الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أغنية إلى النهار ، المشهد الأول

السمّاح عبد الله
شاعر

(Alsammah Abdollah)

2007 / 12 / 30
الادب والفن



إِهْدَاءَةْ

إلى ليلى القيروانية
الظامئةُ أبدا .

********************

اَلْمَنْظَرْ

مكانٌ مُتّسِعٌ ، خاوٍ تماما ، ليس فيه أي شيءٍ ، صخرةٌ هنا ، وحَجَرٌ هناك ، الحوائط ترابيةٌ متهالكة ، وثمة كوَّةٌ لمعرفة الوقت ، المكان تغلفه ظلمةٌ ما ، رمادية ، ليست سوداء ولا داكنة ، وإنما تسمح برؤيةِ تفاصيل المكان ، وملامح الشخوص .

********************

اَلزَّمَانْ

زمانٌ ما .
ليلٌ دائمْ .

********************

اَلشَّخْصِيَّاتْ

المرأة – الرجل - الأب
بلا ملامح تقريبا ، بلا عمر ، منكوشو الشعر ، يرتدون ملابس مهلهلة من الجلد البدائي لستر العورات فقط ، الرجل والأب يغطي وجهيهما الشَّعرُ ، ولحيتاهما طويلتان وقذرتان ، من الواضح أن شخصيات المكان معزولةٌ تماما عن الواقع .

********************

---------------
اَلْمَشْهَدُ الْأَوَّلْ
---------------

ينفتح الستار على المرأةِ والرجل ، منزَويَيْن ، كل في ركن في مواجهة الآخر ، من الواضح أنهما في حالة هزال وضعف كاملة .

( تقف المرأةُ ، تروح وتجيءُ ،
تلتفت إلى الرجل ، الذي يبدو وكأنه نائم
في قعدته ، تهز كتفيه ، فينتبه )
المرأة :

هل حان موعدُنا ؟
الرجل :

أظنه اقترب
المرأة :

أنظر من الكُوَّةِ حتى
نعرفَ الوقتَ

( يتسند الرجل على الحائط ، ويشب
برأسه حتى يصل إلى الكوة ،
من الملاحظ أنه يبذل مجهودا كبيرا )

الرجل :

الغبارُ صار عاليًا
ويمنعُ الرؤية
لعله أصبح عشرين ذراعَا

المرأة :

هيا
لنبدأ الغناء

( يمسك الرجل خشبةً مجوّفةً ومثقوبة ، كأنها آلة نفخ ، ينفخ فيها ، فتصدر ألحانا شجيةً ، تتكيءُ المرأةُ بظهرها على أحد الحوائط ، ممددةً ساقها اليمنى ، وعاقدةً يديها على ركبة ساقها اليسرى المنثنية ، على إيقاع الألحان تغني المرأة )

يا أيها النهارْ
يا سيدَ الشمسِ وصاحبَ الأمطارْ
يا أجملَ الذكورِ
يا ربيب الفرَحِ
حُطَّ على حيطانِ هذا المطرَحِ
هذا المكانُ منذ أعوامٍ
يلفه الغبارْ
وخاصمتنا الشمسُ والأنهارْ
وجسمُنا مع الظلامِ صار يابسا
ووجهُنا
أصبح عابسا
وأكل الجوعُ الكبارَ والصغارْ
وطوّف الجفافُ حولنا
وسكن الخرابُ دُورَنا
وطال الانتظارْ
وطال الانتظارْ
يا أيها النهار

الرجل :

( يلقي بخشبتِه المجوفة في يأس )

قد جفَّ حلقي
لم أعدْ أقدر أن أواصِلَ العزفَ
وذلك النهارُ لن يجيءَ بالغناء

المرأة :

ليس لدينا غيره

الرجل :

جرّبتِهِ سبعةَ أعوامٍ
ولم يجدِ

المرأة :

لابد أن يجدي
فقد سمعتُ أمي ذات مرةٍ تقول
إن النهارَ طيبٌ
ويعشقُ الأغاني
والشمسُ لا تزور أي قطعةٍ
ليس بها لحنٌ
ولا صوتٌ شجيّ
كانت تقول إن قطرات المطرْ
لكي تجيئنا
لابد أن تهطلَ في إيقاع دقة الأغاني

الرجل :

دعي الغناء الآن
حلقي صار جافّا
شرِّبيني قطرتيّ

المرأة :

ميعاد شربنا لم يأتِ بعدُ
فلنعُد إلى غنائنا
لتنفخِ الآن
ولكن في حنينٍ
وأنا سوف أرقرقُ الصوتَ
خفيفا
ونديا
وطريا
سأغيّر الكلامَ بعض الشيءِ
سأقول للنهار كلماتٍ أخرياتٍ
غير ما اعتدنا عليه
مثلا
أعطيه وصفَ أحدِ الفرسانْ
يشق ذلك الغبار
حاملا في جيبه الشمسَ
وفي كفيه غيمتين
وحينما يدنو من المكان
سوف يرمي غيمتَيْه في الفضَا
وقبل أن تلامسَا الأرضَ
سيخرجُ السيفَ
يشقّ الغيمتين في بطنهما
فتهطلان
لابأس لو أضفيتُ لمحةً جنسيةً على
تلامسِ السيف
ببطن الغيمتين
لن يكونَ ذلك التلميحُ واضحًا
وإنما
سأُخْفِضُ الصوتَ
وأُغمضُ العينين
معْ تنهيدةٍ
وبُحَّةٍ خفيفةٍ
وحركات راحتيّ
والنهارُ مثلما كانت تقولُ أمي
يفهمُ قصدَنا
من غير أن نبوح
الرجل:
لكنني لا أستطيع أن أنفخَ
مرّةً أخرى
لنُرْجِيءَ الأمرَ إلى ميعادنا التالي
حينئذٍ
أكون قد أعددتُ نفسي للحنينِ في
الألحانِ
مثلما يجدر بالنهار

المرأة :

إذن
أنظر من الكوَّةِ حتى نعرف الوقتَ

( بلهفة يتسند على الحائط ، ويشب
برأسه حتى يصل إلى الكوة )

الرجل :

لقد حان
وأصبح الغبارُ عاليا
على ارتفاع خمسين ذراعا

المرأة :

حقا
،أنا ظامئةٌ أيضا
لنشربِ الآن

( تخرج من جيب جلدتها الأيسر قارورة الماء، ترفعها وتنزل قطرة في فمها ، تبتلعها ، وتنزل قطرة أخرى ، تبتلعها ، وتتجشأ ، يقترب الرجل منها ، يجلس على مقعدته ، ويرفع رأسه في اتجاهها ، فاتحا فمه ، فتقطرله قطرة قطرة، يمرر يده على معدته ، يقوم ، ويتجول في أرجاء المكان،ثم يلتفت إليها متسائلا )

الرجل :

وبعد أن ينفد ماءُ هذه القارورة
ما الذي سيحدث ؟

المرأة :

سيقبل النهارْ
وقبل أن ينفد ماؤنا
ستهطل الأمطارْ

الرجل :

( منتبها )

أين أبونا ؟
علَّه لم ينتبه إلى موعد قطرتَيْه

المرأة :

قد سئمت منه
لا يريد أن يموت
لذا
علّقتُه منذ الصباح فوق الشجْرةالعجوز
ربطتُ رجليه بفرعها
وكان يضرب الجذع براحتيه
مثل قطةٍ
ويبكي
وها هو الآن مُدَلَّى

الرجل :

هل صارحتِه بأنني حفرتُ حفرةً
على مقاسه
لأجله
وأنها جوارَ أمّنا ؟

المرأة :

لقد فعلتُ
بل زيَّنتُ في عينيه أن أمي عندما فاتحتُها
بفكرة الموتِ
ارتضَتْ
وها سبعةُ أعوامٍ على رحيلها
مرّتْ
ولم نزل نذكرُها

الرجل :

وهل تظنين بأن صلبه يمكن أن يقنعه
بالوت ؟

المرأة :

إن لم يقتنع
منعتُ عنه التمرتين في الغداءِ
والقرقوشةَ التي يبلُّها بقطرةِ المياهِ
في العشاء
وهكذا
حتى يموتَ من تلقاءِ نفسِهِ

الرجل :

( بفرحٍ غامر )

ساعتها
تزيدُ حصَّتانا في الغداء والعشاء
المرأة :

( ناظرةً إليه بتذمر )

بل تزيدُ حِصَّتي وحدي
الرجل :

( متلعثما ، والرعب بادٍ في عينيه )

نعم
وانما قصدتُ أن أقول

( بصوتٍ أكثر انخفاضا )

إن تمرتيَّ ليستا كبيرتين
مثل تمرتيكِ
دائما
تكونان كحبّتي حصى

المرأة :

( تكون قد اقتربت منه ، تشده
من شعره ، رافعةً رأسَه إليها )

كلامُك الثرثارُ لا يروقني
ووجهُك القبيحُ لم أعد قادِرةً
على احتمالِه

( تسحب يدها من شعر رأسِه ،
فيسقطُ على الأرضِ ، تواصل حديثها بصوتٍ جهوريّ )

قرار
من هذه اللحظة يا صديقي
تمرتاك سوف تصبحان تمرةً واحدةً

( يشهق الرجل مرتعبا ، فتواصل
المرأةُ تلاوةَ قرارها )

ولا عشاء حين يأتي موعد العشاء لك

فترة صمت

( تتجول خلالها المرأةُ في أرجاء
المكان ، بينما ينهار الرجل في
أحد الأركان ، واضعا يديه على
ركبتيه ، يبدو كأنه يتضاءل ، تلتفت المرأةُ للرجل مستفسرةً )

هل حان موعدُ العشاء ؟

الرجل :

أظنه اقترب

المرأة :

أنظر من الكُوَّةِ حتى نعرفَ الوقتَ

الرجل :

( ينهض خاملا ، كأنه لا يقوى على الحركة ، ينظر من الكوة الضيقة في الجدار ، يقول بصوت عالٍ )

ما كل ذلك الغبار
لقد علا
وصار بارتفاع سبعين ذراعًا

( يجلس في إعياء )

المرأة :

( ترفع حجرا معقوفا ، وتخرج من
تحته قرقوشةً صغيرةً ، بحجم ورقة الكوتشينة وترش عليها قطرة من قارورة الماء ، ثم تنفخ فيها وتبدأ في قضمها ومضغها بنهم ، ثم بتأنٍ ، ثم بتلذذ ، بينما الرجل ينظر إليها في جوع كبير ، وحرمان طاغٍ ، بعد أن تزدرد القطعةَ
الأخيرة من القرقوشة ،تتمتم )

هذه قرقوشتي
صغيرةٌ
ولا تسد جوعتي

( تخرج من تحت الحجر المعقوف القرقوشة الثانية ، وتكرر ما فعلته بالأولى ، وتبدأ في مضغها بهدوء ، واستمتاع ، يبدأ الرجل يزحف إليها على يديه وركبتيه ، في مذلةٍ واضحة ، تنتهي من القرقوشة الثانية ، وتقول )

وهذه قرقوشتك
صغيرةٌ أيضا
وما أزال جائعة

( تخرج القرقوشة الثالثة ، تكرر الطقوس ، وتمضغها ، ولكن هذه المرّة بتلذذ بطيء ، واستطعام هاديء ، الرجل يدور حولها في وضعه الزاحف منتظرا أن تلقي إليه بقطعة ، مع آخر قطعة تمضغها من القرقوشة ، تتمتم باستمتاع وكأنها تخاطب نفسها )

ما أجمل القرقوشة التي كانت نصيب أبي
حقا
لقد شبعت

( تنظر ناحية الرجل ، فإذا به مكومٌ في أحد الأركان ، بعد أن فقد الأمل نهائيا في أية قطعة ، تخاطبه بصوت منخفض )

في مثل هذه الليلة من عامين
أتيتَني
وقلتَ لي :
أحبك
لمستَ ناهِديَ في رفقٍ
وقَبَّلتَ فمي
وعنُقِي
وسُرَّتي
وفخِذيّ
قَلَبْتَنِي على بطني
مشتْ شفتاك في كتِفَيَّ
في سلسلةِ الظهرِ
وفي رِدْفَيَّ
في باطن رجليَّ
عدلتَني
أغمضتُ عينيَّ
وفتَّحتُ مسامي
أعطيتني
كنتَ كقصَّابٍ وكنتُ كالذبيحة
أعطيتني
كنتَ كحطَّابٍ وكنتُ شجرة
أعطيتَني
كنتَ كمطرٍ نازلٍ
وكنتُ تربةً شقَّقها انتظارُ البَلّ
لا الجفافْ

( ما زال الرجل في ركنه مكوما ، يستمع إليها ، فيتضاءل ويزداد تكوُّرا ، يبدو في حالة خوف ، تواصل المرأة بعد فترة صمت )

من هذه الليلة يا رفيقي
وأنا
ذبيحةٌ
وشجْرةٌ
وتربةٌ شقَّقها انتظارُ البلّ
لا الجفاف

( تسترخي في وضعٍ أنثويّ مثير ،
وتقول له )

ألم تعدْني منذ عامٍ
أنني أنا وأنتَ سوف نقضي ليلةً دافئةً ؟

الرجل :

( في إنهاك تام )

نعم
أذكر أنني وعدتُ

المرأة :

( بدلال )

هيا إذن
فإنني أكاد أحترق

الرجل :

( برهبة ورعب باديين )

لا أستطيع

المرأة :

(ناظرة إليه بتذمرٍ، ولمن في رجاء )

لا تستطيع
كل مرة لا تستطيع

الرجل :

صدّقِيني
كل مرّةٍ أظن أنني سأستطيع
غير أن جسدي يعوقني
أحسّ أنه من الورق
وليس من لحم ودم

المرأة :

( بحرمان لا نهائي )

إذن تعال
قَبّلني فقط

الرجل :

وهل ترضيك قبلةٌ ؟
المرأة :

( بصوت يكاد لا يخرج من فمها ،
وباحتياج فائض )

تعالَ قَبّلني
أو المسني
أو انفخْ في فمي
أو سَوّ شعرَ رأسيَ الهائجٍ
قل كلاما ما
ولا تفعلُه

( يبدأ الرجل في الزحف ناحيتها على يديه وركبتيه ، وقبل أن يصل إليها ، يكون قد سقط من الإعياء )


ستار

= يتبع =

==========
السمّاح عبد الله
=========








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنانة الراحلة ذكرى تعود من جديد بتقنية -اله


.. مواجهة وتلاسن بكلمات نابية بين الممثل روبرتو دي نيرو وأنصار




.. المختصة في علم النفس جيهان مرابط: العنف في الأفلام والدراما


.. منزل فيلم home alone الشهير معروض للبيع بـ 5.25 مليون دولار




.. إقبال كبير على تعلم اللغة العربية في الجامعات الصينية | #مرا