الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حليب 2008

عبدالجليل النعيمي

2008 / 1 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


الليلة سنودع العام الميلادي 2007 بما عليه أكثر مما له من حسنات. والجميع يتمنى للجميع أن يكون العام 2008 أفضل من سابقه. وكعربون لهذا التفاؤل يتبادل الناس الهدايا. وبدوري حاولت أن أكون خفيفاً على القارئ لأبدأ معه من باب «هل تعلم؟».
هل تعلم أنه بقياسات التاريخ البشري «تعلّم» الإنسان تذوق الحليب منذ زمن ليس بالبعيد - سبعة آلاف سنة فقط. وقد حدث ذلك بسبب تطورات نشأته خلال مسار الانتخاب الطبيعي. وحتى الألفية الخامسة قبل الميلاد لم يكن باستطاعة الإنسان هضم حليب الحيوانات الأخرى. كشف العلماء البريطانيون ذلك في وقت مبكر من هذا العام على أساس تحليل بقايا إنسانية تعود للعصر الحجري وتحدثت عنه مجلة «نيو سيانتيتست» في شهر مارس/ آذار الماضي. وما زخر به البحث أنه قبل 12 ألف عام كان الإنسان في منطقة الشرق الأوسط أول من استأنس الماعز، وبعدها بألفي عام البقر والأغنام. لكنه استخدمها كمصدر للحوم والجلود فقط. وقد اختلف الباحثون بشأن ما إذا كانت البلدان الاسكندنافية أو شبه الجزيرة العربية هي الموطن الأول لحالات تحول (mutation) الإنسانية نحو الحليب الحيواني. لكن الجميع يتفق على أن عملية الانتشار العالمي السريع لهذا التحول إنما بدأت من منطقة الشرق الأوسط.
مناسبة سوق هذه المعلومات هي أن بعض تجارنا لا ينسون مواطنيهم بلا هدية في العام الجديد. وفي هذا العام كانت «هدية» وكلاء حليب الأطفال هي أكثر ما يشد الانتباه. طالعتنا الصحف هذه الأيام بأن أحدهم عمم على أصحاب البرادات التجارية في البحرين قوائم بالأسعار الجديدة التي سيبدأ العمل بها مع بداية العام الجديد. وإذ تتفاوت زيادات الأسعار مع تفاوت فئات الحليب الثلاث، فإن متوسط الزيادة سيبلغ 30%[1].
وإذ نقول إن هذا العام حمل تهديداته للحياة الإنسانية في منطقتنا، فذلك ليس بسبب حروب العدوان وأعمال الإرهاب الأسود وعدم الاستقرار السياسي فقط، وإنما بانتشار موجات الغلاء الفاحش التي أصبحت تهدد الشعوب في غذائها كواحد من أهم مقومات الحياة. ولا حاجة إلى التدليل على أنه ليس هناك من يستطيع أن يعمل ويبدع بعضلاته أو فكره وهو على معدة خاوية. وموجة ارتفاع الأسعار هذه ستأتي على خلفية ما أورده تقرير لوكالة أنباء البحرين من أن أسعار مجموعة الطعام والشراب والتبغ سجلت أكبر مساهمة في ارتفاع معدل التضخم، إذ بلغت 10%.
الواقع الذي نحن بصدده يعكس حالة إذا لم يتم الوقوف أمامها ومعالجتها فلن تقل في آثارها السلبية عما تحدثه الحروب أو الكوارث الطبيعية بالنسبة إلى الإنسان. لقد تابع كلاسيكيو علم الاقتصاد تطورات الأسعار العالمية لمختلف السلع الاستراتيجية وفي مقدمتها الغذائية على مدى قرون عدة. ووجدوا أن كل دورة منها تحدث خلال عشرات السنين. وفي القرن الماضي سجلت ثلاث ذروات كبرى للأسعار العالمية؛ الأولى في العام ,1914 الثانية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أما الثالثة ففي السبعينات. وقبل أيام تحدث الاقتصادي السابق في إحدى كبريات شركات الغذاء «كوناغرا فودز»، بيل لاب، عن أن الأسعار العالمية لمواد الغذاء تتحرك نحو ذروة مشابهة جديدة[2]. وفي منتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) من أن الأزمات الغذائية تهدد أوضاع 37 دولة في العالم، وأنها قد تسببت بالفعل في إثارة قلاقل اجتماعية وسياسية في دول عدة. وناشدت دول العالم الغنية بأن تهب لمساعدة البلدان تداركاً للكوارث.
من الطبيعي أن العالم المتقدم لن يهب لمساعدة شعوب بلداننا الخليجية لمواجهة موجة الغلاء العالمية باعتبارها بلداناً غنية تتمتع «بفوائض» مالية كبيرة من عوائد النفط. وأن الحلول ستبقى من مسؤوليات حكومات بلدان الخليج نفسها. وبالفعل، فقد أعلنت الحكومة السعودية أنها ستدفع ألف ريال (266 دولاراً) كدعم مالي لكل طن متري من الأرز وسترفع دعم حليب الأطفال لستة أضعافه من ريالين إلى 12 ريالاً. وإضافة إلى الزيادات السابقة تعد حكومة الكويت بزيادة كبيرة في أجور موظفي قطاع الدولة في فبراير/ شباط 2008 بمناسبة العيد الوطني لدولة الكويت[3]. غير أن الحلول التي تم طرحها لحد الآن إما بدعم أسعار السلع أو بزيادات الأجور، وإن خففت من حدة الأسعار قليلاً ومؤقتاً، إلا أنها لم تنجح ليس في المساعدة على مواجهة موجات الغلاء من الخارج فحسب، بل وفي السيطرة على عوامل التضخم الداخلية التي يشكل سوق العقار وهامش الربح بالنسبة إلى التجار المحليين أكبرها. وقد أشار موقع «أسواق. نت» إلى أن دراسة متخصصة عن ارتفاع الأسعار في السعودية أظهرت أن ارتفاع هامش الربح لدى عدد من تجار التجزئة والمواد الغذائية من 3% إلى 9%، هو ما أسهم في زيادة الأسعار للسلع الأساسية التي بلغت قرابة 30% في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قياساً بمثيله من العام الماضي[4].
وأشارت تقارير إلى أن زيادة الأسعار بنسبة تراوحت بين 20 و30% التهمت زيادة الرواتب التي حصل عليها موظفو قطاع الدولة منذ سبتمبر/ أيلول الماضي[5]. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن زيادة الأجور في البحرين قلت كثيرة عما في بلدان الخليج الأخرى بينما معدل هامش الربح يسير في سباق ومعدلات ارتفاع الأسعار العالمية، فإن المشكلة تغدو مركبة وأكثر خطورة.
برأينا أنه إلى جانب العاملين السابقين يجب أن يدخل عامل ثالث هو الأكثر حسماً في استقرار الأسعار، ومعه استقرار المجتمع. وعندما يردد بعض المسؤولين أسطورة أن الاقتصاد الحر لا يقبل تدخل الدولة في الأسعار من أجل حماية المجتمع، فإن هذا الادعاء يعرض كلا من الدولة والمجتمع لعدم الاستقرار. وإذا كانت حماية المجتمع هي من أولى واجبات الدولة لحماية المجتمع من الأخطار، فإن غول الأسعار هو أحد أكبر هذه الأخطار. كما أن وضع التزام الدولة الاجتماعي بهذا الصدد في تعارض و«الاقتصاد الحر» يعكس تمسكاً مبتذلاً بهذا المفهوم وطرقاً متخلفاً له. فهو لا يعني مراعاة قوانين السوق بقدر ما يعني إطلاق حرية بعض التجار لرفع الأسعار انفرادياً أو على أساس أسعار احتكارية لمجاميع منهم. تجارب كثير من بلدان العالم تبين أن سياسة تسعيرية واعية، وتشديد الرقابة على الأسعار إلى حد منح سلطات الضبط القضائي للمفتشين، إلى جانب توجيه أصحاب رؤوس الأموال للتوظيف في قطاعات إنتاجية، وخصوصاً غذائية، محلية لا تحمي المواطنين العاديين فقط، بل وحتى التجار أنفسهم، إذ إنها توسع من السوق الداخلية الضيقة أصلاً وتسرع دورات العمليات التجارية والتشغيل بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني.

[1]، [2] صحافة محلية، 29 ديسمبر/ كانون الأول .2007
[3] صحيفة «الحياة»، لندن، 2 ديسمبر/كانون الأول .2007
[4] راجع: «أسواق نت» على شبكة الإنترنت، 2 ديسمبر/ كانون الأول 2007 على الرابط: http://www.marketsnet.eu
[5]راجع الوصلة: http://www.alzoa.com/docView.php?con=16&docID=5927










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة