الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنياب العصافير

سعدون محسن ضمد

2007 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لا أحد يستطيع أن يراهن على شيء في المشهد العراقي، خاصَّة مع تعدد اللاعبين، وكثرة الحكّام، وضياع القوانين التي يمكن أن تحكم اللعبة. ليست هذه حال العراق فقط بل هي حال كل دول العالم المفتوحة على عصر العولمة. إذ مع العولمة لا يكون العراق وحده عبارة عن شأن تندس فيها أنوف الجميع. بل جميع التطورات السياسية والاقتصادية أصبحت مشاعة، لم تعد هناك خصوصيات.
وعمليات التدخل في الشؤون الداخلية أخذت تكتسب شرعيتها بالتدريج. فمن غير المعقول أن تكون القنبلة النووية الإيرانية (مثلاً) شأناً داخلياً يخص إيران، وبالتالي يُنتَظر من السعودية أن لا تحرك ساكناً بخصوص التهديدات التي تشكلها هذه القنبلة. كما أن التحكم بسياسة انتاج البترول ـ التي تؤثر بصورة مباشرة في اقتصاد الدول العظمى ـ لا يمكن أن تترك بسهولة للدول المنتجة للنفط، والمصالح أصبحت متشابكة لدرجة معقدة جداً، والحدود أصبحت مخترقة بفضل تكنولوجيا المعلومات. هذه التفاصيل تدفعنا لأن نكون أكثر دقة ونـحن نرصد الأحداث ونقيم الأداء.
خلال العام 2007 حقق العراق الكثير من الإنجازات ودفع الكثير من الخسائر. وقد يكون هو العام الأصعب من بين الأعوام الأربعة الماضية. فقد بلغت وتيرة أعمال العنف ذروتها في بدايته، وبدا على الحكومة المنتخبة أنها تترنح تحت وقع ضربات الإرهاب. وربما كان الحديث عن أي انفراج أمني تلك الأيام ضرباً من الخيال أو الخرافة. لكن مع ذلك استطاعت الحكومة، بل استطاع رئيس وزرائها أن يكون بمستوى التحدي وينقذ العراق من مأزق الدمار.
وإذا كان علينا أن نختار أهم التطورات العراقية التي حدثت خلال العام المنصرم، فأعتقد بأن الانظار ستتوجه نـحو مؤتمر صحوة الأنبار، والانجاز العظيم الذي حققته العشائر التي أيقظت العراق من كابوسه المرعب وهي تختار، بلحظة حاسمة، أن تلعب جولتها الأخيرة مع العراق وليس ضده. بالتأكيد كان لهذا الموضوع ملابسات معقدة، فتلك العشائر تعرضت لضغوطات كثيرة دفعتها نـحو قرارها الحاسم، منها التطورات السياسية السريعة التي قلبت موازين القوى ورفعت ـ وبسرعة غريبة ـ مجموعة من الشخصيات من هامش الجسد الاجتماعي (السني) إلى متنه، الأمر الذي منحها استحقاقات كبيرة جداً. ما أحرج بل وأثار حفيظة الكثير من الشخصيات، ومنها شيوح العشائر الذين يعتقدون، محقين، أنهم المتن في مناطقهم ذات الأغلبية السنية، وأن لهم استحقاقات اجتماعية وامتدادات جماهيرية أكثر أهمية من استحقاقات الهامش. وهنا لا بد من انتقاد فعاليات المصالحة الوطنية التي كرست جهدها اتجاه الكيانات الطارئة التي لا تتمتع لا بهيمنة حقيقية على الجماعات المسلحة أو الارهابية، ولا بقاعدة جماهيرية تجعلها قادرة على النهوض باستحقاقات المصالحة.
أيضاً كان لغباء قياديي تنظيم القاعدة أثر واضح في ولادة مؤتمر الصحوة، خاصَّة وهم يعتقدون بأن الشعارات الدينية تستطيع بحركة سحرية أن تلغي الكيان العشائري. الأمر الذي دفع بهم اتجاه إساءة الأدب بحق هذا الكيان بين أهله وعلى أرضه. ومع أن مثل هذه الضغوطات وكثيرة غيرها اشتركت بإفراز مؤتمر صحوة الأنبار غير أنها لا تلغي أبداً الاستحقاق التاريخي الذي يجب أن يسجل لقادة هذا المؤتمر ممن انفردوا باتخاذ قرار إنقاذ العراق من قبضة الإرهاب المتوحش.
لكن ـ وبما أننا قلنا في بداية هذه المادة بأن لا شيء في العراق يمكن المراهنة عليه ـ ثمة سؤال يطرح نفسه، وهو كيف يجب على الحكومة أن تتعامل مع عشائر مؤتمر الصحوة. على المستوى السياسي على الأقل؟ خاصَّة وأن هذه العشائر أصبحت تسيطر على قوة عسكرية لا يستهان بها من جهة، ومن جهة أخرى تعمل بأجندة قبلية، بمعنى أنها لا تنضبط بالضرورة لاشتراطات الدولة المدنية. ففي نهاية المطاف يبقى مؤتمر الصحوة عبارة عن تجمع عشائري. بمعنى أنها كتلة من الناس لا يجمع بينهم سوى كونهم أقرباء.. لكن ما العيب في أن يتجمع الأقرباء ليشكلوا كياناً سياسياً خاصاً بهم؟
عندما تريد الحكومة أن تتنبأ بسلوك كيان سياسي، في إطار التفاوض معه، فإنها ستنطلق من برنامجه، أو من مرجعيته الآيديولوجية. لكن كيف يمكن لها أن تتنبأ بسلوك عشائر الصحوة في إطار الإعداد لمنحها استحقاقات سياسية؟ وقد يكون أمر غياب الآيديولوجيا مبعثاً على الاطمئنان وليس القلق فقد يعني بأن هذه العشائر لن تكون لديها مواقف مسبقة من الأشياء. فليس لديها مواقف محددة من الاحتلال ما يؤدي بها لقتل الناس تحت شعارات التحرير الكاذبة. ولا هي موجهة ضد طائفة ما أو عرق محدد، ما يدفع بها لإخفاء مخابرات الدول المجاورة تحت عباءتها. لكن ما يجب على الحكومة بصورة خاصَّة والدولة العراقية بصورة عامة أن تحسب حسابه، هو أن مكافحة المسلحين الخارجين عن القانون لا يمكن أن يكون عن طريق تسليح آخرين غيرهم خارج إطار القانون. وإذا كان الوضع العراقي الاستثنائي قد فرض على الحكومة مثل هذه التركيبة السحرية، فعليها أن تتعامل معها بشكل آخر وبالسرعة الممكنة. بالتأكيد فان هذا الأمر لا يعني أن تتعامل مع مؤتمر الصحوة باعتباره علاجاً انتهت صلاحية استخدامه ويجب بالتالي أن ننتهي منه بشكل أو بآخر. فبعيداً عن ضرورة إيفاء هذا المؤتمر استحقاقاته الوطنية، فإن عملية إقصائه بشكل فض، ستقلبه لعدو شرس للعملية السياسية، لا يقل خطورة عن القاعدة نفسها. وهذا ما يجعلنا نقول ان مؤتمر الصحوة مكسب تاريخي يجب الحفاظ عليه من تشابك المصالح وتداخلاتها. بمعنى يجب على الحكومة أن لا تتركه ريشة في مهب رياح مخابرات ومصالح دول الجوار.
بالتأكيد هناك حلول كثيرة لعقدة التناقض بين العشائر المسلحة والدولة المدنية الناشئة. من هذه الحلول أن تعمد الدولة لدفع هذه العشائر اتجاه تشكيل كيان سياسي واضح الأهداف ومنضبط لفقرات برنامج محدد، حتى تكون جميع خطوات التساند بين الطرفين متأسسة على هذا البرنامج، ويكون بالنتيجة العقد المبرم بينهما محدد وإلزاماته واضحة. وللحكومة في مخاضات التيار الصدري تجربة مفيدة، فالتيار كان وربما لا يزال غير منضبط وفق برنامج محدد، الأمر الذي دفعه لاتخاذ قرارات أقل ما يقال عنها بأنها يعارض بعضها بعضاً. الأمر الذي أوقع الحكومة بمأزق التعامل معه. وهكذا إلى أن توصلت لخطوت دعم أي تشكيل حزبي يمكن أن يولد داخل التيار ويسهل عليها أمر التعاقد معه على قضايا ثابتة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول مناظرة في فرنسا بين الكتل الانتخابية الرئيسية في خضم حمل


.. وساطة إماراتية تنجح بتبادل 180 أسيرا بين موسكو وكييف




.. استطلاع: ارتفاع نسبة تأييد بايدن إلى 37% | #أميركا_اليوم


.. ترامب يطرح خطة سلام لأوكرانيا في حال فوزه بالانتخابات | #أمي




.. -أنت ترتكب إبادة-.. داعمون لغزة يطوقون مقر إقامة وزير الدفاع