الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عدن حانة البحّار الأزلية

صبري هاشم

2008 / 1 / 9
الادب والفن


هي المدينةُ المرميةُ بأمانٍ على حافّةِ البِحارِ ، المسترخيةُ بحنانٍ في أحضانِ السواحلَ العذراء . هي عدنُ عروسُ البحرِ الزاهيةُ ليل نهار رغم حرِّها الشديدِ اللاهبِ .. تداهمني لوعةُ الشوقِ إليها كلّما تذكرتُها وكلّما صَهلَتْ في أنفي رائحةُ عطرٍ أو بَسَقتْ في سماءِ برلين زرقةٌ نقيّةٌ . لا أعرف أحداً مِن غيرِ اليمنيين يَحِنُّ إلى عدنَ كحنيني إليها ، ولا أَظنُّ غريباً أَحَبّها كما أحببتُها وعشقَها كما عشقتُها ، عدنُ المدينةُ التي عوّضَتْني عن البصرة لتسعِ سنين متواصلة .. مدينةٌ مَنَحَتْني الأمانَ الذي افتقدْته في بلدي.
في عدنَ يستهويْنا الليلُ فيأخذنا النجمُ البعيدُ نحو سلطةِ الحكايا ، نقصُّ عليه ميراثَنا الذائب في الذاكرةِ أو ما تبقّى مِن ملامحِه .. نَحْكي خواءَنا على أرصفةِ المنافي أو في جحيمِ الأحزابِ المعقمةِ لعقولِنا وأرواحِنا . في عدنَ نَنْسِجُ اللامعنى في خطواتِنا التي تزدهرُ بها أنَْفاسُ المسافةِ . كم مرّةٍ مرّت بنا الريحُ دون أنْ تسألَنا عن وجهتِنا القادمةِ ؟ كم مرّةٍ لفحتْنا الشمسُ دون أنْ تميزَ أجسادَنا المُندهشةَ مِن قَسْوتِها ؟ كم مرّةٍ غَمَرَنا البحرُ دون أنْ يستغربَ زغباً حائراً .. هي عدنُ تفتحُ لنا أبوابَ الندى وتُدْخلْنا في شهدِها الجميل . أحياناً نلوذُ بالساحلِ المُمتدّ نحو كلِّ نقاءِ المعمورةِ .. الساحل المسالم كالمدينةِ ، كأهلِ المدينةِ ، يأخذُنا إلى الليلِ ، دائماً في الليلِ نحطّ مثلَ دمى متعبةٍ عبثت بها العيونُ خلف زجاجِ الإباحةِ .. في عدنَ نَهْربُ من لوعةِ الغريبِ إلى الأهلِ فنعبّ في جوفِنا خمرةً قاتلةً حتى تقفزَ شهقةُ الإصرارِ على الرجوعِ . إلى أين ؟ هكذا نحن مُغالون في العاطفةِ .. بكّاؤون .. مُتطرفون في شدّةِ حنينِنا .. مُتطرفون في كلِّ شيءٍ حتى في الخيانةِ .
عدنُ المدينةُ الوحيدةُ التي أستعيدُها في ذاكرتي في كلِّ وقتٍ .. أمشي في شوارعِها أَلِجُ أَسْواقَها وحاناتِها الفقيرةَ ( هل بقيت فيها حانةٌ ؟ ) .. أُسامرُها في ليلةٍ مُقمرةٍ .. أَتلذذُ في مُتابعةِ حركةِ مينائها "التواهي" الجميل بكلِّ المقاييس . وعدن صار لي فيها أصدقاءُ ومعارفُ وأناسُ طيبون أَحَبّوني وأَحْبَبتُهم وكنتُ أشعرُ بالأمانِ في صحبتِهم أكثر مما أشعرُ به وأنا مع أبناءِ جلدتي الذين أدمنوا الكراهةَ .. في عدنَ لم أرَ حالةَ شجارٍ واحدةً في أيِّ مكانٍ ـ بغضّ النّظرِ عن الخلافاتِ السياسيةِ ـ أنا العراقيّ المُجبل على الغضبِ السريعِ وإنْ شئتم فعلى الحمقِ ، ربما حالة الشجارِ الوحيدة التي رأيتُها كانت بيني وبين مديرِ دائرتي التي أعملُ فيها وكنتُ أنا المُتسبب في الخصومةِ . بعدنَ مرّت وأقامت أسماءُ مهمة من المثقفين العربِ والعالميين . مرّ الشعراءُ والروائيون والفنانون ومرَّ المجانينُ والنسوةُ الجميلاتُ وفي عدنَ أنُشئت أولُ حكومةٍ اشتراكية في تاريخِ العربِ الحديثِ . في عدنَ تعرّفتُ على شعرائها وكتّابِها المهمين : الشاعر شوقي شفيق ، الشاعر محمد حسين هيثم ، الشاعر عبدالله علوان ، القاص ميفع عبدالرحمن ، الروائي والقاص حسين باصديق ، القاص كمال الدين محمد ، الصحفي شكيب عوض ، مع الاعتذارِ لمَن لم يحضرْني اسمُهُ هذه اللحظة ، وعن بعد تعرّفتُ على آخرين مِن الكتّابِ والصحفيين الذين كانوا على درجةٍ عاليةٍ من المهنيةِ .. أسماءُ كثيرةٌ أخرى أرجو أنْ ألتقيَ بالأحياءِ منهم مرّةً ثانيةً . في عدنَ كتّابُ وشعراءُ وروائيون وقاصون من النساءِ والرّجالِ لم يصلْنا نتاجُهم الإبداعيُّ بسببِ غفلةِ الأمةِ التي انحدرت في الغالبِ مِن أصولٍ يمنيةٍٍ . في عدنَ المدينة التي لن أنساها نفضتُ الغبارَ عن بعضِ الكتاباتِ التي أُنجزت في سنواتٍ خلت ونشرتُها تباعاً . في عدنَ ولدتُ إبداعياً .
* فندق البحّارة
لرجالٍ عصفوا في الحانةِ
تأتي المراكبُ ويأتي بالبشائر موجٌ
تأتي فتياتٌ في الليل يحملن قلائدَ فلٍّ
ومن ثيابِهنّ يتضوع عطرُ
لرجال أدمنوا البحرَ
تفتحُ الحانةُ أبوابَ الريحِ وتُطلقُ خيولَ النسيمِ
ستأتي الحورياتُ على ظهور الحيتانِ
يأتي صيادو اللؤلؤ والمرجان
ويأتي باعةُ أثمار البحرِ
يأتي الغرباءُ
لرجال تنفسوا التواهي كالهواء
تأتي النسوةُ
المخضبات بالشهد والحنّاء
في فندق البحّارة
يقفُ البحرُ متوسلاً لرجال غادروا البحار
بعد خصومةٍ
واكتنفوا الحانة
في فندق البحّارة ينام التواهي
وينام الغرباء
وعلى راحتهم تسهر الحانة
في فندق البحّارة
يمرّ البحر أمام عشّاقه مختالاً

* أَبْيَن

هي أبين المنحوسة ، المنسية
هي المدينة التي لا تعرفها التواريخ
المُتعطرة ليل نهار
المفتوحة على البحر والمدى
تُلوّح لقراصنة أخذتهم النشوة بعيداً
تلوّح لغزاة تبدو في الأفق طلائعهم
لراياتٍ تقصدُ عاداً أو ثمود
لعاشقي الغرائب
هل جاء من وراء البحار العاشقون ؟
أبين في غربة العصر
أبين سيدة الماضي
أبين ما دخلت حاضراً إنما شهقت في صمت الوسادة
هل ظلّت عذبة الروح
كما تركناها ؟
ها نحن نطوي نحو حضرموت المسافة
وعن أبين رحلنا
ها نحن في رابعة النهار
خلّفْنا أبينَ وصيّادي السمك السماوي
وفسطاط التُّبّع الأخير
خلفنا صارت أبوابُ حِمْيّر
خلفنا أبين وحسرة الحضرمي :
" أبين أرطب وألين
بلاد الحاس والحسحاس والظلم الشديد
لا حيّها يسلم
ولا ميتها شهيد
دخلتها بشلنغ
وخرجت منّها بشلنغ "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا