الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السجن بمناسبة شهر ذي الحجة

صائب خليل

2007 / 12 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


المستشار القانوني خالد عيسى طه رئيس منظمة "محامين بلا حدود"، يكتب: "أيجوز للحكومة ان لا تشمل السجناء بفرحة العيد!! " (1) ويرى ان اعضاء الحكومة "رغم هذا النجاح المدعوم من الامريكان لم يستطيعوا الوصول الى تعامل حضاري وفق القانون والتعارف مع السجناء."
ترى ماهو الـ" تعامل حضاري وفق القانون والتعارف مع السجناء."؟ ولماذا اضاف طه كلمة "والتعارف" الى الحضاري والقانون؟ ولماذا يجب ان يؤدي "النجاح المدعوم من الأمريكان" الى "تعامل حضاري وفق القانون والتعارف مع السجناء."؟ يبدو اننا بحاجة لمراجعة المفاهيم والأسس كما يحدث كثيراً في هذه الأيام المشوشة للرأس. لنفعل:

في بلدان الله الواسعة تتميز دولة القانون والدستور بتوزيع السلطات الثلاثة ولا تتدخل فيما بينها قدر الإمكان: الشرع يشرع والقضاء يحكم والحكومة تنفذ، والكل يعمل حسب الدستور والقانون، فتكون الدولة دولة قانون بقدر ما يحترم فيها القانون. تتعامل دولة القانون مع من تشك بجرمهم باعتقالهم اولاً لفترة محددة يتم فيها التحقيق الأولي، يتم بعدها توجيه التهمة لهم او اطلاق سراحهم ان لم توجد ادلة على ما اعتقلوا بسببه، ثم تجري محاكمتهم والحكم عليهم بالذنب او البراءة وتنفيذ الحكم.
هذه مسيرة القانون في دولة القانون، تكونت بعد جهود انسانية طويلة وتضحيات جسيمة، ويستحق من يسير وفقها الإحترام، ومن يخالفها ويسعى لعرقلتها يستحق الإستنكار والمحاكمة.

يسهم في بناء دولة القانون البرلمانيون الذين وقفوا بما يستطيعون من اجل سن قوانين حضارية تخدم البلاد ووقفوا بوجه قوانين تسعى لنهب الشعب واجياله القادمة او ارجاعه الى الوراء، وأبطال النزاهة الذين اصروا على تقديم وحوش كبيرة خطرة الى القضاء، وكذلك المنظمات والمؤسسات مثل مجلس القضاء الأعلى التي عملت على الضغط على القوات الأمريكية والعراقية لإطلاق سراح من مضى على اعتقالهم مدة طويلة دون توجيه تهمة لهم، وبلا شك القضاة والمحامين والمدعين الذين خاطروا بحياتهم وحياة اهاليهم واولادهم اشد المخاطرة ليحكموا على الأقوياء الخطرين وفق القانون، الشرطة حين تتصرف وفق القانون كما فعلت شرطة الفلوجة مثلاً حين افرجت مساء 12 ت1 عن 58 معتقلا لديها بسبب "عدم وجود ادلة على تورط هؤلاء في اعمال عنف او قتل.
هؤلاء وكل من عمل مثلهم كانوا يبنون سلطة القانون بدمائهم ودماء احبتهم..وهم يستحقون لذلك كل التقدير والعرفان. لقد كانوا يعلمون على تثبيت القانون من خلال العمل وفق "اسباب القانون".

لكن هناك من يصيح باصوات اخرى: "المصالحة" يطالب الإحتلال... "عفا الله عما سلف" يهتف الهاشمي. "العفو العام" يؤكد المالكي، و"أنا ضد الإعدام" يقول الرئيس الطالباني! عدا كونها كلمات "جميلة" و "انسانية" فهي تشترك ورغم ذلك للأسف بصفة واحدة هامة: سلب سلطة القانون!
نفس اسباب احترامنا لتصرف شرطة الفلوجة والقضاة الشجعان ورجال النزاهة، تدعونا الى عدم احترام هذه الهتافات. فمثلما تضع تصرفات شرطة الفلوجة الأسس للقانون وتحترمه، تنخر حركات الهاشمي والإحتلال والطالباني والمالكي القانون وتحتقره.

هذه الروحية الكارهة للقانون والمصورة له كوحش يتم الإنتصار عليه من قبل "ابطال الرحمة" في الأعياد فيبتهج الناس لاتقود الى احترام القانون بل احتقاره وعرقلة عمله وهو ما يوصل البلاد في النهاية الى كوارثها الحتمية المتكررة. انها الروحية التي ترى في القانون عدوها فتكرهه "بلا حدود" وتضع العراقيل في تنفيذه لسلطته في الدستور وفي التوافقات وقد ادى هذا الى ان يبقى المطلوبون له بعيداً عن يده، خاصة الكبار المسنودين منهم ورغم مذكرات رفع الحصانة المرفوعة من قبل مجلس القضاء الأعلى، ومن هؤلاء من جبهة التوافق وحدها: خلف العليان، ظافر العاني، عبد الناصر الجنابي، سلام الزوبعي، عدنان الدليمي، أسماء عدنان الدليمي، أسعد الهاشمي ومحمد الدايني!
في الأنظمة الديمقراطية يتم اسقاط الحكومة لمجرد "نزع الثقة" بأي من مكوناتها، اما في العراق فتستمر حكومة يكون فيها هذا العدد من كتلة واحدة ممن يتحصنون وراء الحصانة البرلمانية ليبقوا بعيداً عن يد القانون! انه مؤشر على قيمة القانون لدى البرلمانيين وكتلهم التي ترى توازناتها وحماية مجرميها اكثراهمية منه.

لنقرأ بعض الاخبار:
خبر: " وقال مستشار الامن القومي العراقي موفق الربيعي ان رئيس الوزراء نوري المالكي لديه خطة عفو وصفح ستؤمن الافراج عن الاف المحتجزين في السجون الحكومية العراقية." "عفو؟"، "صفح؟" جميل ولكن وماذا عن حكم القانون؟ ان كانوا مجرد "محتجزين" لماذا هم بحاجة الى "الصفح"، وعن اية جريمة؟

خبر: النائب سليم عبدالله، الناطق باسم جبهة «التوافق»:«الحكومة لم يكن في نيتها اصدار قرار العفو لكن الضغوطات التي مورست عليها من بعض الكتل دفعتها للترويج بأنها ستصدر عفواً عاماً».
وسليم يقصد ان التوافق هي التي ضغطت على الحكومة لإصدار العفو. الخبر تعبير حي عن احتقار التوافق للقانون والتفاخر بالضغط على الحكومة من اجل تجاوزه.

نفس المفهوم يؤكده حارث العبيدي رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب (!) حين قال أن عملية التفاوض لإطلاق سراح المعتقلين لم تشمل "طائفة واحدة وإنما شملت جميع العراقيين وكل المعتقلين وحتى من غير العراقيين الذين لم تثبت عليهم أية تهمة أو لم يرتكبوا جرما بحق العراقيين".
و لماذا يحتاج "الذين لم تثبت عليهم اية تهمة" الى مفاوضات؟ المفروض ان اية كتلة، حتى الحكومة، في دولة قانون لايمكنها ان تغير الحكم، فلم التفاوض إذن؟ ام ان الحقيقة هي ان كل كتلة تفاوض الآخرين من اجل حماية مجرميها من القانون؟

ينشغل سامي العسكري وصادق الركابي، مستشاري رئيس الوزراء، وغيرهما بالبحث عن "منفذ قانوني" للإفلات من الدستور العراقي وحكم القانون، كأن الدستور والقانون لم يكتبا لحل المشاكل بل هما المشكلة ويجب ايجاد حيلة للتخلص منهما!

نعود الى خالد عيسى طه الذي يرشدنا ان: " صدام حسين رغم كل دكتاتوريته كان يستغل المناسبات ويصدر عفواً عن السجناء بموجب القوانين وخاصة قانون السجون وقانون المرافعات الجزائية والعقوبات." ويقول "العراقيون السجناء هم نتيجة ظروف خاصة اوجدها الحصار الامريكي او التدخل الايراني اوجد هذا العدد الكبير داخل اسوار السجن."!
رئيس منظمة "محامون بلا حدود" يدعو للإسترشاد بصدام حسين في التعامل مع القانون والسجناء! ويعلمنا ان امتلاء سجون العراق لايعود الى صدام ونظامه كما كنا واهمين, وانما الى "الحصار الأمريكي أو التدخل الإيراني"! أن منظمة يرأسها من يقول بهذا اجدر ان تسمى "محامون بلا قانون" او "محامون بلا خجل".

يستمر المستشار "القانوني" خالد عيسى طه بالدعوة لتجاوز احكام القانون فيقول: "ان المغفور له عبد الكريم قاسم كان ميالاً للرئفة بالشعب" لاحظوا ان "الشعب" هو من كان يرتكب الجرائم وعبد الكريم يكرمه بالرأفة به!..." وكان الزعيم رحمه الله مستمراً بترديد شعاره المعروف الرحمة فوق القانون والعفو عما سلف في الوقت الذي كان العراقيون ولازالوا ينتظرون بفارغ الصبر ايام الاعياد المباركة والمناسبات الوطنية مثل عيد الجيش وعيد الاستقلال وعيد العمال ويوم المرأة"
دون ان يدري، يأتي السيد طه بأمثلة يجدر بنا ان ننتبه لها فعلاً، فقد دفع الشعب العراقي ثمناً غالياً من ابنائه ومستقبله نتيجة تدخل رحمة الزعيم في مجرى سريان القانون وإطلاق سراح من كان القانون يريدهم خلف القضبان، وقد بين الزمن وبطريقة لايرقى اليها الشك وبكلفة بالغة ان التدخل في مجرى سير القانون كاللعب بالنار، وقد اصابت العراق بالحريق فعلاً، وهاهو السيد المستشار القانوني يدعونا بلا تفكر الى تكرار ذلك!

واخيراً راح السيد المستشار يتغزل بحساسية الإحتلال ورقته المفرطة بكلمات تذوب شعراً فكتب ان الإحتلال "شعر بحاجة ان يلمس مكامن ألم هذا الشعب الصبور فقرر اطلاق سراح حوالي مائتين وثلاثون عراقي معتقلاً في سجن المطار وكانت فرحة الاهل كبيرة واصبح العيد عيدين."!
في وهج اندفاعه العاطفي الساخن نسي رئيس منظمة "محامون بلا حدود" أن يخبرنا من كان الوحش الذي لم يكن لديه الحنان اللازم لـ " يلمس مكامن ألم هذا الشعب الصبور" فسجن هؤلاء؟
من يقرأ السيد خالد عيسى طه يتخيل انه يحسد من يأتيه العيد وهو سجين في كوانتانامو او ابو غريب او سجون السي آي اي السرية في اوروبا وبعض الدول العربية، فينعم بذلك "اللمس لمكامن الألم"!

لكن رئيس منظمة "محامون بلا حدود" ليس وحيداً في ما ذهب اليه:
خبر: قال مدير شرطة كربلاء، انه تم، الجمعة، إطلاق سراح 128 معتقلا، من معتقلي أحداث كربلاء، من الذين لم تثبت إدانتهم ، بمناسبة عيد الفطر(!!)
خبر: اعلنت القوات الاميركية والعراقية اليوم عن اطلاق 108 معتقلين في بعداد و160 في الرمادي لمناسبة عيد الاضحى!!

إعتقال الناس ليس أمراً يسيراً، وابقاءهم في السجن يوماً اضافياً واحداً اكثر مما يحتاجه التحقيق او تنفيذ الحكم، جريمة، فلم تم انتظار العيد لإطلاقهم؟ وان كان القانون قد حكم بأكثر فمن له ان يغير الحكم؟
من يحترم القانون عليه ان يتبعه في عدله وجماله وفي قسوته وحديته، وليس ان يختار منها ما يروق له. أما من يرى ان القانون مجرد "جرة قلم" فله ان يحكم متى يشاء ويعفي حسب ما يتكرم اختياره من "الأعياد المباركة والمناسبات الوطنية وعيد الجيش وعيد الإستقلال وعيد العمال ويوم المرأة"!

إذا كان هذا امراً انسانياً فأقترح على السيد خالد عيسى طه، او من يوافقه مبدأه من "محامون بلا حدود" او غيرها، الإستفادة من خبراته القانونية والمبادرة الى اقتراح قانون جنائي جديد للبلاد تحدد فيه العقوبات بعدد المناسبات الوطنية التي يجب ان يقضيها المدان في السجن، مثلاً "يبقى السارق حتى اول مناسبة قادمة" و القاتل يحكم بـ "السجن لأربعة مناسبات". بهذا يمكن تعميم فائدة الرحمة وتقنينها لكي لا يظلم احد، خاصة وان من" يلمس مكامن ألم هذا الشعب الصبور" قد لايبقى الى الأبد. هناك مشكلة واحدة في هذا: الناس ستضطر للإختباء في بيوتها قبيل المناسبات لأن الجرائم ستكثر بشدة في تلك الفترات، وستكون الأعياد اعياداً للمجرمين فقط!

في دولة القانون يكون إعتقال الناس لأسباب محددة, واطلاق سراحهم يجب ان يتم فور انتهاء هذه الأسباب، لذلك فمن صح الإفراج عنه بمناسبة العيد، فلا شك ان اعتقاله كان بمناسبة بدء شهر ذي الحجة!
.
.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=119457 (1)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -السيد- حسن نصر الله.. رجل عاش في الخفاء وحوّل حزب الله إلى


.. عاجل | حزب الله يؤكد مقتل حسن نصر الله في الضربات الإسرائيلي




.. عاجل | الجيش الإسرائيلي: نحن في حالة تأهب قصوى وهذا ما سنفعل


.. القبة الحديدية تعترض صواريخ في سماء رام الله أطلقت من جنوب ل




.. ‏عاجل | حزب الله: استشهاد حسن نصر الله