الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة في جورجيا أم مجرد تغيير شكلي ؟

ثائر دوري

2003 / 11 / 28
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


من المبكر الحكم على اتجاهات الأمور في جورجيا و لا سيما أن كل الأطراف ( أمريكا و روسيا و الاتحاد الأوربي ) لم تعارض علنا خطوة التخلص من شيفارنادزة . فهل كل الأطراف الدولية مرتاحة لذهابه أم أن هناك من يخفي انزعاجه تحت الكلام الدبلوماسي  المنمق ؟ و خاصة أن أي اعتراض على رحيل الرجل لم يعد له معنى  بعد أن فرض الأمر الواقع نفسه على الجميع .
و يبقى السؤال المهم :
هل ما جرى في جورجيا هو مجرد استبدال لشخص بشخص آخر سيعرف من هو خلال الأيام القادمة ؟ أم أن هناك تغيير أعمق قد بدأ  .
و حتى لا نستبق الأحداث يجب أن ننتظر قليلا لنرى أين ستسير الأمور.  لكن في هذه الأثناء  يمكننا وضع عدة ملاحظات هامة حول ما جرى .
تقع هذه الجمهورية السوفياتية السابقة ، التي يبلغ عدد سكانها حوالي خمسة ملايين ، في منطقة القوقاز و هي تشاطيء البحر الأسود . فهي ذات موقع استراتيجي هام لأنها المدخل الأساسي للقوقاز وصولاً إلى آسيا الوسطى الغنية بالنفط ، إذا لم ترد القوى العظمى الدخول إلى هناك بالشروط الروسية .
أفرد بريجينسكي في الاستراتيجية التي رسمها لعزل روسيا  دورا هاماً لجورجيا ، حيث تواجه روسيا عدة مخافر أمامية عازلة في مناطق مختلفة: فتقف أوزبكستان بمثابة الحاجز المانع لفرض موسكو سيطرتها الكاملة في آسيا الوسطى، وفي منطقة ما وراء القوقاز تقف أذربيجان ومعها جورجيا بمثابة الجسر الذي يصل الغرب عبره إلى منطقة بحر قزوين الغنية بالطاقة ومن ثم إلى آسيا الوسطى نفسها، وتؤدي أوكرانيا دور الحاجز بين روسيا وأوروبا ، و دول البلطيق تعزل روسيا عن بحر الشمال . ويرمي هذا المخطط إلى عزل روسيا في حالة وقوع تطورات غير محمودة العواقب فيها مثل عودة الشيوعية أو وصول التيار القومي المتشدد إلى السلطة.
و عندما بدأ الصراع على خطوط أنابيب البترول التي ستوصل بترول آسيا الوسطى إلى الموانيء من أجل التصدير كان خط باكو إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط مرورا عبر الأراضي الجورجية ، هو المحور الذي جابهت به الولايات المتحدة الخطوط البديلة عبر روسيا أو ايران . و بالتالي صارت جورجيا أساسية لإستراتيجيات الولايات المتحدة في المنطقة و لم يتردد شفارنادزة بركوب موجة الإرهاب الغربية فصار يعزف على نفس الوتر ملمحا إلى مشكلته مع الأبخاز المسلمين المدعومين من روسيا ، كما لم يتردد الرجل في استقبال عسكريين أمريكان على شكل خبراء ملمحاًً إلى إمكانية انضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي بعد أن انسحبت من رابطة الدول المستقلة ، غير مهتم لغضب روسيا التي أحست أن جارتها السوفياتية تتحول إلى قاعدة للنفوذ الأمريكي .
أما النسبة للصفات الشخصية للرجل فهو غني عن التعريف ، كان الرجل آخر وزير خارجية للإتحاد السوفيتي و قد ساهم  بفعالية بدفع هذه الدولة نحو الهاوية . و أما نحن العرب فما زلنا نذكر نصائحه لنا في نهاية الثمانينات بالخروج من تخلفنا و الكف عن مناداة الكيان الصهيوني بالعدو لأن ذلك لا يتناسب مع روح العصر ...!!
الرجل كان رجل الأمريكان بدون شك أو ريب . أما لم تخلوا عنه فهذه قصة ثانوية و كثيرا ما فعلها الأمريكان ، فقد اعتادوا التخلي عن عملاءهم المحترقين بكل بساطة و هذا أمر لا يحتاج لتفسير او تفكير أو مناقشة .
أما الذي علينا أن نتأمل به في الأيام اللاحقة فهو اتجاه سير الأمور . هل ما جرى  مجرد تغيير شكلي و استبدال عميل محترق للأمريكان بعميل آخر ؟ و هذا لا يعني شيئاً .أم أن الأمور ستأخذ منحى آخر فيراجع حكام جورجيا الجدد سياستها الخارجية مقتربين أكثر من روسيا . و إذا حدث هذا الأمر فإنه يعني أن رياح روسيا قد بدأت تهب مرة أخرى في القوقاز و آسيا الوسطى . و بالتالي ستصبح أقوى في الشيشان . و سيكون هناك تداعيات جديدة تعزز الموقف الروسي في منطقة آسيا الوسطى التي استباحها الأمريكان في العقد الماضي .
أي المسارين ستسير عليه الأمور في جورجيا؟
هذا ما سنراه في الأيام القادمة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل