الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة القرار في زمن التراجع والفرار

مصباح الغفري

2003 / 11 / 26
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


حدثنا أبو يســار الدمشقي قال :
ما أعرفه أن الصناعة، وسيلة لانتاج البضاعة . فمن مصانع الأخشاب، نشتري الكراسي والأبواب . ومن معامل القنابل والسلاح، نحصل على أدوات الحرب والكفاح . أما مشاغل الأقمشة والملابس، فتعطيك ما تتقي به البرد القارس .

وأعلمُ أن صناعة الكلام، رائجة في بلادنا على الدوام . فنحن أئمة الشعر والخطابة، وليس في ذلك أي غرابة . فتاريخنا هو تاريخ الشعر، والحكايا والمقالات والنثر .

لكن قاموس السياسة والإذاعة، أتحفنا بنوع جديد من الصناعة . فقد سمعنا عن صناعة القرار، في زمن لم نحقق فيه أي انتصار، بل عانينا من الانهيار بعد الانكسار . وسرعان ما تلقف المقاولون هذه العبارة، وراحوا يستخدمونها بحذق ومهارة . فلا تخلو جريدة من الجرائد، من الحديث عن هذا الفن الرائد . ففي عصر الانفتاح، كل شيء مُبــاح ، وكل شيء مستباح .

أعترف  أنني في كثير من  المسائل، أميّ وجاهـل . وعلاقتي بالســـادة الحكام، ليست أبَـــداً على ما يرام . لذلك جنحت إلى الظن والتخمين، وبعض الظن إثم مُبين . واستنتجت أن هذه الصناعات، متخصصة في إنتاج القرارات . والإنتاج لا بد أن يُباع في الأسواق، ويجلب للمنتجين الأرباح والأرزاق .

وشعرت أن الحياة أصبحت بهيجة، عندما توصلت إلى هذه النتيجة . وقصدت أقرب بقال في الحارة، وتقدمت أسأله بجرأة وجسارة :
- أعطني يا رعاك الله ثلاثة كيلو غرامات، من أجود أصناف القرارات !
لكن الرجل نظر إلي بغرابة، ولمحت على وجهه علامات الكآبة . قال :
- هل أصبت يا هذا بمس من الجنون، أم أنك مهذار مأفون ؟
قلت مهلاً  يا صديقي البائع، عقلي والله في رأســي وليس بضائع . وأقسم بالواحــد القهار، أنني سمعت عن صناعة القرار . فأين يذهب الصانعون بالبضــاعة، بعد التولــيف والتوضـيب  والصناعة ؟
ضحك صاحبي وهو يقــول، لا شك أنك رجل بهلول . إن صناعة القرار تحتاج إلى مواد، وهي مفقودة من البلاد، لذلك يأتون بها عن طريق الاســتيراد . فقراراتهم مصنوعة في الخارج، وهي تسبب الكساح والفالج. لكنها مترجمة إلى لغة العرب، وهذا ما يثير الدهشة والعجب . وهذه البضاعة لا تباع للفقراء، بل هي حكــر للأثرياء . يأخذونها مجاناً بلا ثمن، فافهم إن كنت من أهل الفــطن . وثمّــة قرارات تأتي عن طريق التهــريب ، فافهــم أيها اللبيب ! واحفــظ لسانك، فهو حصــانك، إن صنته صــانك ، وإن خنتــه خانك .

قلــت :
ـ  وكيــف تتحــدث القيادات التاريخيــة ، عن صــناعَــة القرارات الوطنيــة والقوميــة ؟ الكل يتحدث عن اســتقلاليّــة القرار، من أهــل اليمين إلى أهـل اليســار . لدينا مصــانع للقرارات ، من قصــر المنهــل إلى الصخيرات .  لكنني لا أعلَم إن كانت هذه الصــناعَــة حكراً على  القطاع العام ، أم أنهــا متداوَلَــة بين الأنام .

جحَظــت عينا البقــال ، وتلفت حوله ثم قال : عِنــدي أطفال يا ابن الحَــلال ، فلا تكثر من القيل والقال ، خصــوصــاً في هــذا المجـال ! 
قال أبو يســار:
شكرت صديقي البقال على هذه الشروحات، ورحت أنشــد هذه الأبيات :

أبصــرت شمطاءً  تتيـه وفوقهــا        تشكو الضياعَ ، قِـــلادة وسوارُ
         جَسَــدٌ تعَـوّض بالحُليّ وجَـرْســِه       إذ غاض منــه شــــبابُـه الفـوّارُ
         ورأيت كيف المُســــــــتبد بغيره        يوحي ويوهِـــمُ أنه جَـــــــــيارُ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا : لماذا أقال بوتين وزير دفاعه ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. عنفت طفل من ذوي الهمم.. معلمة تثير غضب الشارع الأردني | #منص




.. تلون السماء وتهدد الاتصالات.. تأثير العاصفة الشمسية يصل بلد


.. بينَ إسرائيل والولايات المتحدة.. تقاربٌ وتضارب.. دعمٌ وتحذير




.. مهاجم مانشستر سيتي إيرلينغ هالاند يحافظ على لقب هداف الدوري