للشعب الكردي؟ وهل ان السلطة في اقليم كردستان اصبح يشعر بالضعف والهوان ويريد ان يسيطر على الاعلام في الاقليم واخافة الصحفيين وايداعهم السجون التي اشارت التقارير الدولية الى التعذيب التي تمارس فيها.
قبل صدور هذا القانون، كان الصحفيون في اقليم كردستان يحاكمون حسب قانون العقوبات العراقي وخصوصا المادة (433) الخاص بالقذف والسب والتشهير الذي استعملته السلطة والاحزاب كسيف ديموقليس على رقاب الصحفيين والصحف الاهلية والمستقلة وحاكموا بها العديد من الصحفيين، الا ان الحكام في تلك المحاكمات دائما ما كانوا حتى تحت اقسى الضغوط السياسية، يقررون عقوبة السجن مع عدم التنفيذ والاخذ بالعقوبة الاخف احتراما لدور الصحفيين في كشف الحقائق للرأي العام.
ولكن القانون الجديد يجيز الاخذ بالعقوبة الاشد والسجن والتغريم وتعويض الحزب او الجهة والشخص المنتهك حقوقه، وهذا تراجع خطير عن الوعود التي اعطيت للصحفيين من قبل رئيس مجلس الوزراء بالعمل على توفير الاجواء الامنة والمناسبة للعمل الصحفي في الاقليم.
المناقشات التي جرت خلال الاسبوعين الماضيين تمخضت عن نوع من الاصطفاف الحزبي سواء كان من خلال الكتل الحزبية او من خلال اللجان البرلمانية، وخصوصا النقاشات التي جرت ما بين اللجنة القانونية واللجنة الثقافية، او من خلال الخلافات الشخصية الضيقة ما بين اعضاء البرلمان حيث اخبرني احد اعضاء البرلمان بان عددا كبيرا من الاعضاء قد صوتوا للمشروع ليس من منطلق انهم يريدون تكبيل الصحفيين والتضييق عليهم، بل لآن بعض اعضاء البرلمان قد دافعوا بقوة عن الصحفيين وعملوا بجد ضد القانون ومحاولة تغييره، وهذا ما خلق انطباعا لدى عدد كبير من اعضاء البرلمان بأن البعض يريدون ان يظهروا وكأنهم رسل الحرية الصحافية في الاقليم.
لابد لنا ان نعترف بأن مسودة القانون المقدمة من قبل نقابة الصحفيين، كانت مسودة غير موفقة، رغم انه كان يحتوي على بعض الحقوق والنقاط الايجابية لصالح الصحفيين والعمل الصحفي، الا انه بشكل عام كان اقل مما كنا نتوقعه، وخصوصا ان الصحافيين ورؤساء تحرير الصحف ومن خلال منظمة (يونامي) التابعة للامم المتحدة قدموا مقترحات ايجابية وبناء لتغيير القانون بما يلائم حرية التعبير الموجودة في الاقليم، ولكن يبدو ان المسؤلين في نقابة الصحفيين لم يأخذوا تلك المقترحات بجدية وقدموا مسودة القانون كما طلب منهم، كون ان نقابة الصحفيين لايمثل الصحفيين في الاقليم، بل يمثل الاحزاب الكردية، وان اعضاء مجلس النقابة هم اعضاء قياديين في الاحزاب الكردية، ولهذا قدموا مسودة القانون كما يلائم توجهاتهم الحزبية الضيقة.
الملفت للنظر هو موقف وزير الثقافة الذي كان ادائه سلبيا جدا بحيث لم يكن موفقا في حث البرلمانيين على تغيير بعض الفقرات لصالح الحرية الصحفية، بل كان يحاول دائما ان يوفق ما بين الاتجاهات المتعارضة في وضع لايقبل المساومة على الحقوق الصحفية، فقدم اداء باهتا، بل كان في اغلب الاوقات يرافع عن السلطة والحكومة بدلا ان يرافع عن الصحفيين والحرية، وهذا ما لايليق بشخص وزير الثقافة الذي هو قبل ان يكون وزيرا او قياديا حزبيا، هو رجل صحفي ومثقف وكان عليه ان لايقبل بالمساومة على حقوق الصحفيين.
ما حدث في الاسبوع الاول من المناقشات والاتجاه الذي سلكته تلك المناقشات جعلنا نحن المتابعين للنقاشات، نصل الى استنتاج ان القوائم الحزبية قد توافقت فيما بينها بشكل عجيب من خلال التفاهم الذي ظهر ما بين كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الاسلامي الكردستاني بحيث اتفق الجانبان، ولو ضمنيا على المادة الثانية من القانون التي تنص على:" لارقابة على الصحافة وحرية النشر مكفولة لكل مواطن في حدود القانون وفي اطار الحفاظ على الحريات الخاصة للافراد والاداب والنظام العام" فاالابقاء على بعض المصطلحات الوهمية والزائفة المطاطية من قبيل (الاداب والنظام العام) التي اصر عليها الاسلاميون و عددهم (14) عضوا يمثل (9) منهم الاتحاد الاسلامي الكردستاني و(5) من الجماعة الاسلامية و وافق عليها كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني وعدد كبير من كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني وذلك مقابل الابقاء على نص النقطة الثالثة التي تنص على عدم نشر اي شيء سري او تمس بأمن الاقليم الذي اصر على ابقاءها كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني. فهذه المصطلحات الواردة في القانون، مطاطية وتكبل العمل الصحفي بحيث يتم تفسيرها حسب اهواء القيادات والسلطة في الاقليم وتعيق حرية النشر والتعبير.
طبيعي ان يحاول الاسلاميون فرض توجه معين يرون انها تسيء اليهم مستقبلا، ولكن الغريب ان يقف الى جانبهم اعضاء كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني ذات التوجه الاشتراكي الديمقراطي كون ان الاتحاد الوطني الكردستاني عضو في الاشتراكية الدولية، وهذا يعني ان على ممثليه في البرلمان ان يصوتوا دائما بالضد من المحاولات التي تجري لتكبيل حرية الرأي وهذا ما كان الصحفيين ينتظرونه، ولكن ورغم وقوف عدد منهم وهم قلة لايتجاوزون (11) عضوا من مجموع (36) عضوا من كتلة الاتحاد الوطني بالضد من القانون ومحاولاتهم المستميتة للدفاع عن حقوق الصحفيين، الا انهم كانوا اقلية مقابل اتفاق الاتحاد الاسلامي مع الحزب الديمقراطي، وهذا شيء غير مستغرب كون الحزب الديمقراطي ذات توجه قومي محافظ، فمن الطبيعي ان يتحالف مع الاسلاميين في النقاط التي يراها من مصلحته، وان الحرية الاعلامية خلال السنوات الماضية في المناطق الخاضعة لنفوذ الحزب الديمقراطي كان ادنى بكثير من الحرية الاعلامية الموجودة في مناطق نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني الذي شرع قانونا خاصا بدعم وتقوية الاعلام الحر من خلال التمويل المادي وفتح المجال امام القنوات الاعلامية للعمل بحرية وهذا ما ادى الى زيادة حجم الصحف الاهلية والمستقلة في تلك المناطق.
القانون خرج من بين ايدي اعضاء البرلمان الذين اثبتوا بأنهم قبل ان يكونوا ممثلي الشعب وابناء الوطن، هم ممثلي وابناء احزابهم، وهذا يعني ان البرلمان لايمثل ضمير الشعب، بل يمثل مصلحة الاحزاب. الكرة الان اصبح في ملعب رئيس اقليم كردستان الذي اعاده الى ساحة البرلمان بمناولة ذكية لمناقشتها واعادة صياغة القانون من جديد، اذن فرئيس الاقليم تجاوز اختبارا جديا وصعبا، عندما قال:" مادام الصحفيين غير راضين عن هذا القانون، فأنا ايضا لا ارضى عنه".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أونروا: فرار نحو 360 ألف شخص من رفح وليس هناك أمان دون وقف ل


.. نيويورك تايمز: ملفات حماس السرية تظهر كيف كانت تتجسس على الف




.. سوليفان: لا نعتقد أن ما يحدث في غزة إبادة جماعية وينبغي على


.. كيف يرى الإسرائيليون حرب غزة؟




.. فلسطينيون عالقون في العريش يبحثون عن فرص عمل