الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أميركا في حالة حرب

رحيم العراقي

2008 / 1 / 4
الارهاب, الحرب والسلام


عمل سيباستيان فومارولي لسنوات في صحيفة «لوبوان» الباريسية ثم في ملحق صحيفة «لوفيغارو» الأدبي، وهو يعمل الآن في ميدان النشر، «عاصفة تحت جمجمة : أميركا في حالة حرب 2003-2006 » كتاب عن الأحداث الراهنة التي تعيشها أميركا، وهو يكشف للقارئ النقاشات وأشكال الجدل التي أُثيرت في دوائر السلطة بواشنطن بسبب الخيارات الإستراتيجية التي نفّذتها إدارة جورج دبليو بوش غداة تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن.
يضم الكتاب شهادات أكثر من خمسة عشرة شخصية أميركية بينهم أساتذة جامعات ودبلوماسيون ومستشارون في البيت الأبيض، ومن بينهم جيري رابكين، وستانلي هوفمان وصموئيل هنتنغتون وبيل كريستول وجوزيف ناي وروبرت دوجاريك، وأيضا شهادات شخصيات أوروبية مثل توني جودت، الانجليزي، وفريتز بولكشتاين الهولندي ورونيه جيرار الفرنسي، وجميع هؤلاء قدّموا آراءهم «خصيصا» لهذا الكتاب.
الفكرة التي تتردد في هذا الكتاب تدور حول الإقرار أن إستراتيجية «الصقور» من المحافظين الأميركيين الجدد قد أخفقت في الشرق الأوسط، وأنه بعد ثلاثين سنة من الحرب الفيتنامية، ينبغي على الولايات المتحدة الأميركية أن تقبل بإمكانية انسحاب قواتها من العراق. هذا الانسحاب الذي سيكون «أكثر إذلالا من سقوط سايغون عام 1975».
فكيف وصلت أميركا إلى هنا؟! يحاول المؤلف الإجابة على مثل هذا السؤال، بسؤال آخر يفتتح به كتابه وهو: هل أميركا في حالة حرب؟ والإجابة هي «نعم» متبوعة بالتوضيح التالي: «لكنكم لن تجدوا في هذا الكتاب تحقيقا عن الانتحاريين في بغداد أو عن الجهاديين في الفلوجة». ولكن الحديث سيكون عن تلك «العاصفة التي تتأجج تحت جمجمة أولئك النابغين الأميركيين الذين توظفهم الجامعات ومراكز البحث فيما وراء الأطلسي كي يقدّموا أفكارهم للحزبين المتنافسين، الديمقراطي والجمهوري وربما من أجل كسب الرأي العام بواسطة كتبهم ومقالاتهم ومحاضراتهم المدفوعة الأجر».
هؤلاء «النوابغ» تلقوا جميعهم التعليم في أفضل الجامعات الأوروبية مثل هارفارد وكرونيل وبرينستون وشيكاغو وغيرها. وهم يقومون إلى درجة كبيرة بمهمة «مهندسي» السياسة الأميركية ومحاولة «تبيين أفضل سبل استخدام أميركا لقوتها». وينقل المؤلف عن هنري كيسنجر، وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، قوله: «إن سياسة كبرى تتغذى دائما من عملية إبداع مستمر، وتعيد باستمرار تحديد أهدافها».
والملاحظة التي يتم التركيز عليها منذ البداية هي أنه منذ بداية حرب العراق، وخاصة منذ أن أصبحت تتلكأ، أثارت النخبة المعنية نقاشا متعدد المشارب ومتضارب أحيانا حول سياسة الرئيس بوش ودخلت «في نزاع مع نفسها». هذا مع التأكيد على أن الأميركيين العاديين، «أميركا العميقة»، كانوا حذرين دائما «فطريا» من المثقفين، اي أولئك المفكرين الذين يزعمون أنهم يوجهون الرأي العام ولهم صوتهم في صياغة القرارات السياسية الكبرى للبلاد، بل يرون، وعلى ضوء قراءة دورهم في القارة الأوروبية القديمة، إنه ينبغي تجاوزهم. لكن هذا الحذر كله لا ينفي واقع أنه لهم نفوذا أكيدا لدى الرأي العام الأميركي.
وفي هذا الكتاب يسغى المؤلف تحديدا من أجل تقديم مختلف أوجه النقاش الفكري والأخلاقي الذي تشهده أميركا في فترة يجعله الوضع الصعب في العراق مشوبا بالقلق. لكن المؤلف يرى به أفضل وسيلة من أجل معرفة «من أين جاءت» و«إلى أين تذهب» أميركا هذه التي في حالة حرب. كما يرى أن التعرف على خبايا هذا النقاش يسمح بفهم أسباب تخلّي الكثير من الناخبين الأميركيين عن الحزب الجمهوري أثناء انتخابات شهر نوفمبر 2006.
ومن الملفت للانتباه أن المؤلف لا يقدّم في هذا الكتاب أية أطروحة محددة بأي اتجاه أو ضد أي اتجاه، وإنما يترك الأمر للقارئ كي يصل إلى صياغة رأيه الخاص بالاعتماد على مختلف الحجج المقدّمة من قبل الشخصيات التي يتحاور معها. كذلك لا يرمي هذا الكتاب في واقع الأمر إلى تحليل لمجمل الرؤية العالمية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية.. وإنما يولي أهمية خاصة للسياسات الأميركية والانجليزية والفرنسية في الشرق الأوسط إلى جانب إعطاء أهمية خاصة للعلاقات عبر الأطلسي. ويشير المؤلف أنه قد بدأ تحقيقاته غداة إلقاء الجنود الأميركيين القبض على الطاغية صدام حسين في شتاء عام 2003. وتابعها طيلة ثلاث سنوات حتى الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان والانتخابات الأميركية في خريف عام 2006.
السنوات الثلاث المعنية 2003 ـ 2006 تتسم بوجود قاسم مشترك فيها بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية يحدده المؤلف بالقول: «إنها سنوات وضع مشروع المحافظين الجدد الأميركيين على محك الواقع في العراق (...).
وتسمح هذه الفترة من وجهة النظر الأميركية تقديم محصلة أولى للسياسة الخارجية لجورج دبليو بوش».تتوزع مواد هذا الكتاب بين ثمانية فصول يحتوي كل منها على آراء شخصيتين أو ثلاث شخصيات ممن ناقشهم المؤلف حول موضوع البحث الأساسي، أي الحرب الأميركية في العراق وتداخلاتها وآثارها على العلاقات الدولية.
هكذا يتم استعراض قناعات رموز مفكري المحافظين الجديد وقناعاتهم وأشكال شكّهم وأحكامهم وحيث تبرز أحيانا «أزمة الضمير» التي يعيشونها ب«مقدار ما تقترب الزوبعة العراقية من البيت الأبيض».وفي الفصل الأول يبرر «جيمي رابكين»، الذي يصفه المؤلف أنه أحد أكبر المحامين اللامعين عن سياسة جورج دبليوبوش، نزعة السيادة الأميركية، ويقول للمؤلف: إن أكبر خطر بالنسبة للعالم هو أن يفقد الشعب الأميركي معنوياته.
ولا أعتقد أن هناك منظمة دولية تستطيع أن تقسر الولايات المتحدة ولا أن الولايات المتحدة ستسمح بقسرها من قبل أية منظمة دولية (...). بإمكانكم أن تقولوا ما يحلو لكم حول عجز الميزانية الأميركية، ولكن أميركا ليست حقا بلادا منكوبة وبالطبع ليست مهزومة».ويقول رابكين عن حرب العراق والموقف الأوروبي منها: «لقد اختار كل من بلير وشيراك طريقتين متمايزتين من أجل التأثير على الأحداث الجارية. اختار بلير التعاون الكامل مع الولايات المتحدة، ولم يحصل على شيء. واختار شيراك معارضتها ولم يحصل بذلك على الشيء الكثير. لقد فعلت أميركا ما كانت تريد، وقمنا بالحرب كما نشاء. لقد كانت هناك لحظات صعبة دون شك مع البريطانيين إذ أنهم لم يكونوا موافقين مثلا على حل جيش صدام، لكنهم لم يستطيعوا أن يفرضوا شيئا في الواقع العملي. وإذا كانت هذه الحرب قد برهنت على أي شيء فهو أنه لم يكن بمقدور أحد أن يمنعنا عن القيام بها».
لكن مثل هذا الموقف المتشدد و«الانتصاري» يجد تباينا كبيرا عنه مع الآراء المقدمة في بعض فصول الكتاب الأخرى. فمثلا يؤكد ستانلي هوفمان، الأستاذ في جامعة هارفارد الذي يعرب عن قناعته أن «الثورة المحافظة الجديدة التي تخيّم في البيت الأبيض منذ انتخاب جورج دبليو بوش عام 2000 لن تكون سوى لحظة سيئة جدا ينبغي تجاوزها»،
حسب تعبير مؤلف هذا الكتاب الذي يشير إلى أنه اتصل هاتفيا للمرّة الأولى مع الأستاذ هوفمان غداة القبض على صدام حسين، وحيث أكّد له أنه لا يعتقد بإمكانية «انتصار» أميركا في العراق معربا بنفس الوقت عن إعجابه الشديد بما كان قد قاله وزير خارجية فرنسا دومينيك دوفيلبان في مجلس الأمن خلال شهر فبراير 2003 عندما «أسمع صوت فرنسا التي تقول لا لغزو العراق» وامتدح هوفمان كثيرا ذلك الموقف «الديغولي».
وينقل مؤلف الكتاب عن صموئيل هنتنغتون، صاحب نظرية «تصادم الحضارات» الشهيرة بين الحضارتين الغربية والإسلامية، موقفا «معتدلا» بمعنى الدعوة إلى العمل من أجل عدم وقوع ذلك التصادم ذلك أنه من «مصلحة الغرب» تجنب «المواجهة المباشرة». وينقل عنه أيضا ما كان قد قاله له في ربيع عام 2004 وجاء فيه: «كنت قد قلت قبل الحرب أنه إذا دخل الأميركيون العراق سوف تكون هناك حربان. الأولى ضد صدام حسين ونظامه وجيشه وضباطه. هذه الحرب قد يتم كسبها خلال شهر ونصف. والحرب الثانية ستكون ضد العراقيين (...). وهذه الحرب لن يكسبها الأميركيون أبدا».
وآراء أخرى كثيرة يبيّن بعضها أنه قد ينبغي أخذ مسافة عمّا فعلته إدارة جورج دبليو بوش بل واعتبار أن «بوش وعدم كفاءة إدارته مسؤولان عن الهزيمة». وقد «تجرّأ» ريتشارد بيرل إلى التلفظ بالكلمة، وينقل عنه المؤلف قوله في مقابلة له مع مجلة «فانيتي فير» في شهر أكتوبر 2006 قوله: «الهزيمة الكاملة، أي انسحاب أميركي دون شروط يترك العراق في فوضى كاملة، ولم يعد ممكنا فحسب، بل أصبح محتملا».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب