الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يهودية الدولة في قلب حل الدولتين لشعبين

عماد صلاح الدين

2008 / 1 / 12
القضية الفلسطينية


بعيدا عن الحديث على عدم شرعية وبطلان القرارات الدولية المتعلقة بمنح شرعية وجود قومي لليهود في ارض فلسطين التاريخية، أو إعطائهم الحق بإقامة دولة لهم على أجزاء كبيرة من فلسطين كما في وعد بلفور وقرار الانتداب ،الذي تكفل بتهيئة الأجواء ،ومن ثم تكريس ذلك دوليا وبشكل واضح من خلال قرار التقسيم 181 لسنة 1947 ، إلا أن المهم في الموضوع كله هو أننا لو أمعنا النظر من الناحية النظرية في تلك القرارات والوثائق الصادرة عن عصبة الأمم وشخصيات سياسية رفيعة في أوروبا ومن ثم تاليا عن هيئة الأمم المتحدة التي أنشئت عام 1945 ، فإننا لا نجد فيها ما يفيد على الإطلاق من الناحية النظرية كما أسلفنا أية إشارة لا من قريب ولا من بعيد حول مفاهيم ومصطلحات سياسية وقانونية تتحدث عن تقسيم دولة هنا وهناك سواء عربية أو يهودية بما يفيد الإغلاق والاقتصار العرقي والديني لجهة ما على جغرافيا ما من ارض فلسطين التاريخية دون غيرها من عرق أو دين آخر .

فقرار التقسيم على سبيل المثال وان تحدث عن إقامة دولتين إحداها يهودية وأخرى عربية ، إلا أن نصوصه واضحة بترك الخيار لكلا سكان الدولتين في الأساس قبل إقامتهما بالعيش واكتساب الحقوق السياسية والقانونية كمواطني دولة سواء كانوا يهودا أو عربا ،وبغض النظر عن حقيقة أن هذه الدولة ليهود أو تلك لعرب ، بل إن قرار التقسيم تحدث عن حالة من الاقتصاد التعاوني والمشترك إلى حد ما ، والأمر تجده كذلك في كل القرارات والوثائق الدولية بما فيها وعد بلفور نفسه لسنة 1917، حيث لا حديث مطلقا عن دولة بهوية دينية يهودية أو حتى عربية .

هذا على صعيد القراءة النظرية الواضحة لتلك القرارات والوثائق المتعلقة بعموم القضية الفلسطينية ، لكن على صعيد السياسة والاستراتيجيا الاستعمارية لدول الغرب الأوربي، وفي المقدم منها الولايات المتحدة الأمريكية فالأمر ليس كذلك بالطبع وعلى وجه التأكيد . والأمر ينسحب بالضرورة وبالتبعية على إسرائيل ككيان إحلالي صهيوني؛ فمن الناحية العملية والواقعية لتلك الدول وفي سياق إستراتيجية السيطرة على عموم المنطقة العربية الإسلامية المسماة غربيا وإسرائيليا بمنطقة الشرق الأوسط بالاستناد إلى الأس الجغرافي مسلوخا منه البعد الثقافي والحضاري، فان من مقتضى تلك الإستراتيجية أن تحدث حالة من التمدد الاستيطاني على معظم أراضي فلسطين التاريخية بطريقة يحكمها ما يسمى بالعنصر النقي لليهود ،وان يصاحب ذلك حالة من التعود الإقليمي والدولي في إطار شرعنة هذا التمدد الاستيطاني الاحلالي ،لان هذا يخدم عموم الإستراتيجية الأمريكية والغربية في السيطرة على مقدرات المنطقة وثرواتها ،والانتقال نوعيا في إمعان تلك السيطرة من خلال وجود كيان غريب قوي عسكريا واقتصاديا لا تتهدده مخاطر داخلية تتعلق بالديمغرافيا السكانية المتمثلة بوجود عرب في قلب الدولة اليهودية ،وأيضا من خلال إضعاف عنصر الخطر الخارجي نهائيا عبر تحويل الدول القطرية في الإقليم العربي والإسلامي إلى أقاليم ومقاطعات أثنية ودينية وعرقية ضعيفة ومتناحرة تستطيع إسرائيل مواجهتها بالدعم الأمريكي والغربي وبسهولة ؛بكونها أي إسرائيل هي الكيان الوحيد الموحد على صعيد الجغرافيا والديمغرافيا في معظم ارض فلسطين التاريخية. وهذه هي الإستراتيجية الجديدة لامريكيا منذ مطلع مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ومن قبلها في عاصفة الصحراء ضد العراق عام 1990.

بدأت الخطورة النظرية والعملية لتكريس مفهوم يهودية الدولة على معظم ارض فلسطين التاريخية ،وربما لاحقا على جميع ارض فلسطين التاريخية عندما قبلت القيادة الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات القرارين الدوليين 242 ،338 الصادرين على التوالي 1967 1973، كمرجعية للسلام عام 1988 ، وحين نفهم المعنى الحقيقي لهذين القرارين ، نعرف السبب وراء الضغوط الإسرائيلية والأمريكية على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بضرورة الاعتراف بهما ؛ فالقراران يتحدثان عن ضرورة انسحاب إسرائيل من أراض احتلت عام 67، وليست الأراضي التي احتلت عام 67 ، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فان الحديث عن حل عادل لقضية اللاجئين جاء عاما وليس على وجه التحديد بصرف الأمر إلى اللاجئين الفلسطينيين من خلال استناد الحل إلى القرار الدولي 194 الناص على حق العودة و -أو التعويض لمن لا يرغب في العودة منهم . ولان الحديث جرى عن أراض محتلة فان إسرائيل في تفاوضها مع الفلسطينيين اعتبرت أن الأراضي المحتلة عام 67 ،هي أراض متنازع عليها. وعليه اتخذت إسرائيل ذلك، وطيلة جولات المفاوضات وحتى اليوم، ذريعة للاستمرار في الاستيطان والعمل على شرعنة ذلك في نظر المجتمع الدولي حتى استطاعت أن تقضم أكثر من نصف أراضي الضفة الغربية من خلال سياسة الاستيطان وبناء الجدار وعزل القدس والأغوار، بمعنى أو بآخر استطاعت إسرائيل من خلال خدعة الحديث عن مفاوضات تؤدي إلى دولتين،أن تشرعن وجودها على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وفي القدس الشرقية التي يجري الحديث سياسيا وإعلاميا على أنها عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة ، وان تهيئ الأجواء ليس فقط لشطب حق العودة من أجندة المفاوض الفلسطيني كما هو حاصل اليوم ،بل ولتمرير مشروع ترحيل أو تسفير " مشروع الترانسفير " فلسطيني الداخل إلى هذه الدولة الممسوخة في حدود ما يتركه الجدار وعزل القدس والأغوار، من خلال الحديث عن تبادلية الأراضي التي رحب بها المفاوض الفلسطيني منذ بواكير دعوة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن للقاء انابوليس .

لا اشكك أبداً في نوايا الراحل ياسر عرفات حول حلم إقامة الدولة المستقلة على كامل أراضي ال67 ،حتى وان كان عرفات يقبل ربما بأية تسوية رمزية لقضية اللاجئين الفلسطينيين وربما تركها لصراع الأجيال اللاحقة من الفلسطينيين والعرب ، لكن هيهات أن يكون الرجل قد فكر يوما ما بالقبول من مثل فكرة تبادلية الأراضي ودولة في حدود الجدار أو فكّر بالقبول بترحيل فلسطيني الأراضي المحتلة عام 48 إلى الدولة الكاملة السيادة على جميع الأراضي المحتلة عام 67 .

لكن الخطورة من حديث أو مفهوم الدولتين لشعبين ،تتأتى اليوم ونخشى أن تصبح حقيقة واقعة حسب الفهم والرؤية الأمريكية والإسرائيلية لها ،في ظل وجود مفاوض فلسطيني يعتبر أن التفاوض خيار تاريخي واستراتيجي لا يمكن أن يسقط أبداً ، يسلم بمقتضاه بكل ما يجود به الأمريكان والإسرائيليون فقط . هذا ليس تبلياً على المفاوض الرسمي بل إن التصريحات الصادرة منهم ومن إسرائيل والاهم من ذلك المواقف على الأرض، تشير إلى ذلك بكل وضوح من انابوليس إلى باريس الاقتصادي وما وقع قبلهما وأثناءهما وبعدهما أيضا . ولست افهم ما الذي يقصده رئيس وزراء حكومة الاحتلال أيهود أولمرت حينما يقول في مقابلة مع صحيفة الجيروزاليم بوست قبل أسبوع من كتابة هذا المقال بان هناك فرصة تاريخية مواتية للسلام مع محمود عباس ، وان الرئيس عباس يريد السلام معنا كما نحن ، إنني اقرأ ذلك من روحه !!.

لقد باتت فكرة يهودية الدولة واقعة إمكانية وتحقيقا ،من خلال قبول المفاوض الفلسطيني الرسمي بدولة الجدار القائمة على تبادلية الأراضي ،وشطب حق العودة ،وقبول ترحيل فلسطيني الداخل إلى هذه الدولة ،وإخراج القدس من دائرة التفاوض ،وإبقاء التكتلات الاستيطانية في الضفة الغربية كمستوطنة معاليه اودوميم التي يعتبرها أولمرت جزءا من إسرائيل. ولذلك لابد من وقفة وهبة جماهيرية لجميع الفلسطينيين في الداخل والخارج ومعهم كل المخلصين من عرب ومسلمين وأصدقاء في العالم لوقف هذه الجريمة الإنسانية القائمة على الفصل العنصري والإبادة وغيرها في إطار مشروع تفاوضي عبثي مرجعيته أمريكية وإسرائيلية بامتياز.

باحث فلسطيني في التضامن الدولي لحقوق الإنسان- نابلس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل