الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوصــايا العشـــر

مصباح الغفري

2003 / 11 / 25
الادب والفن


حدَّثنا أبو يســار الدمشــقي قال :
سُــدَّت في وجهي الآفاق، وشحَّت الأموال والأرزاق، واجتواني حكام الشام والعراق. لكنني لم أفقد الأمل، وقلت لا بدَّ من العمل، دون كَلَل أو مَلَل. وتمَثَّلتُ بقول الحريري صاحب المقامات:
إعمَـــل لرزقك كلَّ آلَــــة              لا تَقعُدَنَّ بذُلّ حالــــة
خرجت من الدار في الصباح، ولما تبدأ الديَكَةُ بالصياح. ورحتُ أتمشى في الطريق، باحثاً عن صاحبٍ أو صديق. لعلَّ ذلك يُفَرّجُ عني الكُربَــة، وأنا في بلاد الغُربــة. وبعد أن ســرت ســاعة على غير طائل، إذ أنا ألتقي بصديق مناضل، وهو صحافيٌّ فاشل. عرفته منذ الصغر، لا يُفرّق بين الأنثى والذكر. صـاح بي حياك الله يا أبا يســار، أما زلتَ تجوب الأقطار، وتلعبُ القُمــار؟
قلت له على رسلك أيها الصديق، أنا اليوم غريقٌ أو كالغريق، لقد ضَلَلتُ الطريق! ذهبت أيام المال، وأصبحت في أسوأ حال. فقصدت هذه المدينة، أبحث عن غنيمة. فهل لك أن تساعدني في الحصول على عمل، قال: أجل ثم أجل! ألم تسمع أنني أصبحت من أصحاب الجَرانيل، والمال يتدفّقُ عليَّ كالطير الأبابيل؟ أنا الآن صاحب دار للنشر والصحافة، وتحت إمرَتي يعمل ذوو الحصافة. لم أعُد فاشلاً وغبياً، لقد أصبحت رجلاً ثرياً. أنا اليوم كاتب مشرق البيان، يُشــارُ إليَّ بالبنان. لقد أصبحتُ من أصحاب الملايين، خلال بضعة سنين!
قال أبو يسار الدمشقي:
فأصبتُ والله بالاستغراب، من هذا العَجَبِ العُجاب. فكيف أمكن لهذا الفاشل الجاهل، أن يصبح من الكتاب الفطاحل؟ لكنه حين لمَحَ على وجهي علامات الاستنكار، ضحك بغرور واستكبار. ثم راح يُتحفُني بالنصيحة، ويدعوني إلى ما يشبه الفضيحة. قال: إذا أردتَ أن تُصبحَ من حَمَلَة الأقلام، في خمســة أيام. فما عليك سوى اتباع وصاياي العشر، فبها تقبر الإفلاسَ والفقر. قلت : لقد شــوّقتَني والله للسماع، فهات ما عندك قبل أن أصابَ بالصُداع. قال:
• إذا أردت العملَ في الصحافة، فاترك الثقافة وأتقن السخافة.
• أكتب كما يُريدُ الحكام، تَعِش برَغَدٍ وســــلام.
• إمــدَح من يملك المال، تصبحُ بأحســن حال.
• غيّر رأيك صباحَ مساء، كما يريد المسؤولون والشيوخ والأمراء.
• وَثّق علاقاتك بأجهزة المخابرات، تتدفقُ عليك المليارات.
• كن صديقاً لضباط الجيش، تَنَل أفضَلَ عيش.
• أكتب عن حكمة الرؤساء، ولو كانوا أغبياء.
• سَــبّح بحمد زيت الكاز والنفط، تأمن الفاقــةَ والقحط.
• إعلم أن من تزوّجَ أمَّـــك، هو لا شـــكَّ عمــك.
• وأخيراً ، لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن خنته خانك.
• ثم أردفَ يقول، وعمر القارئين يطول:
أنا رئيس التحرير، وســأعيّنك نائباً لي أيها الكاتب النّحرير. فما رأيك، دامَ فضلُك؟
قلت : أنت تعرف أنني اشتهرت بالوفاء، لا أخلع الأصحاب والأصدقاء. والفقرُ صديق حميم، عرفته من قديم. ثم إن الجوع والإفلاس والتعتير، أفضل من الرزق ببيع الضمير.
ضحك صديقي حتى قَلَبَ على قفاه، وصاحَ أواه ثم أواه. ألا زلتَ تبحثُ عن الصدق، هذا وايمُ الله عين الجنون والحُمق. أدُلُّكَ على طريق الأثرياء، وتدلني على طريق المساكين والفقراء؟
وأطلق صاحبي ســـاقيه للريح، وكأنني مجذوم يفرُّ منه الصحيح.
وبكى أبو يسار وتنهّد، ثم مالبث أن أنشـــد:

خطـــان ما افترقا: فإما خِطّـةٌ             يَلقى الكَميُّ بها الطغاةَ مُناصـــبا
الجـوعُ يَرصُدُها، وإما حِطّـةٌ              تَجــترُّ منهـــا طاعمـاً أو كاســبا

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محامي ترامب السابق -مايكل كوهين- يعترف بـ-الكذب- نيابة عنه ف


.. أحمد عز يقترب من انتهاء تصوير فيلم -فرقة الموت- ويدخل غرف ال




.. كلمة أخيرة - الروايات التاريخية هل لازم تعرض التاريخ بدقة؟..


.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حوار مع الكاتب السعودي أسامة المسلم و




.. تفاعلكم | الناقد طارق الشناوي يرد على القضية المرفوعة ضده من