الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعاً للسلاح …

مصباح الغفري

2003 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


 لم أكن زبوناً للأطباء، ذلك أنني كنت على يقين من أنهم لا يختلفون عنا نحن المحامين، في أن رزقنا ورزقهم من أذى الناس!  وأشد ما كان يثير دهشتي واستنكاري، هو الميزانية التي تخصصها مؤسسات الضمان الصحي هنا في فرنسا للأطباء والصيادلة ومختبرات التحليل، ففي رأيي أنا العبد الفقير إليه تعالى أبو يسار الدمشقي،أن هذه الأموال تهدر على فئات من النصابين والمحتالين الذين يتوجب على أي مجتمع متحضر، أن يضعهم في معسكرات حجر صحي لتفادي العدوى منهم، ولإعادة تربيتهم، لم أقل أنه يتوجب وضعهم في السجن، فمن الغني عن الذكر، أنني ضد فكرة السجن ، ومع إلغاء الشرطة والسجون والمحاكم أيضاَ، ذلك أن مهمة القانون هي الدفاع عن أقذر مؤسسة حقوقية، الملكية الخاصة، أليست الملكية الخاصة نوعاً من الســـرقة الموصوفة؟ أليس صحيحاً ما قاله مارســيل بانيول في مسرحية " توباز " :
أن تملك المال، يعني أن تأخذه من الآخرين!
الدولة حسب ماركس، أداة قمع طبقي، إنها كلب الحراسة لكبار اللصوص في السلم الاجتماعي، لكنها تختلف عن الكلب في عدم الوفاء، الدولة هي أعدى أعداء الشعوب، وما لم تستطع الشعوب تحطيم ماكينة الدولة، فلن يتحقق أي تقدم في هذا العالم.
لنتخيل مجتمعاٌ بدون عسكر وبدون شرطة وبدون أجهزة أمن تفقد الناس الأمان وتحرمهم من النوم، تصوروا معي أن أثمان الدبابات والطائرات والصواريخ والذخيرة كلها تحولت من الإنفاق على هذه الجيوش من المرتزقة إلى الإنفاق على الزراعة وتشجير الصحارى، هل يبقى على ســطح الأرض بقعة غير خضــراء؟ تصوروا معي أيضاَ أن العالم استطاع بمعجزة، أن يتخلص من الأطباء والصيادلة والمحامين وجميع الفئات التي تعتاش من الأذى، شاملاً ذلك كل من يحمل لقب صاحب الجلالة أو صاحب السمو أو معالي الوزير أو سيادة الرئيس، بالتأكيد سيكون العالم أكثر جمالا ً.
لا معنى للحرب، إلا أن تكون سبباً للربح بالمليارات لشركات إنتاج السلاح، وللدول التي تقوم أنظمة الحكم فيها على أسواق البورصة، وللمرتشين ومستغلي النفوذ من الكومسيونجية. من المثير للدهشة أن أحداً لا يتكلم عن هذه الأمور البسيطة بساطة الأسماك، لم يقم الكتّاب بدورهم في فضح الحرب كغباء بشــــري يُوظف لخدمة تماسيح النظام الرأسمالي العالمي بشقيه : القديم والجديد، كلهم يتحدثون عن المنافع التي قد ينالها من يستمســـك في هذه الأيام بعرى واشنطن ومكافحة الإرهاب، لكن لا أحد يقول لهذه القوة العظمى " وهي بالمناسبة كونسورسيوم يحتكر حتى الديموقراطية وحقوق الإنسان " لا أحد يقول لها إن الإرهاب هو في إنتاج السلاح وتطوير حرب النجوم، وإن الحل الوحيد هو في نزع السلاح الشامل وتحريم إنتاجه، والاحتفاظ بسكاكين المطابخ فقط.
سيتساءل عباقرة أنظمة القمع العربية ممن ارتضوا التنظير للقمع الوراثي وللجمهورية الوراثية، أو ممن صنعتهم أجهزة المخابرات بعد أن لم يكونوا شيئاً، سيقولون لنا، وابتسامة الاتهام تلتمع على أسنانهم البيضاء :
وماذا عن إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي؟ كيف تطالب بنزع السلاح العام الشامل ولما تنته مشكلتنا مع اليهود الذين اغتصبوا فلسطين؟ أليست هذه المطالبة خدمة للصهيونية و الاستعمار؟
سيتغامزون عن هذا " المشبوه " الذي يدعو إلى نزع السلاح متناسياَ قضيتنا الكبرى في الأرض الفلسطينية المحتلة، لكننا نقول لهم بكل بساطة :
لقد أنفقت أنظمة القمع العربية، الدينية منها والعلمانية، النفطية منها والفوسفاتية، من يعيش منها على الكلأ والمرعى، ومن يعيش على البلطجة، المشايخية منها والجماهيرية، الوراثية الصريحة والوراثية المستترة، من جاء إلى الحكم منهم بنسبة 99 % السيئة السمعة، أو من جاء منهم على صهوة دبابة ليحتل القصر الجمهوري، هذه الأنظمة أنفقت على مدى ما يزيد عن خمسين عاماً أكثر من نصف ميزانياتها على مشتريات السلاح، وخاضت أربعة حروب خرجت منها كما يعرف الجميع، فلماذا لا نبحث عن طريق آخر لحل هذه المشكلة؟
أتذكرون نيكيتا خروشوف الذي كانت لديه الشجاعة لكي يخلع نعليه في الأمم المتحدة، وكانت لديه الرؤيا الواضحة لإصلاح هذا الكوكب الذي نعيش عليه؟ كانوا يتفاوضون معه كباعة الخضار حول الحد من إنتاج الصواريخ البالستيكية، يومها قلب المعادلة وأعلن شعاره الحضاري :
   "بقوة المثال، لا بالحرب! "
قال لهم :
ـ تعالوا نتلف جميع أنواع الأسلحة، تعالوا نحول مصانع السلاح إلى مصانع للآلات الزراعية، أليس المصنع الذي ينتج الدبابة قادرا على إنتاج التراكتور؟ ومصانع الطائرات الحربية تستطيع إنتاج طائرات مدنية؟ فلماذا تتحدثون عن خفض التسلح ولا تجرؤون على الحديث عن إلغائه؟
وكما يحدث دائماً، كان ذلك الكلام هو آخر ما تفوه به الفقيد، وكان ذلك آخر عهدنا به!.
أيها السادة، نحن لا نصنع السلاح، نحن نستورد السلاح، والدول التي تبيعنا السلاح حريصة على إرسال نسخة من الفاتورة والمواصفات إلى خصومنا، وهي حريصة أيضاً على تزويد هؤلاء الخصوم بما هو أشد فتكاًَ بنا وبأسلحتنا، ولأمر ما اشتقت الأعراب كلمة السلاح من فعل " سَلًح " لعل ذلك لأن العرب فهمت أن النظام العالمي الجديد سيسلَح علينا كلما عقدنا معه صفقة سلاح!.
 ولو افترضنا أننا توصلنا إلى صناعة السلاح، فإن ما سنصنعه سيبقى متخلفاً عن منتجات الدول الصناعية الكبرى بفارق فلكي، ولو افترضنا جدلا ً أننا استطعنا التوصل إلى عباس بن فرناس جديد يخترع لنا سلاحاً نهزم به وندمر جميع أسلحة العالم، ولنفترض أننا انتصرنا بهذا السلاح، فما هي النتيجة؟ أليس الغالب بالظلم هو المغلوب،كما علمنا ســقراط؟ وهل أنتــج العنــف( وهو أرقى أشكال الظلم )غير أنظمة حكم تعيش على العنف وتتغذى به؟
أود أن أعيد تذكير الناس بشخصية نادرة من القرن العشرين هي شخصية المهاتما غاندي، وعنزته الشهيرة، كان غاندي زعيما وطنيا كبيرا، أدرك بثاقب نظره مخاطر اللجوء إلى السلاح، وفهم أن التسلح هو " الزئبق الأحمر " الذي تقتات منه عفاريت النظام الرأسمالي في العالم، أشهر في وجه الاستعمار البريطاني سلاح العصيان المدني، والمقاطعة الاقتصادية، يستطيع الهنود أن يهزموا أكبر إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس بسلاح بسيط جداً هو سلاح المقاطعة، يذكرني ذلك بفتوى العالم عز الدين بن عبد السلام حين علا المماليك في الأرض المصرية وطغوا وجعلوا أهلها شيعاً يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، يومها خرج هذا الفقيه بفتواه التي هزت عرش المماليك، هؤلاء المماليك لا تجوز معهم المعاملات، لا بيع ولا شراء، لأنهم مماليك يتوجب بيعهم وتسديد أثمانهم إلى الدولة، وامتثلت مصر بمسلميها و أقباطها لهذه الفتوى التي قد نراها اليوم مخالفة لحقوق الإنسان، لكننا ننظر إليها في إطارها التاريخي، إذ جاءت في وقتها للدفاع عن حقوق الملايين ضد فئة قليلة تستعبد هذه الملايين , وأسقط في أيدي المماليك واضطر السلطان إلى تقليم مخالبهم ومنع أذاهم عن العامة.
النظام العالمي الجديد أعلى مراحل الرأسمالية، إنه إمبريالية" العقب الحديدية "التي تنبأ بها الكاتب الأميركي جاك لندن،إنه الاستعمار المصفى المكثف، والانتصار على هذا الاستعمار لن يكون بالسلاح، نحن نردد مع أرنست همنغواي عنوان روايته الشهيرة " وداعاًَ للسلاح "، إن الفكرة تصبح قوة حين تدخل في عقول الناس، وفكرتنا لهزيمة هذا النظام الشرس ، " النظام الأميركي " مع كلاب الحراسة الذين يستخدمهم " إسرائيل وغيرها"، فكرة بسيطة جداً ولا تقع تحت بند الإرهاب الذي أغرمت الولايات المتحدة بمكافحته في الأيام الأخيرة، الفكرة هي التوقف عن مشتريات السلاح، وأكثر من ذلك، نحن ندعو الدول العربية والعالم الثالث كله وشعوب آسيا وأفريقيا و أميركا اللاتينية إلى بيع ما لديهم من سلاح بالمزاد العلني، وهذا سوف يؤدي إلى إعلان إفلاس مصانع السلاح، وبالتالي إلى إشهار إفلاس الولايات المتحدة وحاملة طائراتها ( بريطانيا التي كانت دولة عظمى ) فهذه العفاريت التي تتغذى بالزئبق الأحمر الذي يستعمله نصابو العالم الثالث لتحويل ورق الصحف إلى دولارات، سوف لن تجد سندويشة فلافل تسد رمقها!
أنظمة الاستعباد على مدى التاريخ، إنما قامت على استسلام العبيد لشروط الاستعباد التي فرضها عليهم الأقوياء، وتنتهي المسرحية في اللحظة التي يكف فيها الذين هم تحت، عن الاستسلام لواقع أنهم أدنى مرتبة من الذين هم فوق، في حالتنا نحن المستعبدين من قبل نظام العهر العالمي الجديد، البحر من ورائنا والعدو من أمامنا، وليس لنا والله إلا الصبر، وإشهار سلاح المقاطعة، لو استطعنا إقناع هذه الملايين من الناس بالتوقف عن شراء السلاح والكوكا كولا ووجبات التسمم السريع من " ماكدونالد " لمدة سنة واحدة، فسينتهي هذا النظام إلى الأبد.
يا فقراء العالم إتحدوا وتوقفوا عن التعامل مع النظام العالمي الجديد، فليس لدينا ما نخسره غير القيود، وسنربح عالماً بأسره!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل عرضت على السلطة تسلم معبر رفح والسلطة رفضت| #غرفة_ال


.. السلطة الفلسطينية ترفض الطروحات الإسرائيلية بشأن معبر رفح




.. على وقع التقدم الروسي.. كييف تستبدل القائد العسكري المسؤول ع


.. كييف تقر بتقدم القوات الروسية في خاركيف




.. مسن فلسطيني يسجد لله بعد الإفراج عنه والاطمئان على عائلته