الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقديم لمجموعة محمد البوزيدي القصصية الجديدة -مَوَاوِيلُ الأَحْزَانِ- بقلم محمد سعيد الريحاني

محمد سعيد الريحاني
أديب وباحث في دراسات الترجمة

(Mohamed Said Raihani)

2008 / 1 / 9
الادب والفن


العديد من كتاب القصة القصيرة استهوتهم الرواية كمحمد شكري ومحمد زفزاف ومحمد أنقار كما استهوت القصة القصيرة العديد من كتاب الرواية في هجرة معكوسة كالروائي المصري الأشهر نجيب محفوظ. لكن تحول الأستاذ محمد البوزيدي من الرواية إلى القصة القصيرة لم يكن مفاجئا على الأقل من منظور قراء القصة القصيرة. فالرجل كان دائما يكتب الرواية بنفس القصة القصيرة بدء من العنوان الذي اختاره لعمله الأول "وطن بحجم غرفة" المكتوب في "رواية بحجم أقصوصة". ففي مجموعته القصصية الجديدة "مواويل الأحزان"، يبدو أن محمد البوزيدي وجد أخيرا ضالته وأنه اهتدى إلى سبيله ومبتغاه: الكتابة في جنس القصة القصيرة. ولأن الأمر يتعلق بالمصالحة مع الذات، فقد عمد الكاتب في العمل الراهن إلى مصالحة مضامين نصوصه بأشكال عرضها السردي. ولعل الانتباه لعتبات هدا العمل السردي قد يفتح للقارئ الشهية لأسمى ما يطمح إليه: متعة القراءة.

تكمن أهمية العنوان في قوة جاذبيته للقارئ، تلك الجاذبية التي تقابلها في مجالات الحياة الأخرى جاذبية اللون والرائحة والملمس. العنوان، كما يراه رولان بارث ، يجب ان يثير في القارئ الرغبة في القراءة. هذا عن أهمية اختيار العنوان، أما عن معايير هذا الاختيار، فأعتقد أن هناك نموذجين: النموذج الأول، النموذج العضوي، فهو نموذج العنوان المنتقى من بين النصوص المتضمنة في المجموعة القصصية، فيتماشى مع تقنيات الكتابة السردية ذات التوجه الانفتاحي الحواري...



أما النموذج الثاني، فهو نموذج العنوان المفروض من خارج النص وهو يتماشى مع تقنيات الكتابة السردية ذات النزوع الشمولي (السرد بضمير الغائب، معرفة السارد المطلقة بماضي وحاضر ومستقبل شخوص النص، غياب الحوار…)... ومجموعة الأستاذ محمد البوزيدي القصصية تنتمي لهدا الصنف من السرد. فقد اختار الكاتب "مواويل الأحزان" عنوانا للمجموعة من خارج عناوين النصوص الإثنى عشر : من يوميات الدخول المدرسي، كرامة ضائعة، مالك الحزن، الرحيل ... الرحيل، علي والصحراء، أحلام السراب، اليتيم، هوامش من دفاتر الأحزان، ربيع الصيف، ساعات في السجن، من يشعر بالشاعر؟، المستنقع.

كما عزز اختياره هدا باعتماد السرد بضمير الغائب الذي طبع كل النصوص باستثناء نص "الرحيل... الرحيل" المسرود بضمير المتكلم ونص "هوامش من دفاتر الأحزان" المحكي بضمير المخاطب:
* "كانت تمتلك معلومات عن المدرسة : تبعد المركزية عنها ب 10 كلم ، أهلها كرماء كعادتهم ، المدير لا يحضر إلى هناك إلا مرة كل شهر ليستمتع بمأدبة عند شيخ القرية الكريم الذي يوجد ابنه في فرنسا والذي يوفر له كل موارده المالية الذي تجعل موقعه قويا في البلدة ، لا مرافق عمومية هناك لكن شبكة الهاتف النقال تغطي الفضاء شرط أن تكون بطاقتك من عيار جوال"… (نص من يوميات الدخول المدرسي).

* "يسارع الزمن القاسي ، وبوحدته الخاصة التي تؤنسه كفزاعة غربة طويلة، يواصل لعن مسار الحياة القاسية التي فرضت عليه طقوسا استثنائية لتوفير لقمة خبز غير سائغة." (نص كرامة ضائعة).

* " يسافر في السراب، يعانق الألم صديقه الوفي ، ويستورد لكنة غامضة ليطاوع بها ذاتا اكتشف مؤخرا أنها غرقت في حب سيجارة كازا التي ألف تدخينها منذ 10 سنوات .

ومنذ ذلك الوقت يومه يشبه ليله…" (نص مالك الحزن).

* " تشرق الشمس رويدا رويدا، تخترق الأكوان ، تسافر كما اعتادت منذ زمان غابر في حلقة شبه مفرغة لا تنتهي، تغير وتعود للغارة كل يوم جديد ، تقتحم أشعتها عنوة الخيمة البسيطة المنسوجة من وبر الإبل والمنتصبة بإحكام في الرمال الغزيرة .

ومع كل صباح، يعيد الزمن عقاربه العادية ولحظاته المتكررة.

و كالمعتاد، يوما بعد يوم يستيقظ علي دون إدراك جيد للتوقيت ، يفرك عينيه قليلا ليتيقن أنها اللحظة المناسبة لبدء عمل يوم جديد...قديم ..." (نص علي والصحراء).

* " بعيدا عن الجبل الذي لم يستوعب أحلامه، بعيدا عن عواء الذئاب الذي يخترق صمت الزمان وقسوة المكان، ينسحب إلى حيث الهدوء، يسير بتؤدة عجيبة بعيدا بعيدا... يداعب خصلات شعره التي بدأ الشيب يقتحمها قسرا ...لم يشعر إلا وهو يجد نفسه بعيدا عن منزله .لقد وصل لمكان خاص اختاره بعناية"... (نص أحلام السراب).

* " الساعة العاشرة والنصف صباحا ، وضع المسكين محفظته في باحة الشقة القديمة بالمنزل المتكون من غرفتين ، وانساح ببصره بعيدا في الزقاق .

هاهو يتطلع لحياة يومية جديدة على مقاسه الخاص ، وعلى عتبة المنزل البئيس يقرأ تضاريس حومته القاسية الفقر ...ويكرر التقاط المشاهد اليومية المؤلمة"... (نص اليتيم).

*" في الصيف يأتي الصبي

مترنحا من حرارة مستقبل ضائع

وبعيد كمسافة المليون ميل

فاغرا فاه للذي قد يأتي ولا ولن يأتي" (نص ربيع الصيف).

* " لماذا ما زال الجو باردا ؟ من يعطيه الدفء الذي يفتقده ؟أم هو إحساس داخلي شخصي لا علاقة له بالمناخ …

هكذا تساءل رشيد في قرارة نفسه , و هو الغارق في زخم الزمن الرديء ، معتقل سابق ما زال لم يسترح من مأساة ساعات عديدة كانت ظلما و سرابا رغم مرور أشهر على ذكراها الحزينة. " (نص ساعات في السجن).

* " يرسل الشاعر قصائده إلى الصحيفة كمن يتخلص من أوجاع مخاض في ليلة باردة ، حين تغادره في طريقها يقذف آلاما نفسية تحيط به من كل جانب ، فيحس براحة نفسية أنه قد بلغ الرسالة فهل ستصل للهدف ؟
أم ستبقى صرخات في أودية فارغة لا ترجع حتى صداها القوي الذي تخرج به من القريحة الجريحة ." (نص من يشعر بالشاعر؟).

* " مع كل صباح جديد ، يتأمل عزيز المشهد اليومي من الزجاج في مملكته الخارجة عن القانون ، يسافر لحظات في الخيال ليقدر مداخليه الخاصة لهذا اليوم والتي توقع أن تكون كبيرة بالمقارنة مع الحضور المتميز للتجار عوضا عن الطلبة الذين ضاق بهم ذرعا قبل أسبوع "… (نص المستنقع).

لماذا السرد بضمير الغائب في الوقت الذي تنتعش في المغرب الكتابة بضمير المتكلم والانتصار للسيرة الذاتية وكتابة اليوميات والمذكرات التي يراهن بعض النقاد المغاربة على كونها "ديوان العرب" الجديد؟

لماذا اختيار عنوان المجموعة من خارج عناوين نصوص المجموعة؟

لماذا اختيار المنحى الشمولي في النص عوض المنحى السائد، المنحى العضوي؟

إن القراءة الواعية لمجموعة محمد البوزيدي القصصية "مواويل الأحزان" ستثيرها لا محالة المراوحة التابثة في كل نصوص المجموعة بين رفض الانتماء للنص ورفض الانتماء للمجتمع. فحتى في النص الوحيد المحكي بضمير المتكلم الذي من المفروض أن يجد القارئ من خلاله ذاته متماهيا ومتطابقا مع السارد والشخصية الرئيسية للحكي في النص، نجد السارد يهرب من مجتمع حلت به اللعنة وخنقته. ففي نص " الرحيل... الرحيل"، نقرأ:

"حملت ذاتي، سحبتها من مستنقع ضاق عهرا بالعهارة اليومية ، لقد فاض الكيل ، وتفتقت الحواجز من فرط مارأيت ، هل النهار يفتتح صباحه بليل رمادي ولو كان ضوئه أبيض.

أجل، هربت لأحمي كياني، فلا حياة لمن أنادي ، وإذا كان التاريخ علمنا أن الفرار هو سلاح العجزة والجبناء، فهنا أصبح كنز الشجعان والأقوياء ، لا حل آخر :إما أن تفر فرارا ، أو تذوب وسط الطحالب تواصل الشرب من الماء العاكر الملوث بقذارة "فكر"يئسنا من كنسه على عجل ،
الفرار لا يعني الهروب بل يحدد معنى جديدا للحياة ، ومن نجى فاز ، ومن تنحى جانبا بعيدا عنهم فقد ارتمى في حضن دافئ غالي ونادر.

ها أنذا في الهواء الفسيح أحلق عاليا. كل شيء أمامي واضح حتى الأكثر غموضا عندما كنت مازلت هناك، أنظر من كل الزوايا ، لا أعتقد أن أحدا اكتشف انسيابي وإلا لطلب الرفقة في هذا الزمن الذي لا رفيق فيه إلا الذات الحزينة ، لو علم بعضهم لقبض علي متلبسا ، لا محبة أو رفضا للأمر ، لا احتجاجا ، ولا ...ولا...فالقبض علي ولو من عقب حذائي لا يعني سوى اقتراب غريق في البحر من شخص كاد يصل لشاطئ النجاة والابتعاد كثيرا عن الموج المتلاطم" (نص الرحيل... الرحيل).

فبعد أن ضاق به الوطن في روايته الأولى حتى صار "بحجم غرفة"، يعود الأستاذ محمد البوزيدي في إصداره القصصي الجديد ليؤكد بأن الضيق صار قانونا لا سبيل للإفلات منه إلا عبر عود الريح: الإبداع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية


.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال




.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه


.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو




.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال