الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هناك في روالبندي .......

رشيد كرمه

2007 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


كنت في روالبندي............
قذفتني حماقات حكامنا المسلمون عربا ً وغيرهم الى حيث واحدة من عشرة أهم البلدان فقرا ً في العالم ( باكستان ) وذلك في الثمانينات من القرن الماضي , ولقد حرجني السؤال الذي وجه لي من قبل دائرة الهجرة في إسلام آباد وهو سؤال على اية حال لابد من التوقف عنده مليا ً( مالذي حدا بك ان تأتي الى هذا البلد الفقير وانت من بلد نفطي ـ العراق ـ ولقد مررت بدولة نفطية اخرى ـ ايران , وهل فكرت بلقمة مَن مـِن المعدمين ستأخذ ؟ )
ورغم جوابي السريع : ان التحررمن دولة القمع والرعب البعثي وأساليبه ومن ثم محاولة الخلاص من الدولة الدينية وحكم الطائفة وما يترتب عيها من العودة الى قرون سحيقة لهي أهم بكثير من الوقوف طويلا ًوالتفكير بأنني سأخذ لقمة أحد ما . وفي كل الأحوال وضمن المنطق التأريخي والأجتماعي والسياسي استطيع القول باننا في العراق شهدنا الجوع على أشده رغم النفط , وقد سرقته الشركات النفطية الأجنبية والبريطانية وباشوات العهد الملكي والأشتراكية العربية فيما بعد .
لم يقتنع الرجل واعتبر إجابتي هرطقة ما وتهربا من منطق..
لم يمضي على وجودي في باكستان كثيرا , حتى صحوت على ( رؤية في منام ) الجنرال القاتل ـ ضياء الحق ـ حيث طاف في نومه نبي الرحمة محمد مؤسس الأسلام يأمره بأن تتحول باكستان من دولة تحث الخطى نحو مباهج الديمقراطية الى دولة إسلامية طائفية وإن استعارت مصطلح الجمهورية الغربي , وهكذا أطاح المجاهد وزير الدفاع ( ضياء الحق ) بالزنديق والمرتد عن الأسلام الرئيس المنتخب ( ذو الفقار على بوتو ) وأعدم رغم الحملة العالمية لأنقاذ حياته .
وعندما أنهى الأمريكان عقد العمل معه , نتيجة ما أفرزته العملية السياسية والعسكرية في أفغانستان والتدخل السوفيتي وما تداعت لها ظروف الحرب الطويلة العراقية ـ الأيرانية وضعوا له صندوقا ًمن المانغو المفخخ في طائرته ليتعشى بها مع الرفيق الأعلى هناك ....
ووجدتُ الناس على إختلاف مشاربهم مبتهجين سواء في افليم السند او البنجاب او بلوشستان او كشمير ليس فقط في إختفاء جنرال دموي وإنما لعودة ذكرى رمز شعبي وان كان إمرأة تحمل إسم ( بوتو بي نظير ) وكان صديقي الطبيب الباكستاني الذي أجرني غرفة في داره قد أهداني صورة لها علقتها كباقي الناس على الجدار لأصبح وامسي عليها لأن من غير المسموح ان يعلق طرف عينيك بأنثى صغيرة وكبيرة لأن المرأة ( عورة إجتماعية ) بالمطلق هكذا أرادها الله ؟؟؟
في كراجي هذه المدينة المزدحمة بالبواخر العملاقة والمترامية الأطراف والخرافية في آن واحد شاهدت مع جموع غفيرة من كل الأصناف ولأول مرة ( بي نظير بوتو ) تلوح بيديها تحية للناس المحتشدة على جانبي الطريق ومن على السطوح والشرفات , ولقد بكيت بحرقة ألما ً وفرحا ً, على غربتي وعلى تعاطف الناس وترحيبهم بأمرأة تبشر بالطريق الديمقراطي وكان بكائي مُرا عندما عرجت على حلم الديمقراطية في بلدي وان لابد من الأحتفاء يوما ما في الشوارع كما الباكستانيات والباكستانيون !!!!!!!!
ولقد إستغرق الأمر كثيرا ً من الجهد والتدافع والزحام حتى ألمحت هذه الأنثى التي إرتعب منها أولياء الله بما فيهم ( نواز شريف ) المنافس التقليدي لها منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا بل انه ذهب في حملته الأنتخابة نهاية الثمانينات بتلقيق وتشويه سمعة ( كل نساء ذو الفقار علي بوتو ) وكنت قد عشت تجربة التدافع عند مشاهدة الرئيس العراقي الشهيد ( عبد الكريم قاسم ) حيث زار في بداية الستينات مدينة كربلاء مفتتحا معمل التعليب الذي ساهمت بأنشاءة يلغاريا على أكثر الظن .
اسفرت أنتخابات الباكستان في أواخر الثمانينات عن فوز حزب الشعب الباكستاني الذي تتزعمه ( بي نظيربوتو ) حيث اصبح لقبها الجديد بنت الشعب واصبحت صورها مشاعة لدى الجميع كما كونت عائلة ( بوتو ) مؤسسات إجتماعية للمرأة الباكستانية تشرف عليها السيدة ( نصرت بوتو ) والذي اطلق عليها لقب ـ البيكَم ـ وتعني ( باجي ) باللغة الأوردية وتطابق في اللغة العربية ـ الأخت الكبرى ـ ولقد لحق هذا اللقب خطأ تفسيرنا السلبي كغيره من أخطاء ....
في مناسبة الحديث عن كراجي هذه المدينة الرهيبة بكل شئ والتي كانت عاصمة باكستان يوم أستقلالها عن الهند بقيادة ( محمد علي جناح ) يتخرج يوميا مئات الطلبة من المدارس الدينية الأهلية وكلهم يلقنون ان لاعورة في الكون إلا المرأة وان الحديث عن منجزات الغرب ماهي إلا الكفر وليس هذا وحسب بل ان المملكة العربية السعودية تغدق من جانبها بالأموال من أجل نشر الوهابية التي تحلل قتل الجميع بعد تكفيرهم وبأمكانكم تخيل ان هذه المدينة وسواحلها في المحيط الهندي قد شهدت في الثمانينات قطع رؤوس عراقيين كانوا معارضين لنهج الدكتاتور المقبور صدام حسين ؟؟؟؟
ولا تنسوا ان هذه المدينة هي ساحة صراع مفتوحة وعامة بين المهاجرين وأنصار الأسلام وبين الأسلام والكفار وبين عباد النار وعباد الأشخاص وفي كراجي ساحة سجال لتصفية الحسابات الطائفية بكل ماتحمل هذه الكلمة من معنى فلقد بنت وشيدت وأقامت الجمهورية الأسلامية الأيرانية مراقد لاعد لها ولا حصرفي عموم باكستان ومنها مرقدا يشبه مرقد الأمام الحسين بن علي بن أبي طالب المدفون في كربلاء في مدينة اسمها ( الرضوية في أطراف كراجي ) , ويمارس وكيل المرجعية الدينية سواء في قم او النجف دوره في إستحصال أموال الخمس والزكاة الذي تقدمه ملايين الجياع الذي يحرص على لقمتهم المحقق الباكستاني ...
وكنت قد أشرت في مرة كتابة ًعن نظام أستحدثه الباكستانيون لأطعام الشحاذين وذلك عبر عقد ٍ او إتفاق إجتماعي بين أصحاب المطاعم وجمهور الشحاذين يقضي بأطعام شحاذ ذكرا أو ( عورة ) بعد بيع كل عشرة اطباق للزبائن , وكنت تواقا للإصطفاف في طابور الشحاذين لولا الرذيلة الأجتماعية ..
حملت نفسي واتجهت بقطار عجيب من ميناء كراجي الى مدينة اسلام آباد حيث قبلت كلاجئ سياسي وبحثت عن سكن متواضع في روالبندي ومن هناك راسلت صحف المعارضة العراقية ومنها جريدة الغد الديمقراطي لسان حال التجمع الديمقراطي العراقي التي تحملت بمفردها شرف الدفاع عن مجموعة من العراقيين الذي باعتهم المخابرات الباكستانية الى جهاز المخابرات العراقية ولقد توسطت حينها قيادة التجمع الديمقراطي العراقي ومن خلال الراحل المبدع فقيد الفكر ( هادي العلوي ) وعن طريق ( مرتضى بوتو ) شقيق ( بي نظير ) الذي كان مقيما في دمشق وكنت قد استلمت توجيهات من قيادة التجمع وعن طريق الرفيق ( ابو إنتصار ) مع رسالة شخصية من الفقيد ( هادي العلوي ) للإتصال برئيسة الوزراء الباكستاني غير ان السياسة والمصالح شئ والعلاقات شئ آخر وبالتالي رتب لي لقاء عاجل مع أخت الشعب الباكستاني البيكَم ـــ باجي ( نصرت بوتو ) ـ وكان برفقتي أحد الأخوة الأكراد المهندس ( شفيق ) كمساعد لغوي لي في الأنكَليزية .
أفضى اللقاء الى الأفراج عن كل العراقيين المحتجزين , واحبطت محاولة البعثيين عبر تضامن اللاجئين العراقيين وتنظيماتهم السياسية والأجتماعية ,
تمتاز مدينة روالبندي بالكثافة السكانية والتنوع الديني والمذهبي وتعتبر المنطقة مضخة اسلام آباد للأيدي العاملة سواء في الزراعة والرعي والخدمات العامة حيث لاتبتعد روالبندي عنها سوى 14 كم وبالأمكان ملاحظة سيمائيات المجتمع الباكستاني في هذه المنطقة حيث يلف الحجاب غالبية الأناث وتفتقر المدارس لللكثير من اللوازم بدء من لوحات الدرس وانتهاء ( بمقاعد الدراسة ) حيث يفترش الطلاب الأرض وكل يملك قطعة طباشير مع لوحة خشبية بمثابة دفتر للمعلومات , ويحتوي مركز مدينة روالبندي على ( المركز الثقافي الأيراني ) حيث يغدق على الناس بأدعية كميل ودعاء غدير وزيارة وارث !!!!! إضافة لأشراف المركز على مراسم العشرة الأولى من شهر عاشوراء كل عام ,
كما تحتل المملكة العربية السعودية كل اسواق وشوارع وحوانيت المدينة فاسماء الملك فيصل وفهد وعبد العزيز والأمراء مخطوطة على لوحات حكومية كما ان الجوامع تبشر للوهابية وتدعو الناس للصلاة وتمنع سير المواصلات لأن العباد يؤدون فريضتهم في الشوارع رغم ان المدمنين على تناول الحشيش فاق نسبة الأميين الذي تجاوز 85% في آخر إحصائية من باكستان .
تعتبر هذه المدينة معقلا كبيرا لحزب الشعب الباكستاني في نهاية الثمانينات ويبدو لي ان القرن الجديد قرن ارهاب المتطرفين من كل المذاهب الأسلامية وليس هناك أضعف من الديمقراطيين في المحيط الأسلامي فما بالك بهذه المدينة الذي تتناوشها التيارات الطائفية وطالبان ليست بعيدة عنها وفوق هذا وذاك مابالك بالمرأة اذ هي أضعف حلقات المجتمع في الوقت الراهن سواء في افغانستان وباكستان والعراق وايران لأن القانون الدولي لا زال ينظر الى إرهاب الدولة , ودولة الأرهاب والأرهاب الديني نظرة ( عوراء )
ختاما مع الأسف الشديد تطال يد الجهلة حياة مناضلة على طريق الحرية ..
وداعا بنت الشعب ( بي نظير )
مواساتنا لآل ذو الفقار علي بوتو ,
شكرا على موقفكم آنذاك معنا نحن ضحايا العنف والأرهاب البعثي والديني
ولا بد من نهاية للجهل الذي لا يعرف غير لغة الدم والهمجية والبربرية
والى اصدقائي الذين منحوني هوية فخرية ومعنوية لحزب الشعب الباكستاني عزائي
28/12/2007 السويد رشيد












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ