الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغييــر الأدوار بين القظـــلار والدفتــردار !

مصباح الغفري

2003 / 11 / 26
الادب والفن


حدثنا أبو يســار الدمشــقي قال :
عثرت على مخطــوط نادر من عصــر المماليك ، صَـنّـفه أحــدُ الكتاب الصــعاليك . عنوانه :
 " نزهـَـة الأبصــار ، في ذكر ما جرى بين القظــلار ، وفتحي أفندي الدفتردار "
ولن أستطيعَ عرض كل ما جــاء في هذا الكتاب ، لكي لا أتــّهَمَ بالأصــولية والإرهاب . سأكتفي بالإشــارة ، عن صريح العبارة!
وقبل البدء في المقامات ، لا بد من شــرح معاني الكلمات  .  فكلمة القظــلار كلمة تركيــة ، معناها كبير الطواشــية.  ففي أيام بني عثمان ، كان مولانا السلطان ، لا يأتمن على حريمــه غير الخصيان ، وله أســوة حســنة  بالجاحظ أبي عثمان . فقد اشترى الجاحظ غلاماً أســود خصــيّا ، قالوا له لقد جئت أمراً فريّا . أغلامٌ  مَخصيّ وأســودْ ، يا صاحب الوجــه الأنكــدْ ؟
 أجاب الجاحظ :

 ـ  إخترتُـــهُ أســودَ حتى لا أتَّهَمَ به ، ومَخصــياً حتى لا يُتَهَمَ بي !

ولا يزال الحال ، على هــذا المنوال ، في اختيار أشــباه الرجــال ، لكل منصـــبٍ خطــــيرٍعال .
فعند مولانا العِـــرْض ، أهم من الأرض ، وفي ظل الأحكــام العرفيــة ، وتسلط الأجهــزة الأمنيّــة . لا يســتطيع الوالي الخروج عن التقاليد والعادات ، ومنصب الوزير الأول محجـــوزٌ  لغرف التجارة والمــُقاوِلات ، ممن رضــِيَتْ عنهم المخابرات ، الأحياء منهم والأموات !
 رئيس الوزارة هو الإسم العربي للقــظلار ،  ووزير المال هو الدفتردار ، ولو كرهَت الإمبريالية والإستعمــار . أمــا الصــدر الأعظــم ، فهو جنــاب الوالي الأفخــم . فلو كان الباب العالي في اســتامبول ، لما ذهــبنا إلى واشنطن أيها المهــبول !

كثر الحديث عن تغيير الوزارة ، والصحــافـة منهمــكــة " بتبييت الإســتخارة " ، والكلام للكُـنّــة فاسمعي يا جــارة !

بالونات الإختبــار ، مملوءة بالهواء الحــار . فتارة نســمَعُ عن الملياردير وفيق ، وأخرى عن تاجــر شــنطة عريق ، لكأنــه ليس في حزب القائــد رفيق ، ولو من أبناء الطريق . وأين جبهــة الديكورات ، القانعــة من المــوائد بالفتات ؟  هل خلا  ســيرك  فيصــل ودانيال  وصــفوان ، من واوي  أو ثعلبان ؟  أركان الجبهــة من خيرة ذكــور النحل ، ما فيهم إلا  فحــلٌ أو شــبهُ  فحل ، فلماذا تبحث القيادة الحكيمة عن أصحاب الربط لا عن أصحاب  الحل ؟

أفَمَـــوْطِــنٌ فيــه يَـعـاسِــبَة ، كأولاء         كيــف بِــطــاحُـــهُ تُـغــشــى ؟

على أنني لن أطيـــل الكــلام ، فالمَـــزاد الوزاري بعــد أيام . وهــو مَــزاد بالظــرف المختــوم ، لا بُــدّ فيــه من دفــع المعـلـوم . ولا مناص من شــهادة حُـســـن ســلوك ،
من أي خصي أو مملــوك . لا يجــوز أن يََنــطَّ إلى رئاســة البرلمان أو الوزراء ، من كان في وجهــه ذمـــاءٌ  من حياء . لكي تصــلَ إلى الحكم في ســجســتان ، عضّ بالنواجــذ والأســــنان ، على موقعــك في ســوق النخاســة والخصيان !

يقول مؤلف المخطوط عن القظلار ، أن فتحي أفنــدي الدفتردار ، أصبَح من أصحاب الدرهــم والدينــار ، وأربَت ثروته على المليار.  بعد أن كان يبيت على الحصــير ، و لا يملك شــروى نقير . فجاء الأمــر بجلبه للحســاب ، لكنه أفلَت من العقاب . ولذلك قصــة تكتب بالإبــر ، على آماق البصــر ، لتكون عبرة لمن اعتبر . فقد حـمَــلَ معه الهــدايا للقظــلار ، فشُـــنقَ بدلاً عنه أحــد الشُطّـــار ! وعاد إلى الشــام ، منصــوراً تتقدمُــه الأبواق والأعــلام .

لكن أهم ما جاء في هذا المخطوط القديم النادر ، هو  البحث اللغوي في الوزير والوازر ! يقول المؤلف غفر الله له :

إعلم ، هَــداكَ الله إلى دكاكين التجار  وحُــريّــة الســوق ، وإلى العلاقة مع أصحاب المرسيدس والنوق . أن الوزارة مشــتقة من الجــذر الثلاثي "الـــوِزْرْ" ، وهو من كبريات الكبائر  البكـْـر . وهــذا مذهـــبُ البصريين ، وهو خلاف مذهب الكوفيين . الذين ظنــــوا أن الوزارة من شَـــدّ الأزر ،  ونصـرة أولي الأمر ، في الســر وفي الجهــر . ودليلهــم في ذلــك  قول موســى : واجـعل لي وزيراً من أهلي ، هــارونَ أخي ، أشــركه في أمــري ، وأشــدد  بــه أزري .
الوزارة ، لا تحتاج إلى خــبرة أو شــطارة . فقط أنــزِل الســروال ، ولا تُكثر من القيل والقال ، وإلى ربــك يومئذ الرُجْـــعى  والمــآل .
أفهــم أن يســعى إلى الوزارة أهل الكُــدية والفقــر ، فهي طريق لليُـســر بعــدَ العسر، فما بالُ من يملك الذهــبَ والتبر ؟ أم أنهم كجهنم يُقالُ لها هل امتلأت فتقول هل من مزيــد !
 وفي ذلك قصــــيدة للشــاعر  نــديــم محمـــد ، طيّبَ الله ثراه ، مطلعهـــا :

يا وزيـــرَ الإقتصـــاد الوطـــني        بالله قل لي كــيفَ أصبحــــتَ غني
لم تهاجـر ، لم تتاجــر ، لم ترث         عن أبيــك الغــر ، غيـــر العفـن !

ويمكن للقاريء اللبيب ، أن يضــع مكان وزير الإقتصــاد الأريب . إســم أي من المســؤولين ، أو فلذات أكبادهم  الميامين . فبين كردســـتان  والأهراس ، ألفُ عُــدي وألـفُ قصــي وألــفُ  فراس ! فالحكمــة والفهــلوة  وتحصيل الثروة بدون تعب  ، تنتقل بالإرث نزولاً على عمـــود النسَــــب !
 

 وزفر أبو يســار زفرة ، وأنشــدَ بحســرة :

أطَـــرْطَــــرا   تـطَــرطَــري           تقــدّمـــــــي ، تـأخـــــــــري
تسَــــــنــّني ، تشَـــــيـــّــعـي            تهَـــــوّدي ، تـنــصّـــــري
تــأمـــرَكـــي ، تـبَـــرْ طَــني           تسَـــعْوَدي ، تَـبَــلْـغـــــــري
تَـمَـرْكَـــسـي ، تـأسْـــــــلمي            من قُــــبــٌـلٍ أوْ  دُبـُــــــــر!

وأدرك شــهرزادَ الصــباح ، فسَــــكتت عن الكلام المُــــــباح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حوار مع الكاتب السعودي أسامة المسلم و


.. تفاعلكم | الناقد طارق الشناوي يرد على القضية المرفوعة ضده من




.. ياسمين سمير: كواليس دواعى السفر كلها لطيفة.. وأمير عيد فنان


.. تفاعلكم | بعد حالة الطوارئ الثقافية التي سببها في الرباط، حو




.. تفاعلكم | مخرج فيلم -آخر سهرة في طريق ر-، محمود صباغ، يرد عل