الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألشمس أبقى من قطيع الغيوم ..قراءة في قصيدة السبعينات ج4

كاظم غيلان

2008 / 1 / 9
الادب والفن



قراءة في المشهد السبعيني للقصيدة الشعبية مقرونة بالتجربة الشخصية (القسم الرابع)
مرحلة العصف الأسود (7)
أوجدت قصيـدة الحرب في عهد النظام السابق معنى آخر وكان بامكان اي من ابناء الشوارع صياغتها
كاظم غيلان
أسهبت في الحلقات السابقة بالحديث عن مرحلة شهد ايقاعها هدوءا جميلا متناغما الى حد ما مع الشعر وجمالياته ومعاركه الثقافية المشرَفة، أما اليوم فساتحدث وبلغة الوقائع وليس المتخيل عما حصل من عصف أسود شهدته عموم الساحة الثقافية العراقية وشعرنا الشعبي كجناح ناشط وفاعل في تلك الحقبة برغم مراراتها وخساراتها الفادحة.

مع بداية تصدعات تجربة الجبهة الوطنية وانهيار عدد كبير من المثقفين العراقيين بحكم ممارسات القمع والارهاب التي بادرت بها اجهزة البعث كقائد للتجربة واتضاح خيوط المؤامرة الدنيئة والخداع الهزيل الذي أدمن عليه جراء تغذيته الفاشية ، ابتدأنا فاتحة تلك المرحلة بالعديد من النوادر وكأننا نستقبل مرحلة حالكة مريرة بسخرية تامة جراء ما أضمره لنا (الأخوة-الاعداء) اعتملت الوحشية في ارواحهم الشريرة دهورا سحيقة من الزمن، فما ان انهى رحيم الغاليي دراسته في قسم اللغة الروسية - آداب بغداد حتى صدر أمر مضحك بتعيينه كاتباُ في محكمة الناصرية ثم نقله الى محكمة الشطرة ، وهنا اخذنا نتندر ممازحين رحيم بأن الشطرة حسب معرفة (الجماعة) بها ونعني- البعثيين - تعني لهم(موسكو الصغرى) ولذا وجدوك مترجما لهم يارحيم لأنك تتقن الروسية ، وكان يقابلنا هو الآخر بسخريته وحقا ان الشطرة كانت نهاية الستينيات حاضنة لجناح الكفاح الشيوعي المسلح الذي قاده الشهيد البطل ( خالد أحمد زكي) ولكونها متاخمة لهور الغموكة الذي شهد اندلاع الشرارات الأولى لتلك التجربة البطولية العظيمة، بينما امتدت السخرية لتصل الشعر نفسه ورحنا نتداول بيتا من الأبوذية للراحل طارق ياسين الذي كان اشدنا سخطا وسخرية من الجبهة , يقول فيه:
يشتمني ويگلي وياك جبهه
( اي انني معك حليف في جبهه)
وسلگ موتاي جبهه بأثر جبهه
( يراد بها جبهة الرأس)
ما ماخذ يگلي ولك جبهه
( جيبه- هاتها)
لومآخذ لعد شيسوي بيه
بدأت اعمال العنف والاعتقال والمطاردة حتى طالت قوى اليسار الوطني العراقي ولم يكن هناك من بد أو خلاص الا عبر اختيار البعض للمنافي وآخرين كتبت لهم الشهادة وعدد لاذ بالصمت والعزلة كخيار لابد منه . والخيارت هنا لم يكن متفق عليها بقدر ماهي ناجمة عن ارادة كل منا على حدة وقناعة.
(8)
في ليلة كانت بها سماء بغداد ملبدة بغيوم تنذر بالفاجعة تحولت الى ليلة وداعات وأحزان ، وكانت سهرة محفوفة بالتوترات والمخاطر ضمتنا من شعراء تلك المحنة مثل ( شاكر وعزيز السماويين، رياض النعماني، ابو سرحان وآخرين) بواحدة من حانات شارع ( ابو نواس) ثم مالبثنا حتى يستقر بنا المطاف لاكمال سهرتنا بنادي اتحاد الادباء بنفس مكانه الحالي في ساحة الاندلس وللأمانة اذكر هنا ان هذا المكان قد تحول الى ملاذ للعديد من طلبة الجامعة التقدميين الذين اصبحوا قيد المطاردة من قبل مفارز الأمن التي اخذت تتعقب الجميع لتزج العدد الأكبر منهم في زنزانات الأمن العام، والسبب يكمن في تقديري لهيبة المكان ولما كان يعنيه اتحاد ادباء العراق وقتذاك، في تلك الليلة التي لم تبرح ذاكرتي همس لي رياض النعماني بأن (ابو سرحان) لايحتمل المزاح الزائد لأن علامات الكآبة بدأت واضحة عليه وتصاعدت بقوة، عدت ادراجي صباح اليوم التالي الى العمارة بعد أن ودعت الجميع وفي قلبي غصة لما حصل من غدر وجبن وتفاهة لطرف كنا قد وثقنا به وعقدنا آمالاُ جديدة على حسن نوايانا عله يصحح ما ارتكبه من اخطاء أثناء توليه الحكم في شباط 1963 ، لكن ديدنه لن يسمح له بأن يكون كما اردنا، وحصلت مرحلة(الهجيج) بكل الاتجاهات التي من شأنها ان تحقق الخلاص من المذبحة، وهكذا تسلل( كامل الركابي) الى كردستان ليلتحق بفصائل الانصار واصبحت بيروت المحطة الاولى لرياض النعماني وجمعه الحلفي وابو سرحان وآخرين قبيل انتقالهم الى سورية الى جانب عدد كبير من المثقفين العراقيين الناجين من المذبحة، وهنا غيب ابو سرحان في اثناء الحرب الاهلية في حاجز للكتائب ولم يعرف مصيره الى الآن ، بينما استشهد فالح الطائي وفوزي السعد وهادي الشاوي وجميعهم من مناضلي الحزب الشيوعي- تنظيمات البصرة ومن شعراء جيلنا السبعيني ، اما حصتي وريسان الخزعلي فكانت معتقلات الاستخبارت العسكرية ومن ثم الاحالة الى مايسمى بـ( محكمة الثورة) كذلك استشهاد ( كاظم الحميري) حيث تم اعدامه في العام 1982 .. وهذه هي حصة الجيل السبعيني من تلك المرحلة.
(9)
ابتدأت الثمانينيات وبينما العراق يغرق في مشهد مأساوي جراء ما بدأت تنتجه طواحين الحرب مع ايران من ضحايا حتى فتحت ابواب الاعلام الرخيص مصراعيها لقطيع من اشباه الشعراء الشعبيين وهم يتناوبون على القراءة خلف منصة (المهرجانات) مبتدعين اشكالا وصوراً ومضامين تأنف حتى القرقوزات من ادائها، وراحت القصيدة الشعبية تقف بين ايديهم المتسخة لترتدي الزيتوني وولد من رحم تجربتهم جيل كامل لايجيد سوى العزف على اوتار الجريمة الثقافية والانسانية التي الحقت بالعراق ارضا وشعبا كل ماهو سيئ حتى غدت صفة الشاعر الشعبي أقل شأنا من صفة الزاني والزانية بل وأكثر انحطاطا قيميا من سمعة شرطي الأمن ، والأنكى من ذلك امتاز الشعراء الشعبيون من هذا الصنف بارتداء الزيتوني والتمنطق بالمسدس ارضاءا لشهوات قائدهم، وتحولوا من اصدقاء وزملاء لنا الى اعداء شرسين وهنا لا اريد سرد كل ماتحتفظ به ذاكرتي من وقائع، لكنني هنا اذكر واحدة منها ، فبينما كنت في زيارة للديوانية على أمل لقاء منفرد بالشاعر علي الشباني بعد أن اخرج من زنزانات الامن العام حيث تم القبض عليه في مديرية الجوازات العامة ، صادفني معرض للبوستر السياسي اقيم على قاعة بلدية الديوانية، وتولدت في نفسي رغبة لزيارته وللتأكد من صحة وجود فن للبوستر السياسي في تلك المرحلة الدامية، ووجدت مصادفة الشاعر جبار سمير وكان حينها مديرا لاعلام الديوانية ولأنه صديقي وجمعنا الشعر سوية تقدمت صوبه لألقي عليه التحية، فبادرني بردها وبدم بارد وأنفة عالية ولم اسمع منه سوى كلمة(هلا)بتضخيم اللام تقليدا للهجة اسياده” التكارته “، ولم امتلك حينها اي رد فعل سوى ان العن هذه اللحظة وامتلكني شعور مرير بالخيبة حتى تساءلت مع نفسي : ان تناسوا معنا جبهتهم الوطنية لماذا يتناسوا معنا صداقة طيبة؟ ومع مرور السنوات عادت علاقتي بجبار طيبة دون ان اذكره بتصرفه لأنني على قناعة بأنه وامثاله من الشعراء الشعبيين من ابناء ذلك الركب الحربي كانوا ضحايا قناعاتهم العمياء . لقد وجدت قصيدة الحرب في(عراق صدام) معنى آخر، فهي ليست وطنية أو انشادا يرضي ضمير الانسان بقدر ماهي سيل من الشتائم الرخيصة التي بامكان أي من ابناء الشوارع صياغتها وهي كذلك عملية مجانية لاعلان الولاء وفقا لقاعدة التابع والمتبوع وهكذا بالمصادفة تأسست واحدة من اقذر افرازات الشعر الشعبي لواحدة من أعقد مراحل التاريخ السياسي في العراق ممثلة بشتائم أقبال فليح وقرقوزيات هادي العكاشي وصراخ فلاح عسكر ، مع ان البعض منهم لم يسلم من بطش أسيادهم وهذا ماحصل للشاعر غازي ثجيل الذي اكتشف مبكرا حقيقة اللعبة وادرك مخاطرها حتى تمت تصفيته ، وبالمناسبة فغازي الى جانب كاظم خبط هما من اشرف تلك الجوقة ولهما مواقف انسانية معنا لايمكن تنكرها، وهنا اتذكر بأن الذي سعى لتوفير جواز سفر للشاعر رياض النعماني هو غازي ثجيل مع علمه بأن رياض سوف يغادر العراق دونما عودة، وهنا سيتأكد القارئ بأنني لست بالمتحامل بقدر ما انا الساعي لكشف الحقائق التي غيبت دهرا طويلا.
شهادة (1)
الجو سيئ جدا، والذي يعيش أجواء احتقان واختناق لايستطيع ان يكتب، حتى المنافذ المساعدة على التنفس أو الاتصال غير موجودة، أما في الخارج فأن الكتابة بالعامية العراقية محدودة جدا، وقد لاتجد غير رياض النعماني.
مظفر النواب
جريدة الحياة 27/ 6/ 1995
من- حوار موسع معه
شهادة(2)
الأصوات الشابة التي اتوقع لها التقدم كأصوات واعدة ستبدع يوما ما مثل كاظم غيلان وريسان الخزعلي وعدد آخر من الشبان ، ولكن للأسف ليست لدي معلومات أو نصوص لهم واتمنى ان يلقوا العناية ، وان كانت العناية غير متوافقة في الدول العربية عدا مصر.
عزيز السماوي
مجلة المشاهد السياسي/قبرص
العدد 123 في 11/ 7/ 1998
من - حوار معه-

يتبع في العدد القادم
الوطن يلتقي المنفى - حركة التراسل -

________________________نشرت في جريدة الصباح عدد 8-1-2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس