الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة تحت حصار النار والموت

بدر الدين شنن

2007 / 12 / 27
القضية الفلسطينية


منذ أن مارس الغزاويون حقهم الديمقراطي مع بقية الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة ، ووضعوا السلطة الفلسطينية وإ سرائيل وأميركا وكافة المهتمين بالشأن الفلسطيني عربياً ودولياً لأهداف شتى ، أمام مفاجأة لم تكن متوقعة ، وكأن لعنة قد حلت بهم وبحياتهم ومصيرهم . لم يخطئوا بشئ في الطقوس والمعايير في ممارسة هذا الحق تحت قيادة السلطة الفلسطينية . كل المراقبين الدوليين شهدوا برقي هذا الإنجاز ، الذي لاتتقنه سوى البلدان العريقة في النزاهة والشفافية ، والذي برز كأنموذج متطور جداً يبز كل " الديمقراطيات " المعترف بها دولياً في الشرق الأوسط . إذن ما الذي أثقل الموازين ، وخلخل المعايير ، وأنكر على الغزاويين التمتع بما يترتب على تلبيتهم نداء العصر " الديمقراطي " .. وجلب لهم الحصار والدمار والقتل والاعتقال اليومي لنشطاء المقاومة على اختلاف أطيافها ولأعضاء كثر في المجلس التشريعي الفلسطيني ؟ إنه ببساطة اختيار أغلبية الفلسطينيين للون سياسي ، غير مرغوب فيه إ سرائيلياً وأميركياً وعربياً اعتدالياً ، لتمثيلهم وقيادة السلطة في شؤون حياتهم ومصيرهم . وذلك ليس لأن هذه الأغلبية لم تعد تثق بالسلطة الفاسدة المساومة على حقوقهم الأساسية فحسب ، بل لأن غياب أو ضعف القوى اليسارية والقومية المقاومة للإحتلال ، قد حشرها بين سندان سلطة مترهلة فاسدة ومساومة وبين مطرقة حركة أصولية دينية فرضت وجودها الميداني بقوة السلاح وبالخدمات الاجتماعية غير المحدودة للناس الفقراء والبسطاء .

على أن هذا لايعني تماماً ، لو أن أغلبية فلسطيني الأراضي المحتلة اختارت مرشحي السلطة كانت النعم والبركات ستحل على الفلسطينيين ، بل إن القمع للفلسطينيين المتمسكين بحق العودة والأرض والوطن ، وخاصة المقاومة المتمسكة بسلاحها وا سترتيجيتها ضد الكيان الصهيوني ، سوف يكون أ شد وأمرّ ، إذ ستستغل السلطة مثل هذا الفوز لتبرر التسويات العبثية مع الكيان الصهيوني ، وسينشر الفساد المستند إلى " سلطة منتخبة " البؤس والحرمانات التي لاتحصى ، وربما كانت مثل هذه النتيجة للانتخابات ستعجل بالاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني بصورة أسرع وأوسع مما جرى بعد النتيجة القائمة .

وعلى ضوء تجربة الديمقراطية الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة ، يبرز عدد من الدلالات هي في غاية الأهمية فلسطينياً وعربياً ، يمكن إيجازها فيما يلي :

1 - كذب الإدارة الأميركية في نشر الديمقراطية مجاناً في الشرق الأوسط . وانفضاح أن ما تريده هذه الإدارة ليس هوالديمقراطية بالمعنى الحضاري الإنساني ، وإنما هو " كرنفال ديمقراطي " لعملائها هنا وهناك في السلطة وخارج السلطة ، مشروط بتمرير مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني في الهيمنة على المنطقة

2 - كذب الأنظمة الرجعية والاستبدادية التي تراودها ، نفاقاً ، لعبة الديمقراطية ، كأسلوب قمعي " حضاري " لتكريس بقائها ، التي لاتتورع حتى عن الخيانة الوطنية لتدمير أي خيار ديمقراطي حقيقي لشعوبها ، لتوفير هذا التكريس المستبد .

3 - فشل المشروع الإسلامي بإدارة سلطة في زمن بلغ فيه الوعي المعرفي والعلمي والاستحقاقات الدولية الحضارية الملحة ما يفوق ا ستطاعة الأصول الشرعية الموغلة في القدم على مواكبتها وتلبيتها . وفشل القوة والثبات على " المبدأ " للتعويض عن النقص في ذلك ، كما أن ا ستخدام السلاح و " التضحيات " عند العجز عن إيجاد بدائل ومخارج متطورة مطابقة ، يتحول إلى نمط من العنف الاستبدادي يتعارض مع الأسلوب الديمقراطي الذي أوصله إلى السلطة .

تفاعلات هذه الدلالات وا شتقاقاتها مع حصار النار والموت أرضاً وجواً وبحرا ، الذي تفرضه إ سرائيل منذ أشهر على قطاع غزة ، خلقت مأساة كارثية لمليون ونصف المليون إنسان فلسطيني .. عربي .. ديمقراطي .. شملت كل السكان نساء ورجالاً .. شيوخاً وأطفالاً .. يعيشون على مساحة 360 كيلو متر مربع فقط . وقد أدى هذا الحصار ، الذي تشترك فيه مع إ سرائيل كل من أميركا مصدر " الديمقراطية " الدولية العتيدة وأوربا المتمدنة جداً والدول العربية لاسيما المعتدلة منها .. والسلطة "" الوطنية " الفلسطينية .. أدى إلى وفاة العشرات من المرضى الممنوعين من المرور عبر المعابر تحت الإدارة الإسرائيلية والدولية والمصرية .. وأدى إلى قتل نحو 300 مقاوم وجرح واعتقال الآلاف من الشباب الفلسطيني ، في مختلف مدن القطاع وخاصة في غزة ، كما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية وتجهيزات المدارس ودور العجزة وجمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة ودور الأيتام .. ونقص حاد في المحروقات والكهرباء وخدمات المرافق العامة ، كما أدى إلى انتشار البطالة على نحو غير مسبوق . وفوق كل ذلك يتبارى حكام إ سرائيل بوقاحة لامثيل لها في التارخ الاستعماري العنصري بكيفية ونوعية تطبيق المزيد والمزيد من الحصار والإذلال على الغزاويين وبقية الفلسطينيين ، دون أي تدخل عربي أودولي يدين ويرفض هذا الظلم الهمجي للإنسان الفلسطيني ، بل ويستقبل عدد من الزعماء العرب قادة إ سرائيل بالأحضان في لقاءاتهم السرية والعلنية .
ومن أخطر ما يمكن أن يضاف إلى تلك الدلالات ، هو الاعتياد العربي والدولي اليومي ، على مشاهد القتل والتدمير وتشييع جثامين الشهداء دون ا ستنكار مؤثر ، وترك الشعب في غزة لمصيره تحت الحصار البربري الممنهج ، لقتل روح المقاومة فيه وإخضاعه للإملاءات الأميركية الإسرائيلية . حيث تقتل إرادة شعب باسل يدافع عن حقه وحريته وكرامته .

وتحت غطاء التواطؤ العربي والدولي على ما يجري من قتل يومي للإنسان الفلسطيني .. تنتهك الديمقراطية النبيلة حاملة الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية .. وتستخدم فخاً ذرائعياً للهيمنة على الشعوب والتحكم بمقدراتها .. وتصبح في سوق السياسة الرذيلة سلعة رخيصة .. تصبح لعنة أميركية - أوربية بامتياز .. ويصبح مد الأذرع نحو الخارج ، الممتهن للديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها ، للاستعانة به لتحقيق تغييرات في الدواخل المحلية موضع سؤال ، وذلك ليس فيما يتعلق بالشك المشروع بجدوى هذا التوجه فحسب ، وإنما بمدى الأفق السياسي لمن يقوم بذلك لدى البعض ، وبمدى المصداقية الوطنية لدى البعض الآخر ، سيما إذا ما نقل ضوء المشهد من غزة إلى العراق ، الذي دمره ونهبه الاحتلال " الديمقراطي " وأعاده خمسين عاماً إلى وراء ، وبات هذا البلد العظيم يعرف ببلد الأربعة ملايين مشرد وملين قتيل وثمانية ملايين أرملة ويتيم .

ويصعب أمام مشهد غزة تقدير :

كم هو من البشاعة ا ستخدام الحصار والعقوبات الجماعية ، لمعاقبة شعب على خياره الديمقراطي .. وكم هو من البشاعة أكثر ا ستبدال شرعية الديمقراطية بشرعية القرارات الدولية ؟

كم هو مؤلم مشهد تساقط الشهداء حتى في أيام العيد ؟

كم هو من الجشع حرمان الطفولة الفلسطينية البريئة من فرحة العيدين الأضحى والميلاد .. وموائد الحكام العرب وأعوانهم اللئام عامرة .. وأفراحهم غامرة ؟

كم هو من السخرية والوقاحة تفصيل " الديمقراطيات " الأميركية والدولية على مقاس الحكام العملاء .. لتأمين تدحرج براميل النفط إلى المصافي وخزانات الوقود والمعامل والآليات الأميركية والأوربية ؟

إننا أمام مشهد جريمة حرب بحق الإنسانية الصمت إزاءه من أكثر معايير العار عارا ..
إننا أمام مشهد شعب محاصر من قبل الأشقاء والأعداء .. شعب جائع محروم من أبسط مقومات الحياة الإنسانية الآمنة .. من أبسط مقومات الحياة المعيشية الكريمة .. من أبسط فرص الحرية والكرامة

والسؤال الصارخ في هذه اللحظة هو .. إلى متى الصمت ؟ .. إلى متى السماح بمرور المجزرة ضد الديمقراطية .. ضد حاملها الإنسان الفلسطيني الديمقراطي ، الذي من حقه .. أ سوة بكل إنسان في المعمورة .. أن يقرر ويختار مصيره ؟ ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار