الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيَا ليلى...

نبال شمس

2007 / 12 / 27
الادب والفن


هي ليست صفعة بقدر ما هو حنين وأي حنين, فالعالم يحّن الى الربيع , الى السلام أو الى المادة والمال والبعض يحن الى الروحانيات لكن حنيني كان الى بومة, ذلك الطائر غير المحمود في التاريخ الطائر الذي ينذر بالشر والشؤم, حتى الان لا أدري ان كان هذا معتقدا أو وسمة الصقوها لطائر البوم.
نعم أحن لهذا الطائر المتميز كحنيني للخريف, هذا ليس تمردا ولا انفصاما بل الخروج عن المألوف قليلا, لا أعرف ماهية هذا الحنين, لكني في أعماق اعماقي أعرف سببه فكلما قرأت أشعار ليلى الاخيلية تذكرت البومة التي كانت السبب في موت ليلى. البومة هنا لم تكن نذير شؤم كما ادعى التاريخ بل كانت بشيرة فرح عندما انتفضت والقت بليلى بجانب توبة بن الحَميّر عندما أرادت ليلى ان تسلم على جثته الهامدة تحت الحجارة, فما نالته ليلى في ذلك اليوم هو ما حرمت منه في حياتها.
عندما جلست أكتب نصي هذا شعرت بحنين لتلك البومة التي رأيتها تنتتفض ثانية من تحت عظام ليلى وتعيد ليلى وتوبة الى الحياة.
كيف عادت ليلى الى الحياة وكيف انتفض توبه من قبره؟ فهل اسمح لنفسي بان أعيدهما الى الحياة ثانية ويحق لي ذلك؟
انها النصوص , نعم النصوص التي انتهيت للتو من قرائتها, ليست نصوصي بل نصوص لشخص مجهول الهوية لا أعلم عنه شيئا سوى مما يكتبه لامرأة واحدة, هي ايضا مجهولة الهوية بالنسبة لي.
كل الكلمات كانت تشير الى امرأة, الحروف ترقص فرحا حزينا لها, تساؤلاتي عن موتها وغيابها كانت صحيحة فهي فعلا امرأة غائبة عن الحياة أو ربما عن حياته هو فقط, لكنها حاضرة وبقوة في تلك النصوص المبعثرة والاوراق الغجرية التي لم تجمع بعد تحت سقف كتاب أو وراء ميكروفانات العصر لتُعطى ولو قليلا من حقها.
امرأة حاضرة بروحها ودفئها ونورها وخوفها. حاضرة بكل قوتها وقوة الكلمات. لا أعرف من هي فربما تكون فنانة, كاتبة أو باحثة, أو ربما تكون فلاحة, عاملة , أو ربة منزل, أو وهما حضر وغاب, وأغلب ظني ربما تكون السماء او النفس أو الروح, او ربما القمر أو الشمس أو الأرض فكلهن جميلات.
هل هي ليلى الأخيلية, هل هي بثينة , عبلة, أو ليلى العامرية, أو ربما تكون امرأة عصرية ترتدي النظارات الشمسية والجينز والكعب العالي وتنثر شعرها بطريقة عصرية, لكنها امراة غائبة وليست موجودة, فكم تمنيت لو عرفتها أو تعرفت بها لكنت جعلتها تعلق تلك النصوص على ناصية روحها لأن تلك النصوص جعلت نارها نورا وانوثتها طفولة وطفولنها انوثة, فلو كانت ليلى الاخيلية لايقظتها من جانب توبة واحضرت بومة اخرى لتنتفض من تحت هودجها وتعيدها الى الحياة, لكنها ليست ليلى الاخيلية ولا ليلى العامرية ولا عبلة ولا بثينة. حتى انها ليست صاحبة جينزولا شعر متناثر ونظارات شمسية بل هي من نور ابيض لا تراها بقدر ما ترى ذلك الابيض يشع من الحروف عندما كان يكتبها في نصوصه الغامضة السوريالية, فتلك النصوص علمتني كيف اكون قارئة متمكنة اغرق ذاتي في الحروف قبل تحليلها, تلك المرأة مجهولة الهوية للقارئ وُجدت وحضرت في النص لكنها غائبة في الحقيقة.
عندما قرأت تلك النصوص اتتني الرغبة في العلو الى السماء والانعتاق الى الفضاء, اتتني الرغبة بالتجرد من المادة وملامسة الروح وتجسد الكمال.

لمن تشير تلك الكلمات؟

لا أدري فهي نصوص ملغوزه حوت بعض الاشارات والدلالات غير الواضحة حتى اني لم أتعرف الى كاتبها ولست أدري اذا كان كاتبا قصصيا أو شاعرا أو صحافيا فكل ما عرفته عنه انه يكتب ببراعة يجيد الحرف والتسكع بين الكلمات والنقاط والحروف, فهكذا بدت نصوصه وأعماله, يكتب بعمق شديد , يناجي الوحدة والروح والنفس الى الاعماق, فقد أحببت تلك النصوص المبعثرة ففيها نكهة خاصة وجميلة لانها لا تبحث عن ضوء أو شهرة فقط بحثت عن ذاتها وكمالها لكني حتى الان لا اعرف كيف ربطتُ بين كل تلك النساء وبين تلك المرأة المجهولة التي حضرت في تلك النصوص, فأولئك النساء كنّ مشهورات بعكس هذه المرأة المتخفية والمنطوية داخل سوريالية النص.
تجميعي لتلك النصوص كان حبا لاستطلاعها, حبا بتحليلها ومعرفة ما بين نقاطها, فأنا أحب نصوص الاشارات والالغاز, أحب النص الذي يجعلني افكر به اياما وأتساءل عنه شهورا. أعشق النص الذي يأخذ فكري بعيدا الى المعلوم والى المجهول, الى الجنة والى النار, الى بقعة ماء صغيرة والى عمق المحيطات. أحب النصوص المجهولة الهوية, الصامتة والمتكلمة, وهكذا كان حالي كقارئة مع تلك النصوص, فمن قيس بن الملوح أخذت اللوعة والحب العذري الطاهر, أخذت الحرمان والاهات والسهر. ومن عنترة اخذت العفة والترفع والسمو ومن جميل بثينة أخذت القدرة على مناجاة طيف الحبيبة الغائبة والحاضرة والماثلة في الوقت ذاته, أخذت الرقو والصور الحقيقية لخلجات ذلك الانسان, فلا عحب بأن أتذكر كل تلك الاسماء وان تحضر في نصي دون دعوة لذلك, فبعد قرائتي الاولى والثانية والعاشرة لتلك النصوص وتلك المناجاة الجميلة, جعلت ليلى الاخيلية تنتتفض والبومة تحلق عاليا معلنة الحياة.
عجيبة بومتي هذه, فبومة ليلى كانت خائفة أودت بها الى الموت, لكن البومة التي حضرت الان هي بومة متمردة بومة ارسلت الحياة الى نصي وكلماتي.
تلك النصوص كاتبها كان رجلا فمن الصعب أن تكون كاتبتها امرأة, فنادرا ما نجد نصا لامراة تتغزل بامرأة, لكن الكاتب هنا مجهول الهوية ومجهول الاسم والعنوان, لا أظنه باحثا عن الشهرة او حتى لا أظنه يبحث عن قارئ يقرا ما يكتب.
نصوصه لم تكن تناصا لاي شاعر مما ذكرتهم, بل خرجت من روح محلقة في السماء منعتقة من كل مادة ومترفعة عن اللذات والشهوات. فقد كان حبا أفلاطونيا عفيفا وواضحا ونادر الوجود في عصر الفضائيات والديجيتال.
من تكون تلك المختفية بين السطور؟
من تكون تلك النار العالية والخامدة في ذات الوقت؟
انا لست معلمة للغة العربية, وطلابي ليس بأستطاعتهم التكلم عن نصوص او حتى عن احتياجاتهم, فلم تبقى لي سوى أوراقي اناقش بها ما أفكر به.
كلها تساؤلات تجعلني كمتلقية أسألها لنفسي وذاتي. عودتي اليوم وتجميعي لتلك النصوص هي بمثابة حنين لقراءة نقاط تلك الحروف, هي حنين للعودة لتلك المرأة التي ذكرتني بليلى الاخيلية وهي ليست بليلى وليست عبلة ولا بثينة. عودتي هي الحنين لجمع الايام المبعثرة وسط ضجر الايام واللحظات التي مضت وسط سنين العمر, هي العودة الى النفس والى الروح والى الافلاك التي دارت حول تلك النصوص الرائعة. هي الحنين لملامسة روح تلك المرأة التي حضرت بقوة لكنها غابت بقوة.
الحضور والغياب اقطاب متنافرة لكنها تكمل بعضها, فقد كملت بعضها في دائرة تلك النصوص وكملت ذاتها في نصي المجرد.

ابتدا نصي ولم تنته تلك النصوص, ثمة بومة متمردة طارت من فوق نصي. صفعت كلماتي, جعلتني أحن الى ليلى, لكنها لم تستطع اسقاط حروفي ونقاطي, فعادت الي اليوم لتحيي تلك النصوص وتلك المرأة الغائبة الحاضرة.
كيف عادت ليلى الى الحياة وكيف انتفض توبه من قبره؟ فهل اسمح لنفسي بان أعيدهما الى الحياة ثانية ويحق لي ذلك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل