الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صور كولونيالية – فكر كولونيالي

ثائر دوري

2007 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


الصورة الرئيسية لصحيفة الحياة يوم 23/12/ 07
"جندي أميركي يعزف على العود لأطفال عراقيين في مدينة الصدر بضاحية بغداد أمس"
الجندي بكامل لباسه الميداني من الحذاء إلى الخوذة و ما بينهما ، لكن بدل السلاح يحمل العود ، و العود آلة شرقية بحتة لا يعرفها الغربيون و لا يستسيغون صوتها و لا يمكن أن تُدمج موسيقاها في موسيقاهم إذ لا مكان لربع الصوت في الموسيقى الغربية . تستجر الصورة هذه أسئلة منطقية مثل:
من أين حصل الجندي الأمريكي على العود ؟ و أين تعلم العزف عليه ؟ و هل يحمل الجنود الأمريكان في العراق أثناء تجوالهم آلات موسيقية بدل الأسلحة ؟ و هل حملات المداهمة التي يقومون بها هي لعزف الموسيقا للصغار ، لا لاعتقال الكبار و ترويع الشيوخ ، و النساء ، و الأطفال .
عدد الأطفال في الصورة سبعة أطفال تراوح أعمارهم بين أربعة أعوام و خمسة عشر عاماً ، كما يبدو ، إذ أن هناك فتاتين محجبتين . يقف الأمريكي في جهة و الأطفال في الجهة الأخرى و هذا هو الشيء الوحيد الحقيقي في الصورة ، فلو كان الطرفان فريقاً واحداً لتحلق الأطفال حول الجندي على شكل دائرة ، كما يحدث في ظروف مشابهة ، لكن اعتبارات الأمن و الخوف تجبر الجندي على البقاء بجانب الحائط محتفظاً بمسافة عن الأطفال ، هو في جانب و الأطفال في جانب ، أما الكاميرا فهي خلف الأمريكي ، تصور الأطفال كما يراهم الأمريكي ، فالكاميرا تنقل وجهة نظر الجندي الأمريكي كما يفعل الصحفي ، و كما تفعل صحيفة الحياة ، ألم يخترع البنتاغون المراسل embedded . أي المدفون ، المطمور ، المرافق للقوات الأمريكية ، الذي يأكل و يشرب و ينام معهم في سرير واحد . فكيف يرى الأمريكي الأطفال العراقيين ؟
الأطفال أثيرون على قلوب المستعمرين ، فالصورة النمطية الشائعة للأطفال في الأدب الكولونيالي أنهم طيبون على عكس الكبار ، و هذا يفسر خلو الصورة من أي بالغ ! فالأدب الكولونيالي يُبجل الأطفال على طريقة النكتة الحمصية التي تقول إن الحمصي الصغير أذكى من الحمصي الكبير لأنه ليس حمصياً منذ زمن بعيد ، و كذلك أطفال المستعمرين ( بالفتح ) مازالوا طيبين لأن ثقافة أهلهم المتوحشة لم تفسدهم بعد. أو أنهم أفاعي صغيرة ليست قادرة على اللدغ بعد .
هذه الصورة الدعائية المفضوحة تلخص الحكاية الكولونيالية منذ بدء التاريخ الكولونيالي و حتى اليوم ، مستعمر جاء لتحضير أهل البلد ، لذلك يعزف لهم الموسيقى ، و يحاول أن يخدعهم بإشعارهم أنه واحد منهم لذلك يستعمل الجندي العود ،الآلة الشرقية بامتياز ، و لنتذكر أن نابليون أعلن نفسه الحاج محمد نابليون و أشهر إسلامه و ارتدى اللباس التقليدي، كما أننا نشاهد كل يوم عشرات السياح الغربيين يرتدون الشماخ و هم يظنون أنهم اندمجوا وسط السكان ، فيتحول منظرهم إلى مادة للتندر حالهم كحال هذا الجندي لولا أن صحيفة الحياة تعاملت معها بجدية ، و ما أدرانا أن هؤلاء الأطفال لا يعاملون الجندي كمادة كوميدية ؟ و أخيراً تستخدم الصورة الأطفال أحباء قلوب المستعمرين لأنهم صفحة بيضاء لم يوسخها أهلهم بعد .
لكن رغم كل عمليات التمويه و غسل الدماغ تبقى الصورة تشي بالكثير، الجندي و الأطفال على طرفين و بينهما مسافة، و بوضعين مختلفين . فهل يستقيم فرح الطفل مع البسطال العسكري !!
طوبى لجريدة الحياة التي مازالت قادرة على إدهاشنا بقدرتها على ابتكار وسائل تتبني وجهة نظر "الآخر" ( كلمة أثيرة على قلوب كتاب الحياة ) المستعمر )بالكسر ( و ايديولوجيته ، على صدر صفحتها الأولى و في مقالات كتابها . إنها تنظر من عدسة الكاميرا التي التقطت هذه الصورة الكولونيالية للجندي الأمريكي . هل نتحدث عن صحافة Embedded !
و في 17 / 12 تصدر لجنة إعلان دمشق في فرنسا بياناً للتنديد بالإعتقالات في صفوف الإعلان في سوريا . السطر الأول منه يقول :
(( في الوقت الذي يحتفل فيه العالم المتحضر باليوم العالمي لحقوق الإنسان ( العاشر من الجاري) ))
و المقصود بالعالم المتحضر هو الغرب ، فالغرب وسم نفسه بالتحضر منذ القرن السادس عشر ، مقابل الهمج البدائيين في بقية أرجاء العالم ، ثم انطلق في رحلة اجتياح دموي لتحضير العالم غير الغربي الهمجي . أما الديمقراطية و حقوق الإنسان في الخطاب الغربي المعاصر فهي نسخة من خطاب تحضير العالم ، مع العلم أن الترجمة الدقيقة لتحضير العالم كما مارسها الغرب على مدى القرون الماضية تساوي : الإبادة ، و الإستعباد ، و النهب ، و تجارة الرقيق .
فهنيئاً للجنة باريس تبنيهم خطاب المستعمر "المتحضر ". هل نتحدث عن مثقفين Embedded!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع