الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اميركا والثقافة العراقية

ياسين النصير

2008 / 1 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


1
بات واضحا أن هيمنة أحزاب الإسلام السياسي على مقدرات البلاد لن تُنهض أي مشروع للثقافة، ولن تقوم للثقافة العراقية بمعناها الجذري والمؤسساتي، قائمة ما دام التفكير بها يبدأ من أروقة المليشيات والأحزاب الدينية،وينتهي بتعمية فكرية ومرجعية وبخطب الجمعة. كما لن يقوم اي مشروع الثقافة العراقية بمنح تمنحها وكالة المخابرات الأمريكية لبعض الأفراد والمؤسسات،كذلك لن تقوم الثقافة الوطنية هوية بخطابات بعض المثقفين التشكيكية،واعتبارأنفسهم لوحدهم من يملك الرأي الصواب. فمنذ خمسة أعوام لم نجد أية بارقة أمل من هذه الأحزاب أومن أميركا،أو من المتقولين الجوف،ولم نجد اية خطط للنهوض بالثقافة ،لا بمشروعات نهضوية،ولا بتخصيصات مالية لاتحاداتها ومؤسساتها، ولا حتى بوزارة تليق بوطنية الثقافة العراقية، وحجمها.
إن مشروع الثقافة العراقية ليس نشر كتب او عقد مهرجانات وندوات فقط، بل هو تأسيس حضاري لبنية ثقافية راسخة،قائمة على فلسفة واضحة للدوبة العراقية تشمل:
1- ثقافة المكون التراثي والانثروبولوجي والمعرفي القديم للعراق.اي بناء الإنسان العراقي وخصوصياته .
2- وتشمل ثقافة التنظيم والحرية والتخطيط لكل مؤسسات الدولة والمجتمع.
3- وتشمل ثالثاً الإبداع الثقافي ومؤسساته ومناهجه وانواعه.
4- أن مشروع الثقافة الوطنية هو أحد أهم ركائز بناء الديمقراطية والتعددية في العراق، وبدونها ستبقى مقولات التقدم والمستقبل فارغة من جذرها المعرفي والفكري.
ومن هنا فالثلقافة وفق هذه التصور المنهجي غائبة من تفكير اي جهة مهيمنة على مقدرات العراق سواء اكانت الأحزاب الإسلامية الحاكمة، أم الدول المحتلة، أم المؤسسات القائمة حاليا.والسبب في تهميش وتعطيل بنية الثقافية العراقية ليس واحدا، بل جملة أسباب،. منها أن الوضع الحالي ورث تركة ثقيلة وتافهة من النظام السابق، وهي تحويل الثقافة إلى مؤسسة سياسية تابعة للنظام، فجرى التركيز على الثقافة الحزبية، وكان من نتائجها الكارثية أن هجّرت المثقفين وحجمت دورهم، بعد أن اغلقت صحفهم ومؤسساتهم.وما ورثه النظام الحالي من تلك التركة الثقيلة لم ينقصها، بل زاد عليها وعمم رؤيته الطائفية بالرغم من ان الوضع اختلف وتغيرت ابعاده. ومنها القصور المنهجي لرؤية احزاب الإسلامي السياسي لمعنى ومفهوم الثقافة.فما نشهده اليوم بخصوص الثقافة والمثقفين هو اسوأ مما كانت عليه تحت هيمنة الحزب البعثي ومؤسساته. فيوم ذاك كان عداء النظام السابق للمثقفين الوطنيين وبخاصة الشيوعيين والديمقراطيين واللبراليين واضحا، أما اليوم فالتهميش يشمل اسس وجذورالثقافة الوطنية ومثقفيها من كل الإتجاهات، حتى من مثقفي الأحزاب الإسلامية أنفسهم. وسيشمل التركيبة الثقافية للشعب العراقي أيضاً، خاصة بعد ان تكون الفدراليات قد تخصصت بثقافة الأقاليم، وليس بالثقافة الوطنية ككل. وسنشهد أن مؤسسات للثقافة ستقوم في الجنوب تنتمي لثقافة إيران، أكثر من إنتمائها للثقافة الوطنية العراقية، وان ثقافة كردستانية تنتمي لثقافة كردستان بكل اقاليمها في الدول الأخرى، وليس لثقافة العراق الوطنية، وسنجد أن اقليم الوسط السني ستكون له ارتباطات بالثقافة العربية، قبل العراقية الوطنية. هذا الوضع قائم بالفعل، ولذا فالصمت المطبق عن تنشيط الثقافة الوطنية ينتظر مشروع التقسيم الخطير الذي تسعى إليه جهات محلية ودولية.
ومن هنا فالأمر الذي يعطل المشروع الثقافي الوطني يتلخص باسباب خمسة:
1- غياب الرؤية المنهجية لمعنى ومكونات الثقافة الوطنية،من اي برنامج للأحزاب الإسلامية المهيمنة، فما هو موجود منها في برامجهم هو رؤية للثقافة الطائفية والحزبية.
2- اعتماد نظام المحاصصة المتوازنة المقيت الذي ابتلى العراق به دون بلدان العالم.وهو نظام يعطل أي مشروع وطني للثقافة.
3- دور اميركا القذر عندما قدمت العراق على طبق من الذهب لاحزاب الإسلام السياسي وايديولوجياتها، لتتناهبه. وبالتالي لتنشر ثقافتها الطائفية وليست الثقافة الوطنية.
4- ضعف الحركة الوطنية العراقية التي كانت المظلة للثقافة وللمثقفين الوطنيين وصوتهم.فقد اصبح صوتها الوطني محددا بعدد نوابها، وليس بمشروعية دورها الحضاري .
5- دور المثقفين الضعيف في تشخيص المرحلة العراقية وتكوين لوبي ثقافي ضاغط على امريكا واحزاب العراق الحاكمة.
هذه الأسباب وغيرها مهدت الأوضاع الداخلية في العراق لإيران واحزابها العراقية أن تلعب بنا كما يشاء مشروعها الخاص في المنطقة، ومهدت لقوى الإسلام التكفيري ان يكون العراق حاضنة للإرهاب الدولي. ومهدت لأن تلغى المطاليب الوطنية على حساب متطلبات الأمن وتسليح المليشيات.ومهدت لأمريكا المحتلة أن تفرض أولوياتها الأمنية على أولويات الثقافة العراقية.
2
المعروف ان العراق بكل ماملك سابقا وما يملكه مستقبلاً، ما يزال تحت البند السابع من نظام الامم المتحدة، وان امريكا ما تزال دولة محتلة مهيمنة، وان ميزانية العراق تحت اشراف اميركا وهيئات دولية أخرى، ومن هنا فامريكا في موقفها من الثقافة العراقية وتهميشها موقف إجرامي واضح، فهي المسؤولة اولاً وأخيراً عن الدور القذر الذي تقوم به مليشيات احزاب الإسلام السياسي في تهميش والغاء الثقافة العراقية الوطنية،وجعل منظماتها ثانوية وغير قادرة على النهوض باي مشروع وطني، أن لم يكن أمريكا تخطط لذلك قبل احتلالها للعراق.اميركا هي المسؤول الأول والأخير في حجب مخصصات الثقافة العراقية، وجعلها بايد غير مهنية، وتحت اشراف ومسؤوليات الاحزاب الدينية، ومن هنا فعليها ان تعيد حساباتها بشأن ثقافتنا، وأن تعيد تصورها كدولة محتلة تتحمل مسؤولية تاريخية وأخلاقية في تهميش والغاء دور الثقافة، وان تعيد تصوراتها في عملية بناء مسؤولة عالميا للثقافة العراقية.. هذا لا يعني إنني " اطلب " من أميركا ان تقوم هي ببناء ثقافتنا الوطنية، ولكني " اطالبها " بوصفها دولة محتلة، وتملك الاشراف والهيمنة على مقدرات العراق المالية،" أطالبها" بأن تستقطع جزء من أموالنا العراقية لبناء الثقافة الوطنية،وإلا فاحزاب الإسلام السياسي ليست قادرة على خلق اي تصور وطني لثقافتنا حاليا ومستقبلاً، وطلبنا لا يندرج ضمن المعونة او المساعدة، كما تقوم به مع افراد ومؤسسات هنا اوهناك، وباشراف وكالة المخابرات الأمريكية، بل بمشروع وطني نحن بناته،كما فعلت في اليابان وألمانيا واعادت الاعتبار للثقافة في هذه البلدان بطريقة استقطبت المثقفين كلهم .
اليوم ما نلمسه من تصور الحكومات المتعاقبة هو تصور ثقافة حكومات الأموات، وكأن الثقافة، ترديدات لمقولات وأقوال سابقة قالها الأمام الفلاني وثبتها الكتاب الفلاني، وليست الثقافة خطابا متحركا يعيش في المستقبل كما هو في الحاضر والماضي.الثقافة في تصور احزاب الإسلام السياسي ليست الأمن، ولا الجيش، ولا الأقتصاد، ولا المستقبل،بل هي لطميات وتكيات،وزناجيل مستوردة، وقنوات فضائية تشيع ثقافة الخرافة والعنف، وصحافة ممولة بأموال النهب والتهريب،وفروع لوزارات ثانويةلا تغني ولا تسمن،وفعاليات فردية تقوم بها جهات كثيرة، لنجد انفسنا بعد سنوات أن لاثقافة وطنية في العراق،بل ثقافة حزبية ومناطقية،ولا مؤسسات،بل دكاكين ملحقة بهذا الجامع وبتلك الحسينية،ولا ميزانية مخصصة لها، بل ميزانيات تصرف من ميزانية الدولة لثقافة ومؤسسات الأحزاب. نريد وبوضوح جزء من ميزانية العراق للثقافة العراقية، ليس منّةً من أحد، ولا عطاءً من جهة، ولا منحةً قصيرة،ولا مساعدة،ولا جدية،بل حق الثقافة العراقية بثروات وطنها، وبمقدراته،وعلى اميركا الدولة المحتلة تقع مسؤولية بناء اسس لثقافتنا مغايرة لأسس الطائفة والقومية والدين،فبمثل ما بنت الجيش العراقي ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى، عليها أن تبنى الثقافة العراقية،بأموالنا،وبطرق علمية مستفيدة من تقنيات المعرفة عالميا وبمؤسسات لا تخضع لجهة دون اخرى، وبتركيبة مفاهيمية قارة، تؤسس لنظرة علمية واضحة ومستقبلية. ومثل هذه المشروعات والخطوات لا تقوم بها إلا الخبرة العالمية معتمدة على قوى المثقفين الوطنيين وليس المرتبطين باحزاب اسلامية أو طائفية. فالمثقفون العراقيون لا تمثلهم الأحزاب القائمة الحالية بالرغم من وطنية بعضها، لأنهم شريحة وطنية واسعة ومستقلة، ولها دور تاريخي في التغيير الذي حصل في 9 نيسات 2003.
3
سيقول البعض، لماذا تطالب امريكا القيام بما يجب ان يقوم به الوطنيون في الأحزاب العراقية والكردية والإسلامية، وهم كثرة ويعدون بالمئات:ولهم نواب، واصحاب مواقع، وصحف ،ومحطات فضائية وقنوات، وغيرها؟ فأين دورهم وهم المعروفون بمواقفهم الوطنية من الثقافة؟ واين دورالأحزاب الكردستانية من الثقافة العراقية وهي المعروفة بنضالها الوطني؟ واين اللبراليون في الأحزاب الإسلامية؟ واين شرائح المجتمع في القائمة الوطنية العراقية؟، وفي جبهة الحوار الوطني؟، وفي الحزب الإسلامي؟، واين ..واين .. وكلهم وطنيون،ولا غبارعليهم، فلماذالاتوجه نداءك لهم،وهم القريبون من مراكز القرار،وانت بعيد تستظل بحماية ومعونة دولة أجنبية؟وأقول نعم، أنهم باعداد كبيرة، ولكن ليس لهم صوت،هل سمعتم أنهم قاموا بدورما في البرلمان؟ هل ناقشوا قضية الثقافة العراقية علانية؟هل كتبت الصحف كتابات وبحملات كبيرة؟ هل خصصت قنواتهم الفضائية برامج متراكمة لمعالجة هذه الامور؟ هل عقدت صحافتهم ندوات طويلة لمعالج الثقافة؟ هل دعوا المثقفين للقيام بتظاهرات اسوة بالمعلمين والأطباء والعمال؟ هل تنادى الصحفيون والأدباء عن الإمتناع يوما واحدا عن الكتابة والعمل في المؤسسات الثقافية والإعلامية؟ هل عقدت مؤتمرات لمناقشة الموضوعات الخاصة بالمثقفين؟هل استجابت الجهات المعنية للمذكرات والمشاريع التي قدمها اتحاد الأدباء العراقيين وطوال سنوات مضت؟ الحق ليس من احد يطالب غير إتحادالأدباء العراقيين،وبعض الاحزاب الوطنية،ومن بينها الحزب الشيوعي العراقي، ومع ذلك لم يسمع لهم صوت، لكثرة الضجيج الطائفي حول خطابهم الوطني.
4
سيكون حديثي هذا موضع اخذ وجذب من بعض ممن لم يقرأ الوضع العراقي الحالي جيداً، ولم يتفهم ما عنيته بالثقافة جذرياً، وسيتقول المتقولون باننا " نطلب " من اميركا أن تنهض بثقافتنا!!، دون ان يعي معنى " نطالبها".وليس "نطلب منها" وما كنا لنلجأ لأميركا المحتلة بالقول، لولا يأسنا من أحزاب الإسلام السياسي ،واقولها بوضوح إننا " نطالب" بحقنا من ميزانية الدولة العراقية،كما يطالب الجيش،والأمن، والأقتصاد، والصناعة، والكهرباء، والنفط، والتعليم، ،والصحة،والبلديات،ونواب المحاصصة، أقولها وبعلانية: لا، ومليون لا،نحن لا " نطلب " من اميركا ووكالاتها المخابراتية، أن تنهض بثقافتنا بل " نطالبها" بحقنا كمثقفين وطنيين في ثروات بلادنا، لتأسيس بنى تحتية للثقافة العراقية أسوة ببلدان العالم المتقدم، لأنها هي المهيمنة عليها وهي التي تشرف على صرفها وتوجيهها. فقد بح صوتنا وقلت حيلتنا مع أحزاب الإسلام السياسي التي تبني مليشياتها ومزاراتها وعصاباتها، وتتناسى عن عمد بناء الثقافة العراقية الوطنية. وإذا لم يسمع النداء، تقع على المثقفين العراقيين مهمة إنتزاع حقهم بالطرق التي يرتأونها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم