الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انا و الشاعر السياب في كلبجه واحده

قاسم الجلبي

2008 / 1 / 8
أوراق كتبت في وعن السجن


قرأت عدة مقالات في الاونه الاخيره عن الشاعر المرحوم شاكر بدر السياب في الحوار المتمدن و رجعت بي الذاكره الى صيف عام 1957 .
كنا خمسة طلاب نحتفل بنجاحنا الى الصف الخامس الاعدادي ( ثانوية الاعدادية المركزيه في بغداد ) و كان مديرها في ذالك الوقت السيد علاء الدين الريس ذات النظارات الطبيه المعتمه و صلعته المشهوره . كنا نحتفل في احدى مناطق بغداد في كرادة مريم كنا نغني و باصوات هادئه( اغنيه القمح للموسيقار محمد عبد الوهاب) و فجأة و بدون مسوغ و سبب واضح حوصرنا من قبل شلة من رجال الشرطه السريه في عهد الملكي البائد . و بعد ان فتشوا ملابسنا فلم يجدوا غير بعض القصاصات الشعريه الرومانسيه منها و السياسيه .
وبعد ذالك ذهبوا بنا الى مركز شرطه كرادة مريم و اتصلوا ببقيه اعضاء البوليس السري في بغداد للتعرف علينا . فكنت انا اسكن منطقه الحيدر خانه ( منطقه جديد حسن باشا ) و زملائي في منطقه الفضل و بعد ان فتشوا بيوتنا و التحري فلم يجدوا عندي غير بعض الكتب للادب العالمي( مكسيم كوركي في معترك الحياة و اخرى لتولستوي و كوكل و غيرها) و كتب اخرى للكاتب العلماني المصري سلامه موسى وسبق لهذه الكتب قدت اشتريتها من سوق السراي و اخرى اهديت لي من بعض الاصدقاء.
كانت التهمه الموجهه الينا في حينه هي محاولتنا الى الاعتداء على السفاره الفرنسيه المتواجده في كرادة مريم بالاضافه الى هذه التهمه , تهمة انتمائما الى الحزب الشيوعي العراقي .و بعد التحقيق معنا ارسلونا مخفورين الى مديريه الامن العامه ( التحقيقات الجنائيه ) الواقعه في شارع النهر خلف المحكمه الشرعيه وهناك قابلنا مديرها المجرم بهجت العطيه الذي اسمعنا الكثير من السب و الشتائم و هددنا بالضرب المبرح اذا لم نعترف على هذه الواقعه و نحن كنا بريئين هذه الواقعه .
و بعدها هذا التحقيق دفعوا بنا الى السرداب و هناك استقبلنا بعض المعتقلين السياسيين و قدموا لنا بعد المساعدات البسيطه. كنا نفترش الارض و ننام على حصران قذره ملطخه بالصخام الاسود و كان السرداب مقرونا بالرطوبه العاليه و رائحه العفن كان الاكل لا يتجاوز على صمونه واحده و استكان شاي واحد مع ثلاث وجبات اخرى متكونه من مرق و صمونه واحده .
بالصباح كنا نخرج لقضاء حاجتنا مع الاغتسال بالماء فقط و هذا قبل مجيء موضفي هذه الدائره المصلطه على رقاب الشعب .
و في احدى اليالي دخل علينا الشاعر بدر شاكر السياب و هو مرتدي بدله زرقاء فاتحته اللون مع ربطه عنق تدل على شخصيه الهادئه الرزينه, جلسنا بالقرب منه بعد ان قدمنا له بعض المساعدات البسيطه و تعرف علينا و زادت دهشته عندما علم بأننا طلاب اعداديه .
بدء السياب يتحدث عن الوضع السياسي المأساوي و على خنق الحريات , و يجب علينا النضال ضد هذا الضلم و الطغيان و على الشعب العراقي ان يناضل و بلا هواده على اسقاط الحكم الملكي الجائر. و بعدها بدء يتلوا علينا بعضا من شعره السياسي و اتذكر مضمون و محتوى احداهن .
يستيقظ........المناضل السياسي المعتقل.......... على اصوات اقدام الشرطي الحارس اصوات حذائه ( البسطال) و هي تغدوا و تروح من امام زنزانته......... و في اليل ينام على صراخ و عذابات المناضلين في الزنزانات الاخرى........ من اجل ان ينتزعوا منهم الاعترافات.
فكانت هذه القصيده التي نشرت في حينها في احدى الصحف العراقيه هي السبب في اعتقاله و ارساله الى مديريه الامن العامه كما اعتقد.
بعد هذه اللقاء زادت معنوياتنا و زال الخوف من نفوسنا لاننا مكنا مازلنا طلاب اعداديه لا تتجاوز اعمارنا ال19 سنه ولا زلنا في طور التعلم و البحث عن الحقيقه و الاستفاده من تجارب الاخرين .
و بعد عده ايام في تواجدنا في السرداب بدئوا بأرسالنا الى مراكز الشرطه المختلفه في بغداد فقد ارسلوا زملائي الى مركز شرطه السراي قرب القشله في بغداد اما انا و الشاعر السياب فب كلبحه واحده الى مركز شرطه الكاظميه .
ركبنا سيارة التكسي و معنا شرطيين و عند وصولنا الى منعطف للدخول الى شارع الرشيد بالقرب من المصور ارشاك , طلب الشاعر السياب من الشرطيين بالتوقف لبعض الوقت و كانت الساعه بين 2-3 ضهرا لعله ان يجد احدا من معارفه او موضفي دائرته لاخبار عائلته بأنه معتقل في مركز شرطه الكاظميه ولكن الشرطيين لم يوافقوا اللا بعد دفع الرشوه لهم.
و في مركز شرطه الكاضميه التقينا بالكثير من المعتقلين من طلاب الجامعه حيث كان اكثرهم من سكنة الكاظميه و كان اهلها و اهل المعتقلين ايجابيون معنا و يحثوننا على الصمود و النضال من اجل اسقاط الملكيه التي جلبت لنا الثالوث المشؤم الجهل المرض الفقر .
هناك تعرفت على الشاعر محمود النقدي الذي كتب قصيده في حينها اسمها محمود القمر اما القمر فكان رمزا على رغيف الخبز حيث كان يصف في شعره معاناة شعبنا العراقي من الجوع و المرض و الفقر .و كان هناك نقاشا سياسيا يوميا في داخل المعتقل بين سجناء السياسيين جاؤا من سجن نقره السلمان و بين الشاعر السياب , كان يحاورهم و في ذهنه الكثير من التساؤلات و الملاحظات حول الماركسيه كمفهوم انساني متجدد و بين المفاهيم القوميه و التي كانت تطرح من قبل الشاعر اللا انه اعترف اخيرا بأن الماركسيه هي العلاج الاوحد لكل مشاكل العالم و هي البلسم الشافي لكل معاناة الطبقه العامله.
فألف تحيه الى المناضلين الرواد و الى شاعرنا السياب الذين زرعوا في قلبونا حب الناس كل الناس باختلاف انتمائاتهم القوميه و الطائفيه و الى الابطال الذين مهدوا لنا الطريق من اجل النضال ضد الاستبداد و الرجعيه و الانعتاق من العبوديه و اقف اكراما و اجلالا الى كل الرفاق الذين علمونا ان نناضل من اجل وطن حر و شعب سعيد و لا يسعني هنا الا ان اذكر اصدقائي الاخرين الذين قضوا معي ايام قاسيه و واجهتنا اصعب حالات الخوف فيه حينه المرحومين احمد الهاشمي و محمد فاضل و السيد طارق عبد الكريم و نوري محمد و انا قاسم الجلبي كاتب هذه السطور المتواضعه وشكرا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما


.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش


.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر




.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..