الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بائع ( الحلويات ) صورة خطيرة لواقع الطفولة العراقية

وسام محمد شاكر

2008 / 1 / 4
حقوق الاطفال والشبيبة


لم تشهد الطفولة العراقية منذ ما يقارب الثلاثين عاماً أو اكثر حالة الرفاهية التي يتمتع بها أطفال العالم بل إن حياة الطفل العراقي العراقي حياة تشوبها التشنجات والعوز والخوف والقسوة ومستقبل مليء بالمؤشرات السلبية وسط مجتمع فرض عليه ان يكون عسكري قتالي وجائع معوز و لعل هذا يعود الى اسباب عدة إقتصادية وإجتماعية وسياسية تظافرت فيما بينها لتلقي بالطفولة العراقية بمستنقعات الفقر والبؤس والعمل الإجباري على حساب التعليم والتثقيف والحياة الهانئة وقد تبدوا ظاهرة ضياع الطفل العراقي جلية في مطلع عقد الثمانينات من القرن المنصرم وبداية الحرب العراقية الإيرانية التي حولت الكثير من صورالطفولة الى مظاهر عسكرية كـ ( الطلائع – الفتوة- أشبال صدام ) ليطغى التوجه العسكري على القنوات التربوية في البلد إضافة الى تيتم الكثير من الأطفال اللذين أصبحوا في ليلة وضحاها بدون معيل نتيجة الحروب اضف الى ذلك حجم التدهورات الإقتصادية ( الحصار الإقتصادي – ارتفاع نسب التضخم - وتدني مستوى دخل الفرد ) الذي دفع بالكثير من العوائل لأرسال ابنائهم للعمل لسد العوز المادي لهم مما دفع الطفل العراقي للتشرد والضياع والأمية والأمية الثقافية لتنحو الطفولة مسالك خطيرة جداً بعد 9/4/2003 وما صاحبه من إنفلات أمني ليأخذ شكل الظاهرة بعداً أخر الا وهو العنف وما أفرزه من صور دامية ستحتفظ بها ذاكرة الأجيال لفترات زمنية لاحقة والتي حتماً سيكون لها إنعكاسات إجتماعية خطيرة ولعل نموذج بائع الحلويات الذي يجوب شوارع بغداد هو دليل على درجة الخطورة التي يشهدها واقع الطفل العراقي ففي زحمة الشوارع بالسيارات والمارة يوجد طفل يحمل على راسه طبق كبير من الحلويات التي يبيعها ونظراً لعدم بيعه الكمية التي تسد رمقه يقوم هذا الطفل بخدعة غاية في الدهاء برمي الحلويات على الأرض ومن ثم يجلس قربها يبكي خالقاً بذلك مشهد درامي يستقطب تعاطف المارة ليعطوه نقوداً كتعويض عن الحلويات التي يتظاهر هذا الطفل بأنها سقطت سهواً على الرصيف ليتكرر هذا المشهد في عدة اماكن من مراكز بغداد التي تشهد حركة وكثافة بشرية يومياً والذي يبدو ان الفاعل هو نفس الطفل الذي يتنقل من مكان مزدحم الى أخر مضيعاً بذلك اثره ، وأن دلت هذه الحادثة الى شيء فهي تعطي عدة مؤشرات وظواهر تنبيء عن خطر قادم لمستقبل هؤلاء الصبية اولها رفض هذا الطفل المسكين العمل مما دفعه الى اللجوء الى الطرق الملتوية للحصول على المال بأقل جهد إضافة الى القناعة الخاطئة التي وصل لها هذا الطفل بأن يرمي بضاعته على الأرض ومن ثم إقتباس دورالبراءة والبكاء ، كل هذه عملية تدل الى حجم الصراع الداخلي الذي يعيشه الطفل مع نفسه قبل ان يقرر ولوج عالم الخداع واستخدام الحيلة للحصول على المكسب المادي والذي قد يتسائل سائل ماذا سيكون مستقبل هذا الطفل عضو فاعل في المجتمع أم سارق ومحتال محترف ، والسؤال الأهم هو كم حالة توجد اليوم بين ظهرانينا مثل ظاهرة بائع الحلويات هذا وكيف نستطيع ان نوقف هذه الظاهرة التي أخذت حيزاً كبيراً من الإنتشار فالعملية لا تتطلب سوى تمثيل بعض الأدوار والحيل لقاء الحصول على المال ، إن ثقافة التسول هي من أخطر الظواهر المجتمعية التي يصعب الحد منها دون وعي وجهود حكومية جبارة للقضاء على عمالة الأطفال والتسول.
تشير بعض الدراسات الصادرة عن منظمة العمل الدولية لعام 2005 بخصوص الحد من عمالة الأطفال والزج بهم بحقل التعليم من شأنه أن يحقق أرباحاً للحكومة وعلى المدى البعيد تقدر بـ ( 5100) مليار دولار حيث تؤكد الدراسة على ضرورة خلق يد عاملة ماهرة تزيد من مستوى الإنتاج مستقبلاً لذا نجد على سبيل الحصر ما قامت به الحكومة البرازيلية من دفع نسبة 60- 80 % من مردود عمل الأطفال الى عوائلهم لقاء ذهاب الطفل للمدرسة بدل العمل . وهي بهذا توفر دخل إضافي للعائلة لسد العوز الذي دفع بالعائلة لتشغيل أطفالها وبالرغم من إن الدستور العراقي قد نص في المادة رقم 29 / 1/ب ( تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة وترعى النشىء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم .كذلك النقطة الثانية من نفس المادة ( للأولاد حق على والديهم في التربية والرعاية والتعليم . وكذلك أيضاً النقطة الثالثة من نفس المادة ( يحضر الإستغلال الإقتصادي للأطفال بصوره كافة وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم ) ومن المادة نستطيع ان نعرف ان مسؤلية الحد من ظاهرة عمالة الأطفال والتسول تقع على عاتق الحكومة والأسرة على حد سواء ، حيث إن كلاهما يكمل دور الأخر في عملية خلق جيل قويم فالحكومة التي ما ان توفر الدعم المعيشي الكافي لذوي الطلبة إضافة الى الإلتزام بقوانين العمل التي تحرم عمل الأطفال من خلال الرقابة المستمرة والتفتيش لأماكن العمل ورصد مظاهر التسول في الشارع وملاحقتها .
اما دور الأسرة هنا وكما اوجب الدستور بإعتبارها نواة المجتمع وألزمها في النقطة الثانية من المادة 29 بحق الرعاية والتربية والتعليم وعليه لابد للأسرة بأن تقوم بواجبها الإنساني والفطري إتجاه ابنائها بشكل يضمن بناء المجتمع بناء صحيح وذلك يتم من خلال المتابعة المستمرة لسلوك الطفل والمراهق وحثهم على التعليم ليأتي هنا دور الإعلام الموجه وتفعيل دور المؤسسات المختصة بثقافة الطفل ليتسنى لها محو أرث ثقافة البارود والتي تتمثل بتكسير شعارات للقلم والبندقية فوهة واحدة والبعث مدرسة الأجيال التي فرضت كحالة شاذة على حياة الطفل لابد من شيوع ثقافة تسعى الى مستقبل زاهر ينعم بالهدوء ويكرس للعلمية والوطنية والتسامح والحب ، إن الصفعات التي تلقاها المجتمع العراق على يد النظام الديكتاتوري البائد كمصادرة حق التعبير وقتل روح المواطنة من خلال ربط الوطن بشخص رأس النظام وتدني الحالة المعاشية وإجبار الشعب في العيش بما دون خط الفقر وهستيريا الحروب كل هذه عوامل اجتمعت لتنتج لنا عدة ظواهر شاذة منها ظاهرة بائع الحلوى المسكين الذي يدل بشكل أو بأخر لواقع مرير يعيشه الطفل العراقي سابقاً وحاضراً ومستقبلاً لا نتمنى ان يكون كذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط