الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سجن الكوت وداعاً والى الأبد

عبدالحسين الساعدي

2007 / 12 / 30
أوراق كتبت في وعن السجن


الدول التي قامت بعد القرن التاسع عشر وتحديداً في بداية القرن العشرين سعت وبشكل جدي لبناء الدولة على أساس القانون والشرعية والدستور وغيرها من الأمور التي تعد حضارية وضرورية ، بيد إن الكثير من الأنظمة جعلت من القانون وسيلة لقهر وسلب حريات الآخرين الذين يتعارضون ويتقاطعون معها ، وهذا هوحال الحكومة العراقية الحديثة التي قامت في عشرينيات القرن الماضي ، فقد سعى النظام الملكي الغارق بالملذات والشهوات ، والبعيد كل البعد عن هموم الشعب ومعاناته ، نظام كان جلُّ همه بناء المؤسسة العسكرية والأمنية لتشديد قبضته الحديدية ، حيث عمل على بناء شبكة من السجون الرهيبة التي بات صيتها وشكلها أشبه ما يكون الى سجن الباستيل الرهيب . ومع نشوء الطبقة العاملة وبداية دوران عجلة الأقتصاد العراقي الحديث نشأت التنظيمات النقابية والمهنية ، وبدأت الحياة السياسية تأخذ شكلاً جديداً متطوراً نسبياً ، وبدأت الحركة المطلبية تتسع وتتنامى بشكل بات يخيف ويزعج السلطة الملكية الحاكمة فأخذت تزج بالبلاد في أحلاف عسكرية مشبوهة وتبتعد أكثر وأكثر عن الشعب الذي يعاني من الفقر والمرض والحرمان ومن أبسط الشروط الأنسانية اللائقة والمطلوب توافرها ، كما كان هناك الوضع الأقليمي والدولي الذي يلقي بظلاله على الوضع ، كل ذلك كان سبباً حقيقياً أن يجعل الشارع العراقي السياسي يمور بالأحداث الساخنة والخطرة التي كان يقودها النشطاء من النقابيين والسياسيين ومن مختلف الأتجاهات والمشارب ، ما دعا الحكومة الملكية الى أن تشن بين الفينة والأخرى حملات أعتقالات وحشية طالت الخيرين من أبناء البلد الشرفاء ، وكانت تزج بهم في سجون آعدت لتكون مقابر للأحياء ، ومن تلك السجون الرهيبة سجن نقرة السلمان الصحراوي وسجن البصرة والحلة وبعقوبة وسجن الكوت السياسي الشهير .
لقد كانت هذه السجون تفتقر الى أبسط الشروط الأنسانية اللائقة ، وبعيدة كل البعد عما تقتضيه حقوق الأنسان ، وكانت في أغلبها تضم سجناء الرأي والسياسيين والنقابيين الذين وقفوا ضد سياسة الحكومات الجائرة والظالمة التي ربطت مصير البلاد بمصالح الدول الأستعمارية وشركات النفط الأحتكارية ، وعطلت الحياة السياسية والصحافة ، وسعت الى مطاردة الوطنيين والشرفاء والزج بهم بأقبية ودهاليز غاية في القسوة والبشاعة حتى صارأسمها مخيفاً للسامع ، بيد إن السجناء حولوا هذه السجون الى محطات لصقل مواهبهم وزيادة مداركهم ، فتحولت هذه السجون الى مدارس حقيقية خرجت الكثير من السياسيين المحترفين والذين كانوا فيما بعد من النخب السياسية التي ساهمت في الأحداث السياسية التي مرت بالبلاد ، كما كان بعض منها على رأس قادة البلاد ولفترات مختلفة ، ومن بين تلك الأسماء يوسف سلمان يوسف ( فهد ) ومحمد حسين الشبيبي وحسين أبو العيس وكامل قزانجي وتوفيق منير و عزيز شريف وهاشم جلاب والآلا ف غيرهم .
بالرغم من أختلاف الأنظمة وتباعد المسافة الزمنية التي تفصل بينها إلا إنها تلتقي في قاسم مشترك واحد ألا وهو الأرهاب والدم والسادية تجاه خصومها السياسيين ، فقد ظلت هذه السجون تتحول من يد نظام الى آخر وكان روادها وزبائنها هم من أبناء الشعب الغيارى .
كان المناضلون يحلمون بأن يأتي زمن الحرية والخلاص فتحطم القيود وتهدم هذه السجون والقلاع ، وتقام محلها الحدائق والرياض الغناء ، وجرى الكثير من محاولات الهروب من السجون الناجحة ، فضلاً عن محاولات الأضراب والأعتصام والأضراب عن الطعام ، وتم قمعها بقوة الحديد والنار كما حدث في سجني بغداد والكوت في بداية خمسينيات القرن الماضي ، كذلك إبان أحداث سنة ألف وتسعمائة وثلاثة وستين ، حيث كسر سجن الكوت الرهيب وأطلق سراح السجناء ، إلا إنه تمت إعادة تأهيله وأدخاله في الخدمة مرة أخرى ، وظل فاغراً فاه يبتلع السجناء تلو السجناء حتى نيسان من عام ألفين وثلاثة عندما هبت الجماهير وبشكل عفوي الى هذا السجن الذي يشكل رمزاً بغيضاً للظلم والطغيان وسلب الحريات ، فجرى تحطيمه من الأساس وكان الأمل يحدوهم في أن يروا العراق الجديد ، العراق الفيدرالي الديمقراطي التعددي الموحد ، حيث ينعم فيه الأنسان الجديد بالحرية والأمان ، ولا توجد فيه سلطة الأقصاء وتكميم الأفواه ، وتحارب الرأي ، بل تشيع المحبة والسلام وقبول الآخر .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استنكار في إسرائيل بطلب المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرت


.. لماذا تخشى إسرائيل من مذكرة اعتقال الجنائية الدولية؟




.. كيف استقبلت تل أبيب خبر إصدار محكمة دولية مذكرات اعتقال بحق


.. مدعي الجنائية الدولية يطلب إصدار مذكرة لاعتقال نتنياهو وجالا




.. سعيد زياد: خطر وجود حقيقي لإسرائيل إذا أصدرت المحكمة الجنائي